معلولا مدينة سورية على أعتاب لائحة التراث العالمي

البلدة تحتضن عددًا من الأديرة والكنائس التي تعود إلى العصور الأولى للمسيحية، أبرزها دير مار تقلا ودير مار سركيس وباخوس.
الثلاثاء 2025/05/06
ذاكرة حية بلغة السيد المسيح

تسعى سوريا حاليًا لترشيح بلدة معلولا، التي تعد من آخر معاقل اللغة الآرامية، إلى لائحة التراث العالمي، لما تحمله من أهمية تاريخية ودينية ومعمارية. ورغم التحديات التي واجهتها خلال سنوات النزاع، تبقى معلولا رمزًا للهوية الثقافية الحية والانفتاح الروحي.

معلولا (سوريا)- تعمل المديرية العامة للآثار والمتاحف في سوريا حاليًا على إعداد الملف التحضيري اللازم لترشيح موقع معلولا لإدراجه على لائحة التراث العالمي، بالتعاون مع الجهات المختصة والمجتمع المحلي، وبإشراف خبراء من منظمة “الإيكوموس” الدولية. ويُعد هذا المشروع خطوة مهمة تُعزز مكانة سوريا كوجهة تراثية بارزة على المستوى العالمي.

تُعد معلولا، البلدة الجبلية الواقعة شمال دمشق، من آخر المعاقل التي حافظت على اللغة الآرامية، لغة السيد المسيح، كما احتفظت بنسيجها المسيحي العريق الممتد لقرون. إلا أن هذا الواقع تغيّر جذريًا في السنوات الأخيرة، إذ أصبحت البلدة شبه خالية من سكانها الأصليين، نتيجة الضغوط الأمنية والسياسية التي عصفت بالمنطقة منذ عام 2013.

واسم معلولا في اللغة الآرامية يعني “المدخل”، وتُعرف بشق في جبل يُسمّى “الفج”، وهو ممر ضيق بين طرفي جبل شاهق. وتقول الأسطورة إن القديسة تقلا، وهي شابة سورية اعتنقت المسيحية، فرت من والدها إلى هذا الجبل الذي انشق فجأة ليفتح لها طريقًا للنجاة.

ذُكر اسم معلولا في المصادر التاريخية باسمها الحالي، إلا أن بعض المصادر أشارت إليها بأسماء أخرى مثل: “قلمونا”، “سلفكية”، “سلوقية الشام”، أو “سلوقية سوريا”، بينما أطلق عليها العرب اسم “النَشِطَة” لطيب هوائها واعتداله. ويُعتقد أن اسم “معلولا” مشتق من الآرامية القديمة، ويعني المضيق أو الممر أو المدخل الضيق.

pp

تحتضن البلدة عددًا من الأديرة والكنائس التي تعود إلى العصور الأولى للمسيحية، أبرزها دير مار تقلا ودير مار سركيس وباخوس. وكانت معلولا من القرى القليلة التي ظل سكانها يتحدثون الآرامية حتى وقت قريب. قبل اندلاع الحرب، كانت البلدة وجهة مفضلة للسياح من مختلف أنحاء العالم، يستقطبهم تاريخها العريق، وأجواؤها الروحية، ولغتها الفريدة.

في السابق، كان يعيش في معلولا أكثر من ستة آلاف نسمة، معظمهم من الكاثوليك المتحدثين بالآرامية، إلا أن الغالبية الساحقة منهم نزحت بعد دخول النزاع إليها عام 2013، ولم يعد معظمهم حتى اليوم، خصوصًا من لجأ إلى دمشق أو غادر البلاد.

يستذكر إبراهيم، أحد أبناء البلدة، الأيام الذهبية لمعلولا، حين كان ممرها الجبلي الشهير يعج بالزوار والمسؤولين والوفود الدبلوماسية، من أبرزهم الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز والرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر. ويقول: “كان الناس يتوافدون إلى فج معلولا للصلاة وطلب الشفاء… هنا تشعر أن الله أقرب إلى قلبك. سأكون أكثر سعادة حين أراهم يعودون إليه من جديد“.

وفي سوريا برامج السياحة الدينية متعدد منها المسار الروحي ورحلة الحج الشامي ومسار الحج المسيحي على خطى القديس بولس ومسار مار مارون.

ويبدأ المسار الروحي من دير مار موسى قرب النبك إلى دمشق متضمنا المدن التاريخية معلولا وصيدنايا، ويعتبر هذا المنتج السياحي أحد أشكال سياحة المغامرات التي تعتمد على سياحة المشي سيرا على الأقدام وسط الطبيعة في أعالي الجبال وفي الطرقات الضيقة.

أما رحلة الحج الشامي فهو مسار يسمح للزائر باختبار الأجواء الروحية التي كان يعيشها الحاج في بداية رحلة الحج الشاقة إلى الأراضي المقدسة من خلال إحياء طقوس وتقاليد الحج الشامي.

وبالنسبة إلى مسار الحج المسيحي على خطى القديس بولس فيشير بارسيك يبدأ من تل كوكب بزيارة دير رؤية القديس بولس ثم التوجه إلى دمشق لزيارة كنيسة حنانيا وباب كيسان ومدينتي معلولا وصيدنايا.

pp

أما مسار مار مارون فيبدأ بزيارة الكنيسة المارونية بحلب من ثم التوجه إلى قلعة مار سمعان العمودي تليها زيارة كنيسة المشبك الواقعة بين حلب ودارة ومن ثم الوصول إلى قرية براد الأثرية لزيارة كاتدرائية جوليانوس ومدفن القديس مارون ومن ثم التوجه إلى كنيسة قلب اللوزة.

شكّلت معلولا، بطبيعتها الخلابة وتكوينها المعماري الفريد، مصدر إلهام للفنانين التشكيليين والمصورين والمعماريين من سوريا والعالم. وكانت ولا تزال مقصدًا لطلاب الفنون الجميلة وهندسة العمارة، لدراسة العلاقة المتناغمة بين الطبيعة والعمارة، بما تحمله من بساطة وتلقائية وجمال. غير أن هذه الحالة بدأت تتغير، بسبب التدخلات العمرانية العشوائية التي طالت النسيج القديم، عبر تشييد مبانٍ حديثة لا تنسجم مع الطابع المعماري، إضافة إلى استخدام خامات غير ملائمة في عمليات الترميم، ما تسبب في تشويه جزء من الهوية المعمارية للبلدة.

وفي حال نجحت جهود إدراج معلولا على لائحة التراث العالمي، فستكون ثامن موقع سوري ينضم إلى هذه القائمة. وكانت دمشق القديمة أول موقع يُدرج عام 1979، تلتها بصرى وتدمر عام 1980، ثم حلب القديمة عام 1986، وقلعتا الحصن وصلاح الدين عام 2006، وأخيرًا المدن المنسية في محافظتي إدلب وحلب عام 2011.

pp

18