رقصاتنا تحكي قصتنا: مصر تحتفل بتراثها الحي

أحيت مصر للمرة الأولى اليوم العالمي للرقص الشعبي على مسرح الغد بالقاهرة، تأكيدا على أن هذا الفن ليس مجرد استعراض، بل هو هوية وطن وروح أمة تنبض بالحياة وتُروى عبر الخطى الراقصة على أرض التاريخ.
القاهرة - في أجواء مفعمة بالحيوية والفخر بالهوية الثقافية، احتفلت مصر للمرة الأولى باليوم العالمي للرقص الشعبي على مسرح الغد بالقاهرة، في تظاهرة فنية جمعت بين عبق التراث وروح المعاصرة، بحضور كوكبة من الفنانين والمثقفين ومحبي الفنون الشعبية.
جاءت الاحتفالية برعاية وزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هنو، وتحت إشراف المخرج الكبير خالد جلال، وبرئاسة المخرج عادل حسان، مدير المركز القومي للمسرح، في تأكيد رسمي وشعبي على أهمية الفن الشعبي كركيزة أساسية من ركائز الهوية المصرية، ومرآة لتنوعها الجغرافي والثقافي.
استُهلت الأمسية بكلمة للفنانة القديرة مشيرة إسماعيل، عبّرت فيها عن عمق رمزية الرقص الشعبي قائلة “الرقص الشعبي ليس مجرد أداء حركي، بل هو حكاية الإنسان البسيط، مشاعره، أفراحه، أحزانه، وأحلامه. إنه الذاكرة الحية التي تنقلها الأجساد بإيقاع الروح.” ودعت إلى ضرورة الحفاظ على هذا التراث ونقله إلى الأجيال القادمة، باعتباره كنزا لا يقدّر بثمن.
لم يكن الحفل مجرد احتفاء رمزي، بل تجسيدا حيا لهذا الفن العريق، إذ شهد عروضا فلكلورية تمثل مختلف أقاليم مصر، من الصعيد والدلتا إلى الواحات وسيناء. وقدمت فرقة التنورة التراثية عرضا ساحرا أشعل حماس الحضور، عاكسا الفلسفة الصوفية التي تقوم عليها الرقصة من خلال دورانها المتناغم وإنشادها الروحي العميق.
كما شاركت فرق الفنون الشعبية بعروض متميزة، منها رقصة التحطيب الصعيدية التي ترمز إلى الفروسية والنزال الشريف، ورقصة الأراجيد النوبية، إلى جانب المزمار البلدي ورقصات الغوازي، وسط تفاعل كبير من الجمهور الذي امتلأ به المسرح.
وقالت الفنانة شيماء عادل، إحدى المشاركات في الحدث، “الرقص الشعبي هو احتفال دائم بالوطن، لا تذبل ألوانه ولا تخفت نبراته مهما تغيرت الأزمنة”، مؤكدة أن هذا الفن يربط بين الماضي والحاضر ويمنح الأجيال الجديدة شعورا بالانتماء والاعتزاز بالجذور.
تضمن الاحتفال أيضا معرضا مصغرا للملابس التقليدية والأدوات الموسيقية التراثية، مثل الربابة والمزمار والصاجات، بالإضافة إلى عرض أفلام وثائقية قصيرة تناولت تاريخ الرقصات الشعبية في مصر وأبرز رموزها.
ويصادف اليوم العالمي للرقص الشعبي يوم التاسع والعشرين من أبريل من كل عام، وهو مناسبة تحتفل فيها الشعوب حول العالم بإرثها الفني، وتؤكد من خلالها على أهمية الحفاظ على ملامح الثقافة الأصيلة في مواجهة موجات الحداثة والعولمة.
وتسعى وزارة الثقافة من خلال هذه المبادرات إلى إحياء التراث الشعبي وتعزيز حضوره في وجدان المصريين، لاسيما بين الشباب، عبر دمجه في المناهج التعليمية وتنظيم ورش العمل والدورات التدريبية، إلى جانب دعم الفرق المستقلة وتشجيع الإبداع المحلي.
وفي ختام الأمسية، اصطف الفنانون والجمهور في ساحة المسرح مرددين الأهازيج الشعبية في مشهد جسّد تلاحم الوجدان الجمعي مع نبض الفن الشعبي، ليؤكد مجددا أن هذا الفن ليس مجرد استعراض، بل هو هوية وطن وروح أمة تنبض بالحياة وتُروى عبر الخطى الراقصة على أرض التاريخ.
تجدر الإشارة إلى أن الباحث في التراث أسامة غزالي قام بتوثيق وتصنيف 85 رقصة شعبية مصرية منتشرة في مختلف الأقاليم، معتمدا في دراسته على التوزيع الجغرافي والثقافي لها في المدن والمحافظات.
وقسّم غزالي الرقصات إلى نوعين رئيسيين: رقصات دينية تُمارس في المناسبات الروحية، ورقصات غير دينية تضم رقصات المناسبات، والحريم، والرقصات القتالية، ورقص الشوارع، والمواسم، إضافة إلى الرقص الفردي، الثنائي، والجماعي.
في صدارة هذه الرقصات، تأتي الرقصات الفرعونية، ومنها: رقصة الدرع، الأكفان (الرقص الجنائزي)، الرقص بالمصفقات، الرقص بالمرأة، الرقصة الزوجية، المحاكاة، رقص الأقزام، الأكروباتي، الحربي، الديني بالبخور والرقص التمثيلي.
في الفيوم، تشتهر رقصة الحجالة (الصبايا)، وكف العرب، والفكة، بينما تنتشر في سيوة رقصة الزقال والطجو، وفي جنوب البحر الأحمر رقصة الهوسيت، إلى جانب الهيركاك، التربلة، الزريبي، ورقصة قبيلة الرشايدة “بيبوب”.
أما في دلتا وصعيد مصر، فتبرز رقصات مثل الفكة، الذكر، الحضرة، ترقيص الخيل، التحطيب، الغوازي، النزاوي وسامر السحجة. وفي القاهرة تُعرف رقصات المولوية، التنورة، الرقص الشرقي والبهلونات.
في النوبة وأسوان، نجد رقصات الكف، الأراغيد، الشيلة، الهولي هولي، الكاريج، الضريح والدس براما، بينما تتنوع الرقصات في سيناء بين سامر الدحية، الدبكة السيناوية، المهباش والفرح البدوي.
أما الإسكندرية فتشتهر برقصات أولاد السيالة، الموشح الأندلسي، الصهبجية، الفتوات والعوالم. وفي الواحات ومدن القناة، نجد رقصات البمبوطية، البرمية، الكف الواحاتي والحنة السويسي.