تصاعد هجمات داعش يكشف هشاشة التفاهم بين الأكراد ودمشق

داعش يستغل حالة عدم اليقين في العلاقة بين الإدارة الذاتية ودمشق ليُعيد تنظيم خلاياه في المناطق الحدودية.
الأربعاء 2025/04/30
فجوات لتنفيذ الاتفاق

القامشلي (سوريا) - في وقت تسعى فيه دمشق لترسيخ سلطتها في مرحلة ما بعد بشار الأسد، جاءت الهجمات الأخيرة لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في شرق سوريا لتكشف خللا عميقا في التفاهم الموقع بين الحكومة الانتقالية والإدارة الذاتية الكردية، وتسلط الضوء على التحديات الأمنية والسياسية التي تعيق بناء سلطة مركزية مستقرة.

وأعلنت قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، الذراع العسكرية للإدارة الذاتية، أمس الثلاثاء مقتل خمسة من عناصرها في هجومين متزامنين لتنظيم الدولة في بلدتي الجزرات وذيبان بريف دير الزور، مؤكدةً أن الهجومين جاءا ضمن “سلسلة عمليات إرهابية منظمة” تنذر بعودة نشاط التنظيم على نحو مقلق.

ورغم توقيع اتفاق في مارس الماضي بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، يقضي بدمج القوات والمؤسسات الكردية ضمن هيكل الدولة السورية، فإن الهجومين جاءا ليكشفا عن فجوة عملية في تنفيذ الاتفاق، لاسيما على المستويين الأمني والعسكري، حيث لا يزال التنسيق الميداني محدودًا، وتُبدي الإدارة الذاتية تحفظًا واضحًا تجاه صلاحيات الحكومة الجديدة.

وخلق هذا التوتر السياسي، خاصة في ظل اعتراضات الإدارة الذاتية على الإعلان الدستوري الجديد، بيئة رخوة أمنيا، استغلها التنظيم المتطرف لتكثيف نشاطه في منطقة لطالما مثلت خاصرة رخوة للسيطرة الكردية.

ورغم توقيع الاتفاق، الذي يُفترض استكمال تطبيق بنوده بحلول نهاية العام، وجهت الإدارة الذاتية الكردية انتقادات حادّة إلى الإعلان الدستوري الذي رعته الرئاسة السورية، ومنح الرئيسَ، وفق خبراء، سلطات مطلقة في إدارة المرحلة الانتقالية المحددة بخمس سنوات. كما اعترضت على الحكومة التي شكلها الشرع، وقالت إنها لن تكون معنية بتنفيذ قراراتها، باعتبار أنها “لا تعبّر عن التنوع” في البلاد.

ومقابل انخفاض واضح في هجمات التنظيم داخل مناطق النظام منذ سقوط الأسد، تصاعدت وتيرة العمليات في مناطق قسد، ما يعكس ليس فقط ثغرات أمنية، بل أيضًا عجزا عن خلق بنية موحدة فعالة بعد الاتفاق السياسي. ويشير مراقبون إلى أن داعش يستغل حالة عدم اليقين في العلاقة بين الإدارة الذاتية والحكومة المركزية ليُعيد تنظيم خلاياه، خصوصا في المناطق الحدودية المفتوحة، حيث لا تزال سلطات دمشق غير قادرة فعليا على بسط نفوذها الكامل.

◙ الرسالة الأمنية لهجمات دير الزور واضحة: التنظيم لم يهزم بعد، والتحوّل السياسي وحده لا يضمن الاستقرار

ورغم زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى بغداد لإبداء استعداد دمشق للتعاون الأمني مع العراق، فإن غياب التنسيق الكامل مع قسد، حليفة الولايات المتحدة، يطرح علامات استفهام حول مدى جدية الدولة السورية الجديدة في التعامل مع التحدي الجهادي كملف وطني مشترك، لا كأداة للضغط السياسي.

ويرى محللون أن الرسالة الأمنية لهجمات دير الزور واضحة: التنظيم لم يهزم بعد، والتحوّل السياسي وحده لا يضمن الاستقرار إذا لم تترجم التفاهمات إلى مؤسسات فعلية وتنسيق ميداني حقيقي. وإذا استمرت حالة التوتر والتراخي فقد تصبح المناطق الشرقية مرة أخرى ساحة اشتباك دائمة بين قوى محلية وإقليمية، وسط فراغ تستخدمه الجماعات المتطرفة لترسيخ وجودها من جديد.

ويأتي تصاعد نشاط تنظيم الدولة الإسلامية شرق سوريا في وقتٍ تعاني فيه مناطق سيطرة قسد من تحديات متداخلة تتجاوز الجانب الأمني، أبرزها الانقسام المجتمعي والتوتر العربي – الكردي المتصاعد في ريف دير الزور، حيث تفتقر القوات الكردية إلى الحاضنة الشعبية الكاملة، ما يجعلها أكثر عرضة لاختراق التنظيم. ولطالما استثمر التنظيم الإرهابي في التذمر المحلي الناتج عن التهميش الإداري، ونجح أحيانًا في استقطاب مقاتلين محليين عبر مزيج من الترهيب والإغراء المالي.

وإضافة إلى ذلك تعاني قسد من حالة إنهاك عسكري ممتدة منذ سنوات، حيث باتت تواجه خصومًا متعددي الأوجه: تنظيم الدولة من جهة، والضغوط السياسية والأمنية من دمشق، والتهديدات المستمرة من تركيا التي تستهدف مناطق سيطرتها في الشمال، فضلًا عن تناقص الدعم الأميركي منذ تغير الإدارات في واشنطن. وتقلص هذه الضغوط المركبة قدرتها على تأمين مناطق واسعة ومعقدة جغرافيًا وسكانيا، كدير الزور.

ومن جهة أخرى تحدث الاضطرابات شرق سوريا في سياق إقليمي هش، حيث لا تزال الحدود السورية – العراقية تشكل ممرا آمنا نسبيا لتحرك خلايا التنظيم، خاصة مع ضعف التنسيق الأمني عبر الحدود، رغم التصريحات السياسية المتكررة حول التعاون الأمني المشترك. كما أن الانسحاب التدريجي لقوات التحالف الدولي من بعض النقاط عزز الفراغ الأمني الذي استغله التنظيم في الأشهر الأخيرة.

ولم يبد النظام السوري حتى الآن استعدادا حقيقيا لتقاسم السلطة مع القوى الفاعلة محليا، بل يتعامل مع ملف الإدارة الذاتية الكردية من منطلق استيعاب لا شراكة، وهو ما يعرقل جهود توحيد الجبهات ضد تنظيم الدولة. كما أن استمرار غياب تسوية شاملة تعطي مكونات شمال وشرق سوريا دورا مؤسسيا فعليا ضمن الدولة السورية، يجعل الاستقرار طويل الأمد في تلك المناطق هدفا بعيد المنال.

6