هل كان حظر الأردن للإخوان استرضاء لإسرائيل أم للسعودية

القرار أقرب إلى توازن إقليمي منه إلى استجابة لتهديد داخلي مباشر.
الأربعاء 2025/04/30
الأردن يخوض معركة الإخوان نيابة عن الحلفاء

في خطوة متوقعة، أعلن الأردن حظر جماعة الإخوان المسلمين بعد اعتقال عدد من أعضائها بتهم تتعلق بالتخطيط لهجوم، ما أثار جدلا واسعا حول توقيت القرار وتداعياته. ويأتي الحظر في سياق إقليمي متوتر بسبب الحرب على غزة، وسط تصاعد نفوذ جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسية للجماعة، ما يطرح تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء القرار وحدود تأثيره على الداخل الأردني.

عمّان - جاء حظر جماعة الإخوان المسلمين في الأردن في توقيت حساس، ما أثار تساؤلات حول ما إذا كان القرار نابعا من اعتبارات أمنية خالصة، أم أنه رسالة سياسية موجهة لحلفاء إقليميين.

ويلمّح القرار الذي تزامن مع زيارة العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني إلى السعودية، في ظل حملة الرياض المتواصلة ضد الإخوان، إلى سعي عمّان لتعزيز التقارب مع السعودية.

وفي المقابل، لا يستبعد أن يكون الحظر أيضا محاولة لتهدئة إسرائيل وسط تصاعد انتقادات جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسية للجماعة، لمعاهدة السلام ودور الأردن في الحرب على غزة.

وبين الطرفين، يبدو القرار أقرب إلى حسابات توازن إقليمي منه إلى استجابة لتهديد داخلي مباشر.

وأعلنت الحكومة الأردنية مؤخرا حظر جماعة الإخوان المسلمين بعد اعتقال أعضاء متهمين بالتخطيط لهجوم. ويثير هذا الحظر مخاوف بشأن مستقبل جبهة العمل الإسلامي، وهو حزب سياسي مرتبط بالإخوان، وقد اكتسب شعبية وسط غضب شعبي من موقف الأردن من صراع غزة.

وأعلن الأردن، الأربعاء الماضي، حظر جماعة الإخوان المسلمين، وهي جماعة إسلامية ذات حضور طويل في البلاد.

لا يستبعد أن يكون الحظر أيضا محاولة لتهدئة إسرائيل وسط تصاعد انتقادات جبهة العمل الإسلامي لمعاهدة السلام ودور الأردن في الحرب على غزة

وجاء هذا الإعلان بعد اعتقال 16 عضوا من الإخوان بتهمة التخطيط لهجوم في الأردن. وأعلن وزير الداخلية حظر الجماعة وجميع أنشطتها.

ولم يتضح بعد كيف سيؤثر الحظر على جبهة العمل الإسلامي، الحزب السياسي التابع للإخوان الذي فاز بأكبر عدد من الأصوات في الانتخابات البرلمانية التي جرت خريف العام الماضي.

وقد حاول الحزب النأي بنفسه عن الإخوان في مؤتمر صحفي، معلنا عزمه على العمل بصفته حزبا سياسيا مستقلا ناشطا “ضمن حدود القانون”.

وإثر هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023 على جنوب إسرائيل، وما تلاه من قصف إسرائيلي وحصار لغزة، كثّفت جبهة العمل الإسلامي انتقاداتها الراسخة لإسرائيل ولمعاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية لسنة 1994.

وقد عكس موقف الحزب غضبا أردنيا (ينحدر نصف الشعب تقريبا من فلسطين التاريخية) واسع النطاق إزاء العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، التي أودت بحياة أكثر من 50 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال.

وتجسد هذا الغضب في الاحتجاجات الشعبية المتكررة والمقاطعات الواسعة للمنتجات الأميركية والأوروبية بسبب دعم تلك الدول لإسرائيل.

وحوّلت جبهة العمل الإسلامي السخط العام على ما اعتُبر تواطؤ الحكومة الأردنية مع إسرائيل إلى مكاسب انتخابية في الانتخابات البرلمانية في سبتمبر الماضي.

وردا على حظر الإخوان، انتقد زكي بني أرشيد، الأمين العام السابق لجبهة العمل الإسلامي، الحكومة لتعميقها الانقسامات الداخلية في وقت يواجه فيه الأردن تهديدا وجوديا من ضم إسرائيل التدريجي للضفة الغربية.

الإخوان في الأردن لم يكونوا مصدر تهديد مباشر للنظام، لكنهم ظلوا رقما صعبا في المعادلة السياسية، خاصة مع ضعف الأحزاب الأخرى

وإذا أجبرت إسرائيل ثلاثة ملايين فلسطيني من الضفة الغربية على الانتقال إلى الأردن، فقد تُعرّض حكم العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني والنظام الملكي الهاشمي لخطر جسيم.

ويثير استعداد الملك المُتصوّر لقبول تدمير إسرائيل لغزة تساؤلات حول توقيت حظر الإخوان، ما قد يُثير المزيد من الاضطرابات.

وجاء الإعلان خلال زيارة وفد سعودي ضمّ ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مما أثار تكهنات بأن العاهل الأردني أراد تقديم نفسه على أنه مُعاد للإسلاميين.

وشنت المملكة العربية السعودية حملة متواصلة ضد جماعة الإخوان المسلمين داخل حدودها، تماشيا مع الإصلاحات في إطار رؤية الأمير محمد بن سلمان 2030.

ويعتمد الأردن على السعودية والولايات المتحدة في الدعم المالي.

وأتمت الرياض خلال 2024 حزمة مساعداتٍ بقيمة 250 مليون دولار للأردن.

ومع خفض الرئيس الأميركي دونالد ترامب للمساعدات الأميركية السنوية للأردن والبالغة 1.45 مليار دولار، من المرجح أن يبحث الملك عبدالله عن مصادر تمويل بديلة. لكن هذه ليست الخطوة الأولى التي يتخذها العاهل الأردني ضد الجماعة.

وفي مقابلة معه خلال 2013، ذكر أن جماعة الإخوان تُديرها “ذئاب في ثياب حملان.”

وسهّلت حكومته في 2015 الانقسام بين “صقور” الإخوان و”حمائمهم”، ما سمح للحمائم بالاحتفاظ بالسيطرة على أصول الجماعة.

وفي 2016، أغلقت الحكومة مكاتب “الصقور” ومنعتهم من إجراء انتخاباتٍ داخلية.

تاريخ جماعة الإخوان المسلمين في الأردن يعود إلى 1946، وهو العام نفسه الذي تأسست فيه المملكة

وتقول أنيل شيلين، زميلة باحثة في برنامج الشرق الأوسط بمعهد كوينسي لفن الحكم، في تقرير نشره موقع عرب دايجست إن هذه الإجراءات تُسلّط الضوء على عدم ثقة الملك عبدالله بجماعة الإخوان المسلمين وقاعدة دعمها الواسعة.

وتاريخيا، كان يُنظر إلى فرع جماعة الإخوان المسلمين في الأردن على أنه “المعارضة الموالية.”

واختلف الوضع الأردني عن القمع الذي واجهته جماعة الإخوان المسلمين الأصلية في مصر وفروعها الإقليمية الأخرى، حيث تسامح النظام الملكي مع الجماعة، التي امتنعت عن تحدي الملك مباشرة.

ويعود تاريخ جماعة الإخوان المسلمين في الأردن إلى 1946، وهو العام نفسه الذي تأسست فيه المملكة.

وفي عهد العاهل الأردني الراحل الملك الحسين، الذي حكم من 1952 إلى 1999، سُمح لجماعة الإخوان المسلمين بإدارة المدارس والجمعيات الخيرية وغيرها من الخدمات.

وتولى ابنه عبدالله العرش قبل وقت قصير من أحداث 11 سبتمبر التي غيّرت السياسة الأميركية في الشرق الأوسط.

وحرصا منه على الشراكة مع واشنطن، استضاف الملك عبدالله “مواقع سرية” تابعة لوكالة المخابرات المركزية الأميركية لاستجواب أعضاء القاعدة المشتبه بهم ، كما دعّم الغزو الأميركي للعراق في 2023.

ومع تزايد أهمية مكافحة الإرهاب في السياسة الأمنية الأميركية، صوّر الملك عبدالله نفسه “شريكا مسلما معتدلا” ضد التطرف.

وبطرحه “الإسلام المعتدل” في مواجهة “الإسلام المتطرف”، كما فعل العديد من القادة الإقليميين، صوّر الجماعات الإسلامية، على أنها داعمة للإرهاب أو مرتكبة له. ومكّنه هذا النهج من إبراز جماعة الإخوان المسلمين مصدرا للتهديد. ومن المرجح أن تعكس حملته الحالية قلقا من تنامي المعارضة لعلاقته المستمرة مع إسرائيل.

الملك عبدالله صوّر نفسه "شريكا مسلما معتدلا" ضد التطرف، مع تزايد أهمية مكافحة الإرهاب في السياسة الأمنية الأميركية

وفي جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط، يراقب المواطنون العرب إسرائيل برعب وهي تستأنف قصف غزة بعد انتهاكها وقف إطلاق النار مع حماس، بينما تمنع جميع المساعدات والأغذية والأدوية منذ 2 مارس الماضي.

وخلال 53 يوما منذ ذلك الحين، ازداد خطر سوء التغذية الحاد، حيث حذر برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة من أن مئات الآلاف من الناس في خطر.

ومن غير المرجح أن تخفف حملة الملك عبدالله لجماعة الإخوان المسلمين الإحباط العام مع وفاة المزيد من الأطفال جوعا في غزة.

ولا يمكن فهم قرار حظر جماعة الإخوان المسلمين في الأردن بمعزل عن التحولات السياسية والإقليمية التي أعادت رسم علاقة الدولة بالقوى الإسلامية المنظمة. فطوال عقود، شكلت الجماعة ما يشبه “المعارضة الموالية،” إذ شاركت في الحياة السياسية دون أن تصطدم مباشرة بالنظام الملكي، واحتفظت بقاعدة شعبية واسعة خاصة في المدن والضواحي. لكن هذه العلاقة بدأت تتغير بعد عام 2011، حيث صعد الإسلاميون في الإقليم، ثم واجهوا موجة ارتدادية بعد 2013 مع الإطاحة بحكم الإخوان في مصر، وبدء السعودية والإمارات حملة إقليمية لعزلهم وتجفيف نفوذهم.

وفي السياق الأردني، لم يكن الإخوان مصدر تهديد مباشر للنظام، لكنهم ظلوا رقما صعبا في المعادلة السياسية، خاصة مع ضعف الأحزاب الأخرى.

وقد زادت حساسيتهم في أعين الدولة مع كل أزمة إقليمية تتقاطع مع الشارع الأردني، مثل الحرب على غزة، حيث يظهر الخطاب الإسلامي السياسي أكثر قدرة على التعبئة الشعبية من الخطاب الرسمي.

وتعزز هذا التوتر مع اعتماد الأردن المتزايد على الدعم الخليجي، وخاصة من السعودية، التي تتبنى موقفا عدائيا واضحا تجاه الإخوان، وتربط كثيرا من سياساتها الاقتصادية والأمنية بمواقف الحلفاء من الجماعة.

وكذلك، فمتغيرات السياسة الأميركية، خاصة في عهد الرئيس دونالد ترامب، شجّعت على اتخاذ خطوات أكثر حدة تجاه المعارضة، مع تراجع الضغوط الغربية المرتبطة بالحريات وحقوق الإنسان.

الإعلان جاء خلال زيارة وفد سعودي، ما أثار تكهنات بأن العاهل الأردني أراد تقديم نفسه على أنه مُعاد للإسلاميين
الإعلان جاء خلال زيارة وفد سعودي، ما أثار تكهنات بأن العاهل الأردني أراد تقديم نفسه على أنه مُعاد للإسلاميين

وفي ظل هذه الظروف، أصبح حظر الجماعة خطوة متوقعة، وإن كان توقيتها مرتبطا بتطورات دقيقة تتعلق بتصاعد الغضب الشعبي من الحرب في غزة، ونجاح جبهة العمل الإسلامي في استثماره انتخابيا، ما وضع النظام أمام خيار الحد من نفوذهم قبل أن يتحول إلى موجة معارضة واسعة يصعب احتواؤها.

وعلى الصعيد الداخلي، يواجه الأردن العديد من التحديات الاقتصادية، مع تزايد الاحتجاجات الشعبية نتيجة للمستوى المرتفع للبطالة والفساد، وهي تحديات قد تجعل من الصعب على النظام الاستمرار في تجاهل المظالم الشعبية.

ولذلك، ربما يكون حظر الإخوان خطوة تهدف إلى تقليص أيّ تهديدات قد تبرز من جبهة العمل الإسلامي، الحزب السياسي الأكبر والأكثر تنظيما في البلاد، والذي يمكن أن يستغل الغضب الشعبي لتحقيق المزيد من المكاسب.

وبينما يشير البعض إلى أن القرار قد يعكس محاولة لإظهار الولاء لحلفاء إقليميين مثل السعودية، الذين يتخذون موقفا صارما ضد الإسلاميين في المنطقة، يرى آخرون أن هناك أيضا رغبة في تجنب تصعيد داخلي قد يستفيد منه الإسلاميون في استقطاب أكبر للشارع الأردني.

ويجسد القرار تحولا تدريجيا في النهج الأردني تجاه الحركات الإسلامية، إذ أن التعايش السابق بين الجماعة والنظام أصبح محط شكوك على ضوء التغيرات الجيوسياسية المتسارعة.

ورغم أن الإخوان كانوا في يوم من الأيام يشكلون جزءا من النسيج السياسي للمملكة، فإن تزايد الانقسامات السياسية بين الحكومة والشارع يجعل من الصعب استمرار هذا التعاون غير المعلن.

7