لماذا ستقاوم إسرائيل أي اتفاق نووي بين واشنطن وطهران

إسرائيل ستواجه صعوبة بالغة في القيام بعمل عسكري ضد إيران بعد الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة.
الأربعاء 2025/04/30
مشكلتنا مع إيران أكبر من البرنامج النووي  

تل أبيب - رحّبت الحكومة الإسرائيلية ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بانتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب لأسبابٍ مُتعددة، أهمها موقفه من إيران.

وبدا أن إسرائيل كانت تأمل أن يُتيح انتخاب ترامب رئيسا فرصةً لشنّ ضربة عسكرية على المواقع النووية الإيرانية.

وأوحت التعزيزات العسكرية الأميركية الهائلة في المنطقة، وتهديدات كبار المسؤولين بعواقب وخيمة على طهران إذا لم تُفكّك برنامجها النووي بالكامل، لإسرائيل بجدية الولايات المتحدة في استخدام القوة العسكرية، ونيتها مهاجمة إيران، أو على الأقل دعم هجومٍ إسرائيلي. إلا أن تصريح ترامب، خلال لقائه مع نتنياهو الشهر الماضي، عن نيته فتح مفاوضات نووية مع إيران، فاجأ الحكومة الإسرائيلية.

وعلاوةً على ذلك، وبعد جولات المحادثات بين طهران وواشنطن، من الواضح أن الطرفين مهتمّان بالفعل بالتوصل إلى اتفاق.

وفي الخلفية، يبدو أن الولايات المتحدة قد تخلّت عن مطلبها الأساسي بتفكيك مواقع التخصيب في طهران، وراضية بالقيود المفروضة على البرنامج الحالي.

وأظهرت هذه المفاوضات مع إيران انقسامًا كبيرًا بين واشنطن وحليفتها إسرائيل، وهو انقسام يُشكّل أيضًا جوهر معارضة نتنياهو الشديدة للاتفاق النووي لعام 2015 الذي أُبرم في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.

بالنسبة إلى إسرائيل يمثل البرنامج النووي مشكلة، لكن الحل لا يكمن فقط في مهاجمة المواقع النووية بل في تغيير النظام أيضا

ومن وجهة النظر الإسرائيلية، يُمثّل البرنامج النووي مشكلةً حقيقية، لكن الحل لا يكمن فقط في مهاجمة المواقع النووية لطهران، بل في تغيير النظام أيضًا.

ويرى داني سيترينوفيتش، الزميل في معهد دراسات الأمن القومي، في تقرير نشره المجلس الأطلسي أنه لا شيء يُهدّد إسرائيل في الوقت الحالي أكثر من اتفاق كهذا، حتى لو كان من شأنه أن يُقلّل بشكل كبير من قدرة طهران على تطوير قنبلة نووية، لأنه سيُوجّه ضربةً قاسيةً لرغبة إسرائيل في رؤية النظام الإيراني يسقط.

وأرسل نتنياهو مبعوثيه عدة مرات للقاء المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف وفريقه لثنيهم عن التفاوض على اتفاق، لكن تلك الجهود باءت بالفشل.

ومن وجهة نظر واشنطن، من الضروري الحد من البرنامج النووي الإيراني حتى لا تتمكن من إنتاج أسلحة نووية. وكان هذا هو الهدف الرئيسي – إن لم يكن الوحيد – للولايات المتحدة، عبر الإدارات الديمقراطية والجمهورية على حد سواء، في ما يتعلق بإيران، وليس تغيير النظام بشكل مباشر.

وينعكس هذا الانقسام مع الإسرائيليين في ما يتعلق بنظام العقوبات ضد طهران. فمن وجهة نظر إسرائيل، تُعدّ العقوبات وسيلة لتغيير النظام هناك، بينما سعت واشنطن إلى تصنيف إيران كأداة ضغط في المجال النووي.

ولذلك، حتى لو انتهت المحادثات بين ويتكوف ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى اتفاق “جيد”، أي اتفاق يمنع إيران من امتلاك قنبلة نووية من خلال الحد من قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم إلى 3.67 في المئة دون بند الانقضاء، ويُجبر طهران على تصدير مخزونها الحالي من المواد المخصبة، ويُلزمها بتفكيك أجهزة الطرد المركزي المتطورة وقبول رقابة دقيقة وفعّالة “دون بنود خروج،” فإن إسرائيل ستعتبر هذا الاتفاق خطيرًا.

من وجهة نظر تل أبيب، فإن القضية النووية ليست سوى جزء من مجموعة من المشاكل، ويجب استغلال الوقت الحالي للإطاحة بالنظام الإيراني

والخطر ليس فقط لأنه اتفاق لن يشمل قيودًا على عناصر أخرى من التهديد الإيراني، مثل منظومة صواريخها أو دعمها لوكلائها في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بل لأنه سيعزز النظام الحالي في طهران بشكل كبير، بما في ذلك التسهيلات الاقتصادية الكبيرة التي سيحصل عليها النظام، بالإضافة إلى الشرعية السياسية المتجددة عقب الاتفاق مع واشنطن.

وإضافةً إلى ذلك، سيسمح التحسن الاقتصادي في طهران لقيادتها بتطوير نظامها الأمني، بل وزيادة دعمها لوكلائها المنتشرين في الشرق الأوسط.

ومن وجهة النظر الإسرائيلية، ستتلاشى “الفرصة الذهبية” لإسقاط النظام، نظرًا إلى ضعفه.

وعلاوة على ذلك، يُضعف الاتفاق النووي بين طهران وواشنطن النفوذ الإسرائيلي المتناقص أصلاً لدى الإدارة الأميركية الجديدة.

وستواجه إسرائيل صعوبة بالغة في القيام بعمل عسكري ضد إيران بعد الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة.

وحتى على المستوى السياسي في إسرائيل، هناك إجماع على ضرورة شن هجوم على إيران.

ولا يمكن لنتنياهو، الذي لا يستطيع تحمّل تجاوز قادة المعارضة الذين يتبنون موقفاً متطرفاً تجاه إيران، اعتباره مؤيداً للاتفاق، حتى لو كان يفكر بشكل مختلف سراً.

والدليل على عدم رغبة إسرائيل الحقيقية في التوصل إلى اتفاق مع إيران يكمن في مطالبتها بتطبيق “النموذج الليبي” في السياق الإيراني، أي تفكيك جميع البنى التحتية للتخصيب في إيران.

وكما تعلم الإدارة الأميركية أيضاً، فإن هذا الموقف يُمثل خطاً أحمر في نظر طهران، وليس هناك أيّ أمل في قبولها به.

تصريح ترامب، خلال لقائه مع نتنياهو الشهر الماضي، عن نيته فتح مفاوضات نووية مع إيران، فاجأ الحكومة الإسرائيلية

وربما تأمل إسرائيل أن تتبنى الإدارة هذا الموقف مع فهم أن إيران لن تقبله، مما يفتح المجال أمام دراسة “خيارات أخرى” للتعامل مع البرنامج الإيراني.

وفي الخلفية، ثمة فجوة أعمق بين إسرائيل والولايات المتحدة، تتعلق بمسألة طموحات النظام الإيراني في برنامجه النووي، فضلًا عن فاعلية التحركات غير الحركية للتعامل مع البرنامج.

وقد نفى مسؤولو الاستخبارات الأميركية مرارًا وتكرارًا افتراض رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن طهران تسعى لإنتاج قنبلة نووية، مؤكدين عدم وجود دليل على أن الزعيم الإيراني قد قرر صنع أسلحة نووية.

وعلاوة على ذلك، بينما يُشيد نتنياهو بالإجراءات التي اتخذتها إسرائيل لمنع إيران من إنتاج أسلحة نووية، زعمت الاستخبارات الأميركية مرارًا أن الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل لم تمنع إيران من إحراز تقدم في القضية النووية فحسب، بل عززت أيضًا، من نواحٍ عديدة، برنامج طهران للتخصيب بشكل غير مسبوق.

وتُعدّ هذه الفجوة مهمة لأنها الأساس الذي يدفع الإدارة الأميركية إلى دراسة الخيار الدبلوماسي بجدية، خاصة وأن الاستخبارات الأميركية تُقدّر أن أيّ هجوم على إيران سيعني حربًا إقليمية، على عكس تقديرات مختلفة في إسرائيل تستند إلى ضعف طهران الحالي، وعجزها عن الرد بشكل فعال على أيّ هجوم.

وتبدو حقيقة أن إيران ضعيفة اليوم، في ضوء ضعف وكلائها ونتائج الهجمات الإسرائيلية في 26 أكتوبر، صحيحة. ومع ذلك، تؤكد الاستخبارات الأميركية أن النظام لا يزال يمتلك قدرات كافية لمهاجمة القوات الأميركية في الشرق الأوسط، مما قد يدفع المنطقة إلى حملة واسعة النطاق.

ومن المتوقع أن تعارض إسرائيل أيّ اتفاق مع إيران، حتى لو كان من شأنه إبعادها عن خيار إنتاج سلاح نووي.

ومن وجهة نظر تل أبيب، فإن القضية النووية ليست سوى جزء من مجموعة من المشاكل، ويجب استغلال الوقت الحالي للإطاحة بالنظام الإيراني.

ومن المشكوك فيه ما إذا كانت الإدارة الأميركية قد وصلت إلى هذه المرحلة، وقد تؤدي هذه الفجوة إلى توتر خطير بين واشنطن وتل أبيب.

وفي ظل الوضع الراهن للمفاوضات، من المشكوك فيه ما إذا كانت إسرائيل قادرة على فعل أيّ شيء حيال ذلك.

7