الاتفاق النووي المحتمل مع إيران: صفقة دون إستراتيجية أميركية أوسع للشرق الأوسط

الاتفاق مع إيران يحمل مخاطر قد تتراكم مع مرور الوقت.
الثلاثاء 2025/04/29
البرنامج النووي جزء من الأزمة وليس كلها 

واشنطن - في خضم التصعيد النووي وتضارب المواقف داخل الولايات المتحدة، تبدو الصفقة المحتملة مع إيران وكأنها مناورة تكتيكية أكثر منها تحولا إستراتيجيا.

وبينما يعوّل البعض على الاتفاق لتفادي الحرب، تكشف مجريات التفاوض وارتباك الرسائل السياسية في البيت الأبيض أن هذه الخطوة، رغم أهميتها، تظل معزولة عن إطار إقليمي أوسع يتطلب مقاربة أميركية شاملة.

ويرى الباحث دانيال برومبرغ في تقرير نشره مركز المعد العربي لواشنطن دي.سي أن تخفيف التوتر مع طهران قد يمنح واشنطن مهلة مؤقتة، لكنه لا يواجه الجذور البنيوية للأزمة، بدءا من مشروع إيران الإقليمي، مرورا بغياب تسوية للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، ووصولا إلى التصدعات داخل التحالفات الأميركية في الشرق الأوسط.

ويضيف برومبرغ أن “الصفقة” قد تتحول إلى مجرد حل إسعافي في منطقة تزداد احتقانا وتفتقر إلى رؤية متماسكة.

وخلال الأسابيع الماضية، أصدر المتشددون الإيرانيون تحذيرات مقلقة بشأن إطلاق إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للمحادثات النووية.

الصفقة المحتملة قد تتحول إلى مجرد حل إسعافي في منطقة تزداد احتقانا وتفتقر إلى رؤية متماسكة

وجادل أحد هؤلاء المحللين بأن القادة الإيرانيين “سيستغلون هذه المواقف التفاوضية المختلفة… حالما يشم النظام رائحة اليأس.” وصرّح كبير المفاوضين في البيت الأبيض، المبعوث الخاص ستيفن ويتكوف، في الرابع عشر من أبريل بأن “إيران لا تحتاج إلى تخصيب يتجاوز 3.67 في المئة”، مناقضا بذلك موقف “التخصيب الصفري” الذي دعا إليه مستشار الأمن القومي مايكل والتز وغيره من صقور الإدارة الأميركية، ليُعلن في الخامس عشر من أبريل أن “على إيران… أن تُنهي برنامجها للتخصيب والتسليح النووي.”

ومع ذلك، فإن جوهر المشكلة لا يكمن في تصور إيران لليأس في البيت الأبيض، بل في أن على الإدارة أن تختار بين خيارين مختلفين تماما.

والخيار الأول هو اتفاق تفاوضي قائم على تخصيب اليورانيوم في إيران على مستوى أدنى تحت رقابة صارمة لفترة طويلة، مقابل تخفيف كبير للعقوبات. وأما الخيار الثاني فهو شن هجوم عسكري لتدمير البرنامج النووي الإيراني، وبالتالي، يكون الخيار بين الحرب أو الاتفاق.

ويريد المتشددون في واشنطن وحلفاؤهم الإسرائيليون، وعلى رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الحرب.

وخوفا من رفض ترامب لموقفهم، انشغل هؤلاء المتشددون بدفع النقاش الحاد حول إمكانية التوصل إلى اتفاق مع إيران. ومع ذلك، تشير التقارير الصحفية من مصادر متعددة (بما في ذلك إيران وإسرائيل) إلى أن المحادثات غير المباشرة التي جرت في التاسع عشر من أبريل بين ويتكوف والمفاوضين الإيرانيين قد أحرزت تقدما ملموسا.

ومع تزايد فرص التوصل إلى “اتفاق إطاري”، فإن ما يجب مراعاته ليس فقط مخاطر وفوائد الاتفاق، بل أيضا ما إذا كانت لدى الرئيس ومستشاريه أي فكرة عن كيفية دمج مثل هذا الاتفاق في إستراتيجية أميركية أوسع للمنطقة تشمل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني وقضايا أخرى.

المخاطر المحتملة

التخصيب بعيون إيرانية طموحة
التخصيب بعيون إيرانية طموحة

يحمل الاتفاق مع إيران مخاطر قد تتراكم مع مرور الوقت. قد تلجأ طهران إلى الغش بإخفاء أنشطة تخصيب اليورانيوم والبلوتونيوم (كما فعلت سابقا) أو بتسريع تخصيبها مع اقتراب الموعد النهائي المحدد لنظام المراقبة الشامل الذي تضعه الولايات المتحدة والمجتمع الدولي.

ورغم أن البيت الأبيض سيدفع على الأرجح نحو اتفاق يُبقي على أي نظام تخصيب محدود وعمليات تفتيش تدخلية دائمة، فمن المرجح أن تقاوم إيران مثل هذه المطالب.

وعلاوة على ذلك، ولأن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي وحلفاءه في الحرس الثوري الإسلامي رفضوا إدراج مسألة نظام الصواريخ الباليستية الإيراني في المحادثات مع الولايات المتحدة، فبدون اتفاق منفصل حول هذه القضية الحاسمة، ستواصل طهران تطوير قدراتها على إطلاق الصواريخ، وهو ما سيكون لدى إسرائيل وجيران إيران العرب ما يخشونه.

وعلاوة على ذلك، قد يمنح تخفيف العقوبات بشكل كبير طهران مساحة ووسائل للبدء في إعادة بناء “محور المقاومة” الذي تعرّض لضربة قاضية نتيجة هجوم إسرائيل على حزب الله، وتدميرها المزعوم لمعظم الدفاعات الجوية الإيرانية، وخسارة طهران لحليفها الإقليمي الحيوي، نظام الأسد، في سوريا.

ومع حكم سوريا الآن من قبل رئيس إسلامي سني يبعد بلاده عن روسيا، حليفة الأسد، فإن ما تحتاجه إيران هو الوقت والموارد. وقد يوفّر اتفاق نووي يتضمن تخفيفا حقيقيا للعقوبات، وتقبله إيران، كلا الأمرين.

الفوائد المحتملة

المصالح في قلب المفاوضات
المصالح في قلب المفاوضات

ومع ذلك، قد يحقق الاتفاق فوائد كبيرة أيضا، حتى للدول (بما في ذلك إسرائيل، وخاصة الولايات المتحدة) التي ستظلّ تواجه عدوا قويا وغير جدير بالثقة في إيران.

ومن شأن الاتفاق أن يُقوّض نفوذ المتشددين في إيران، بينما يفتح مجالا أوسع للإصلاحيين.

وفي جهودهم خلال العام الماضي لتعزيز نفوذهم المعتبر أصلا استعدادا للمعركة الحتمية حول من سيخلف خامنئي المسن، واجه المتشددون الإيرانيون عقبات، منها انهيار اقتصادي وإستراتيجية “لا سلام/لا حرب” معقدة تضررت بشدة من جراء الضعف الشديد الذي أصاب محور المقاومة.

ولا شك أن هذا التطور عزز موقف الإصلاحيين. لكن من غير المرجح أن يؤدي انتعاش حظوظ الإصلاحيين إلى ديمقراطية ليبرالية في إيران.

ومع ذلك، قد يعزز تحول في موازين القوى الداخلية تخفيف الضغط السياسي في الداخل، ويدفع باتجاه نهج جديد نحو مشاركة واسعة النطاق في الخارج.

وبينما تشير استقالة وزير الخارجية السابق جواد ظريف من منصب نائب الرئيس في الثاني من مارس إلى نفوذ المتشددين المستمر، إلا أن التوصل إلى اتفاق قد يساعد الرئيس مسعود بزشكيان على التواصل مع المحافظين الأكثر ميلا إلى التيار السائد، مما يوسع ائتلافه الفعلي حتى مع احتفاظه بدعم المرشد الأعلى.

وخوفا من أن يستغل الإصلاحيون الاتفاق لتعزيز مكانتهم المحلية، سيحاول المتشددون بالتأكيد إفشال أي اتفاق مع واشنطن. ومع ذلك، فإن أي جهد من هذا القبيل سيشهد على المخاطر المحلية الجسيمة التي تواجه قادة إيران الآن في صراعهم مع خيار جوهري.

رغم أن البيت الأبيض سيدفع على الأرجح نحو اتفاق يُبقي على أي نظام تخصيب محدود وعمليات تفتيش تدخلية دائمة، فمن المرجح أن تقاوم إيران مثل هذه المطالب.

وعلاوة على ذلك، قد يخفف الاتفاق من حدة المخاطر التي قد تواجهها إيران نفسها، والتي قد تصاحب أي محاولة لإنشاء خيار فعال للأسلحة النووية.

ورغم أن مصادر استخباراتية أميركية تشير إلى أن الجمهورية الإسلامية تمتلك ما يكفي من اليورانيوم المخصب لصنع قنبلة نووية واحدة – ووفقا لبعض التقارير، ما يكفي لصنع أربع أو خمس قنابل أخرى – لا تزال هناك خطوات معقدة (مثل الاختبارات) يتعين على إيران اتخاذها لبناء نظام شامل قادر على “الضربة الثانية” لردع أي هجوم إسرائيلي.

وبينما تتباين التقديرات بشأن المدة التي ستستغرقها إيران لبناء مثل هذا النظام، فإن أي جهد للتحرك في هذا الاتجاه قد يثير هجوما واسع النطاق من الولايات المتحدة وإسرائيل. وهذا آخر ما تريده إيران.

وفي الواقع، تشير تقارير صحفية حديثة إلى أن إسرائيل كانت تجهز لشن مثل هذا الهجوم، وتأمل في الحصول على مساعدة أميركية في مايو 2025، لكن ترامب منعها من ذلك.

ومن المفارقات أن إيران والولايات المتحدة تجمعهما رغبة مشتركة في منع صراع إقليمي أوسع نطاقا قد تكون له تكاليف متعددة، ليس أقلها وقف حركة ناقلات النفط في البحر الأحمر ومضيق هرمز.

ومع استمرار تدفق نحو عشرين في المئة من صادرات النفط والغاز عبر المضيق، ومع تسبب سياسة ترامب الجمركية في اضطراب اقتصادي عالمي، فإن سيناريو عدم التوصل إلى اتفاق قد يدفع الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران إلى صراع عسكري مستمر من شأنه أن يهيئ الظروف لأزمة اقتصادية دولية.

وباختصار، سيمنح الاتفاق إيران مخرجا ضروريا للغاية من مسار محفوف بالمخاطر ساهم برنامجها المتسارع للتخصيب في خلقه.

وأخيرا، تساءل خبراء عسكريون أميركيون عما إذا كان أي هجوم إسرائيلي – أميركي من هذا القبيل سيدمر البرنامج النووي الإيراني بشكل دائم. فبينما سيؤخره لسنوات، فإنه قد يُمهد الطريق أيضا لإيران للخروج من معاهدة انتشار الأسلحة النووية وإعادة بناء برنامجها النووي دون قيود أي نظام دولي للرقابة والتفتيش.

وقد يطلق هذا التطور شرارة سباق تسلح تقليدي، بل وحتى نووي، مع العديد من جيرانها العرب (بما في ذلك المملكة العربية السعودية، التي زار وزير دفاعها طهران والتقى آية الله خامنئي في 19 أبريل ، في لقاء غير مسبوق بين الدولتين).

وفي أعقاب هجوم أميركي – إسرائيلي، سيسيطر المتشددون الإيرانيون حتما على الدولة، وقد ينشئون، باسم الأمن القومي، نسخة شرق أوسطية من كوريا الشمالية، مما سيعزل إيران ليس فقط عن جيرانها، بل أيضا عن روسيا، وخاصة الصين. وهذا طريق يبدو أن قلة من القادة الإيرانيين، بمن فيهم المتشددون، متحمسون لسلوكه.

لا خطة

التصادم تقرره مخرجات المفاوضات
التصادم تقرره مخرجات المفاوضات

في مقاله في نشرة “كلاريتي” على موقع “سابستاك”، جادل السفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة مايكل أورين بأن في أعقاب المحادثات الأميركية – الإيرانية الجارية، يجب على إسرائيل أن تعالج سؤالا جوهريا واحدا: ما الذي يمكنها فعله “الآن وقد أصبح الخيار العسكري الإسرائيلي غير مطروح نهائيا، بينما يتفاوض المبعوثون الأميركيون والإيرانيون على اتفاق نووي جديد؟”

وكان جوابه أن على إسرائيل “الاستعداد للأسوأ” من خلال تأمين “ضمانات أمنية أميركية راسخة، وتأكيدات بأننا سنمتلك دائما الوسائل للدفاع عن أنفسنا ضد العدوان الإيراني. ويجب، لأول مرة، أن يُسمح لنا بشراء قاذفات إستراتيجية وتدريب طواقمنا على استخدامها.”

ويبرز هذا التصريح اللافت فشل إسرائيل في استخدام قوتها العسكرية الهائلة لدعم إستراتيجية دبلوماسية إقليمية وعالمية تحظى بدعم الولايات المتحدة وأوروبا، وربما حتى روسيا والصين.

وقد تكون إسرائيل، كما جادل الخبيران آرون ديفيد ميلر وستيفن سيمون مؤخرا في صحيفة نيويورك تايمز، القوة المهيمنة إقليميا. لكن باستعراض قوتها العسكرية في إيران ولبنان وسوريا، وخاصة في غزة، عززت إسرائيل أيضا أهداف الأحزاب اليهودية المتشددة التي تسعى، على غرار نظيراتها في إيران، إلى فرض نظام ثيوقراطي على مجتمع تعددي.

ويعود الفضل في وصول فرص نجاحها إلى آفاق جديدة إلى حد كبير إلى رئيس الوزراء نتنياهو.

وفي سعيه للبقاء في السلطة، لا يعزز نتنياهو نظام خامنئي فحسب، بل ينشئ أيضا مشروعا هيمنة مصمما لفرض احتلال دائم على ثلاثة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية، وربما تهجير مليوني فلسطيني آخرين في غزة بشكل دائم.

ولذلك فإن الاتفاق الأميركي – الإيراني ليس بديلا عن إستراتيجية أميركية متماسكة. قد يتبنى ترامب هذه الصيغة من الهيمنة الإسرائيلية. لكن من غير المرجح أن يوفر جميع الأسلحة التي يصرّ أورين على ضرورة امتلاكها لإسرائيل.

ومع ذلك، فإن رفض ترامب منح نتنياهو الذخائر “الخارقة للتحصينات” التي قد تحتاجها إسرائيل لتدمير أعمق منشآت إيران النووية لا يشير إلى أي رؤية أوسع لكيفية التعامل مع المنطقة.

7