جنوب لبنان تحت خطر القنابل العنقودية والألغام الإسرائيلية

تعاني قرى جنوب لبنان، خاصة كفر حمام، من تبعات الحرب الإسرائيلية، حيث حولت القنابل العنقودية والألغام الأراضي الزراعية إلى مناطق ملوثة وخطرة ما يحرم المزارعين من أرزاقهم ويفاقم معاناة السكان اليومية وسط دمار واسع، في ظل بطء الاستجابة الرسمية وغياب المعالجات الفعلية.
كفر حمام (جنوب لبنان)- كغيرها من البلدات الحدودية، تعاني بلدة كفر حمام في جنوب لبنان من آثار الحرب الإسرائيلية الأخيرة، التي خلّفت أعدادًا كبيرة من القنابل العنقودية والألغام الأرضية غير المنفجرة، فضلًا عن دمار واسع.
ووفقًا لسكان البلدة، فإن هذه الذخائر تُشكّل خطرًا مباشرًا وقاتلًا على حياة المدنيين، وتحديدًا المزارعين الذين يعتمدون على أراضيهم كمصدر أساسي للرزق.
وفي ظل بطء عملية الكشف عن تلك الذخائر من قبل السلطات اللبنانية والدولية، ومع استمرار خروقات إسرائيل لاتفاق وقف إطلاق النار، يطالب المعنيون في البلدة بسرعة التحرّك للكشف عن مخلفات الحرب.
وقد حوّلت هذه المخلفات القاتلة الأراضي الزراعية الخصبة إلى “حقول موت”، ما زاد من معاناة الأهالي.

◄ الحرب تأتي على الأخضر واليابس
في 8 أكتوبر 2023 شنّت إسرائيل عدوانًا على لبنان، تحوّل إلى حرب واسعة في 23 سبتمبر 2024 أسفرت عن أكثر من 4 آلاف قتيل ونحو 17 ألف جريح، إضافة إلى نزوح نحو مليون و400 ألف شخص.
ومنذ وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل في نوفمبر 2024، ارتكبت إسرائيل ما لا يقل عن 2766 خرقًا، ما خلّف 195 قتيلًا و486 جريحًا على الأقل، وفق إحصاءات وكالة الأناضول استنادًا إلى بيانات رسمية حتى يوم الأحد.
كما تنصلت إسرائيل من استكمال انسحابها من جنوب لبنان بحلول 18 فبراير الماضي، خلافًا للاتفاق، إذ نفّذت انسحابًا جزئيًا وتواصل احتلال خمس تلال لبنانية رئيسية ضمن المناطق التي احتلتها في الحرب الأخيرة.
وقال المسؤول في بلدية كفر حمام، حسيب عبدالحميد، “يعاني سكان البلدة، وخاصة المزارعين، منذ حرب عام 2006 من وجود القنابل العنقودية والذخائر غير المنفجرة التي أطلقتها إسرائيل، وقد تفاقم هذا الوضع مع الحرب الأخيرة.”
وأضاف “لم يتمكن الناس من الوصول إلى كروم الزيتون والتين والصنوبر نتيجة وجود هذه الذخائر، وحُرموا من استثمارها طوال فترة الحرب.”
وأوضح أنه “خلال الحرب الأخيرة أصبحت بعض المناطق ملوثة بالقنابل العنقودية،” واستدرك قائلًا “لكن الأخطر من ذلك هو المساحات الكبيرة التي تعرّضت لقصف مدفعي كثيف، يُقدّر بأكثر من ألفي قذيفة مدفعية سقطت في أراضي كفر حمام.”
وتابع “الصعوبة تكمن اليوم في أننا لم نستطع تحديد الأماكن التي تعرّضت للقصف، لأن أيًّا من السكان لم يكن متواجدًا في البلدة خلال الحرب، بعد أن نزحوا بسبب القصف الكثيف.” وأشار إلى أن “جزءًا كبيرًا من هذه القذائف تسبب في القضاء على الثروة الحرجية، مثل التين والزيتون والصنوبر، نتيجة الحرائق التي اندلعت خلال الحرب.”
ووفق عبدالحميد “كل ما بوسعنا فعله هو تحذير المواطنين من الاقتراب من الأجسام المشبوهة، رغم تواصلنا مع الجيش اللبناني.”
وأضاف أن مهمة الجيش “في البداية هي رصد المنازل المدمرة جراء القصف، أما الأراضي الزراعية فلم يتم الكشف الميداني عليها بعد.”

◄ أهالي المنطقة مشردون
ودعا إلى “التحرّك بسرعة للكشف في البداية على الأراضي القريبة من البلدة، وخاصة الزراعية التي يعتمد عليها الناس في معيشتهم، خصوصًا أننا نعيش وسط أزمة ومأساة، إذ إن أغلب سكان البلدة يعتمدون بشكل أساسي على الزراعة.”
وشدّد عبدالحميد على أن “خسائر المزارعين كبيرة جدًا، ولم تقتصر على خسارة مواسم التين والزيتون والصنوبر، بل شملت أيضًا خسارة الأراضي التي استُهدفت جراء اقتلاع الزيتون أو إحراق الصنوبر من قبل إسرائيل.”
أما علي أحمد طه (65 عامًا)، وهو صاحب كرم زيتون في البلدة، فقال “كرمي فيه الكثير من أشجار الزيتون المعمّرة التي يتراوح عمرها بين 400 و500 سنة.” وأردف “لا أستطيع الذهاب إليه، لكن الدفاع المدني أخبرني بأنه احترق بالكامل، وأرسلوا إلي الصور.”
وتابع “أنا في البلدة منذ خمسة أشهر بعد عودتي من نزوح قسري،” واستدرك “لكن لا أجرؤ على الذهاب للكشف على حقلي، خوفًا من بقايا الذخائر غير المنفجرة، خاصة أنه تعرّض لقصف كثيف من قبل إسرائيل خلال الحرب.”
ولفت إلى أنه “لم يتم حتى الآن أي مسح شامل للأرض لطمأنتنا. كنت أذهب إليها قبل الحرب الأخيرة وأجد فيها عددًا من القنابل العنقودية من مخلفات حرب 2006، وأقوم بإبلاغ الجيش ليأتي ويتلفها.”
وكشف أن “مساحات واسعة من أراضي البلدة تعرضت للقصف بالقنابل الفوسفورية والعنقودية بشكل يومي خلال الحرب. وداخل البلدة، عندما يعثر المواطنون على أي قذيفة غير منفجرة، يقومون بإبلاغ الجيش الذي يأتي لتفجيرها في مكانها.”
ودعا “الدولة والجيش خاصة إلى إجراء مسح شامل للبلدة، لأن المزارعين لا يستطيعون الذهاب إلى أراضيهم لاستثمارها واستصلاحها وزراعتها من جديد.. هذا من المستحيلات.”
وأضاف “رعاة الماعز لا يستطيعون رعي ماشيتهم في الحقول خوفًا من انفجار ذخيرة أو لغم أرضي. هناك خوف شديد، فقد كانت حربًا همجية واستخدم فيها الإسرائيليون جميع أنواع الأسلحة.”
من جانبه قال المزارع أحمد قاسم “بعد وقف إطلاق النار عدنا، لكننا تفاجأنا بوجود حشرات غريبة وفئران منتشرة في مناطق واسعة، ومنها بلدتنا، وهي ظاهرة لم نعتد عليها من قبل.”
وأضاف “منذ صغري وأنا فلاح، ولم أرَ في حياتي مثل هذه الظواهر؛ فئران وحشرات غريبة تخرج من الأرض، بعد أن كنا نخاف فقط من الأجسام أو القنابل، لكن اليوم هذه الحشرات والحيوانات تظهر في غير مواسمها.”
وأوضح أن “المزارعين في البلدة يعتنون بالأراضي القريبة من منازلهم فقط، ولا يجرأون على الوصول إلى الأراضي البعيدة أو الوعرة.”
وأكد أن “أذى المحتل الإسرائيلي لم يقتصر على إرهابنا بالمتفجرات أو الهجوم المسلح غير المتوقع، بل يرهبنا أيضًا بالحيوانات.”
وذكر أن “الإسرائيليين يطلقون خنازيرهم لتقتحم مزارعنا التي تعبنا عليها لسنوات، وإذا كُسرت أي شجرة، فإن المزارع يحتاج من ثلاث إلى خمس سنوات حتى تعود وتثمر من جديد.”
وختم قائلًا “نزرع أرضنا بالزيتون والتين والعنب، ولكننا اليوم حُرمنا من استثمارها لتأمين احتياجات أطفالنا. حُرمنا من جميع الجهات؛ بيوتنا دُمّرت، وطرقاتنا مقطوعة، ولا كهرباء ولا ماء.”
ومنذ عقود تحتل إسرائيل أراضي في لبنان وفلسطين وسوريا، وترفض الانسحاب منها أو السماح بقيام دولة فلسطينية مستقلة، عاصمتها القدس الشرقية، على حدود ما قبل حرب عام 1967.