هوس بالموضة أم رغبة في التفوق الاجتماعي.. الماركات العالمية تفرغ جيوب الشباب

شغف المجتمع بالمظاهر أثر في تكوين اهتمامات الشباب والتسابق نحو التميز.
الأحد 2025/04/27
التسوق راحة نفسية

تتسابق فئة كبيرة من الشباب والمراهقين على لفت أنظار الآخرين لهم عبر اقتناء وارتداء الماركات العالمية من الأحذية والملابس والساعات وغيرها، بهدف لفت الأنظار وإثارة الاهتمام للحصول على الرضا بالنفس، رغم تبريرات البعض بأنهم يبحثون عن الجودة.

بغداد - مقولة "الماركات كذبة تسويقية اخترعها الأذكياء لسرقة الأثرياء فصدّقها الفقراء"، تزداد انتشارا مع تهافت الشباب من الطبقة المتوسطة على شراء الماركات، وتحول الشغف بالموضة إلى وسيلة لإظهار التفوق الاجتماعي والتميز في الجامعات أو العمل.

وأثيرت مسألة الهوس بالماركات العالمية والمبالغ الباهظة التي تدفع لاقتنائها مقابل الجودة مؤخرا إثر الضجة التي أثارتها هيئة مراقبة الجودة الصينية، عندما أعلنت أن شركات كثيرة تبيع للمستهلكين في الولايات المتحدة وأوروبا منتجات تُصنّع داخل الصين، لكنها تسوق على أنها عالمية المنشأ رغم أن بعض خطوط إنتاجها لا تخضع للمعايير الأوروبية.

وأوضح الباحث الاقتصادي مصطفى أكرم حنتوش أن “على مستوى العراق فإن استيراده للماركات قد يكون متوسطا، أما الماركات الغالية جدا فهي محصورة بعدد محدد من الأشخاص”، مبينا أن “موضوع الماركات لا يرتبط بالأغنياء بل يرتبط بأصحاب الذوق من الكادحين.”

لكن في الواقع يتجاوز الهوس بالماركات العالمية هذه الفضيحة، ولم يتم رصد تغيير في سلوك المستهلكين لها خصوصا في العالم العربي، ويخوض الكثير من الشباب سباقات لشراء الماركات وباتت أهمية شراء الماركات العالمية المعروفة تفوق الميزانية حتى وإن كلفهم ذلك معظم راتبهم أو كله، ليظهروا بالمظهر اللائق وتقليد مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي.

الكثيرون يعتبرون الماركات أفضل من حيث الجودة وتبقى لفترة أطول وتشعرهم نظرة الآخرين لهم بالثقة الزائدة

ولم يعد الشراء للحاجة وإنما لمحاكاة المشاهير والفاشينيستات والمباهاة، وتقول سهير (22 سنة) إنها تحب اقتناء الماركات العالمية على اختلاف أنواعها وأشكالها من ملابس وعطور وحقائب ولا تستطيع الاستغناء عن شراء الساعات المعروفة، وهي متابعة جيدة لآخر صيحات الموضة.

وترى أن الماركات أفضل من حيث الجودة فهي تبقى لفترة أطول وتشعرها بالثقة الزائدة خصوصا عندما يقال لها إن مظهرها جميل وما تقتنيه مميّز. وأوضحت أنها تحرص على شراء الماركات لقناعتها أنها الأفضل، بعد عدة تجارب مع منتجات رخيصة وجدت أنها تتلف سريعا وغير مرضية للذوق العام. وهي على استعداد لتأخذ قرضا من البنك كي تشتري الماركات.

ونظرا لأن للمجتمع تأثيرا كبيرا في تكوين هذا الاهتمام لدى الشباب بالماركات العالمية، فإن نظرة الشباب لأنفسهم هي انعكاس لهذا الواقع. وبحسب الأخصائيين فإن هناك عدة أنواع للأشخاص المهووسين بالماركات العالمية، إذ توجد فئة من الشباب نشأت في بيئة تهتم وتشتري الماركات المعروفة، وبالنسبة لها هذا أمر طبيعي وليس غريبا عليها، وهي غالبا الطبقة المتوسطة وما فوق المتوسطة وفئة تضم أشخاصا يتأثرون بعارضات الأزياء والمشاهير، مما أدّى إلى المنافسة في ما بينهم، هذه الفئة تربط شخصية الفرد بما يرتديه من ملابس، فإن كانت تحمل أسماء ماركات عالمية مشهورة إذاً هي جديرة بالاحترام والتقدير، حيث أصبحت الماركات العالمية بالنسبة لها جزءا لا يتجزأ من حياتها اليومية.

ويندفع البعض إلى اقتناء الثياب والأحذية والساعات والمستلزمات الثمينة الأخرى من منطلق التقليد والغيرة التي تدفع إلى التنافس، ويرى الباحث الاجتماعي ولي الخفاجي أن التقليد سمة تغلب على المجتمعات البشرية في جميع البلدان.

الشراء المتكرر قد يكون بسبب الشعور بالنقص فيحاول البعض تعويضه بالمظهر الخارجي من خلال المقتنيات الثمينة

وأكد الخفاجي، في تصريح لوكالة شفق نيوز العراقية، أن “الطفل في مستهل حياته يقلد والديه، ثم بعد ذلك يبدأ بتقليد شخصيات المنطقة أو ما يشاهده عبر التلفزيون والأجهزة الأخرى.”

وأضاف “عندما يكبر الطفل يستمر معه عامل التقليد لشخصيات أخرى، فحين يصبح مراهقا يقلد شخصيات رياضية أو فنية أو غير ذلك من الشخصيات التي يتأثر بها”، لافتا إلى أنه “يتقمص الشخصيات، وتقليدها يعود إلى عدد من الأسباب، منها الشعور بالنقص.”

وأشار إلى أنه “غالبا ما تقلد الطبقات الاجتماعية الدنيا الطبقات العليا، فالفقير يقلد الغني والضعيف يقلد القوي، وأما على مستوى المواد، فإن التقليد يفسر سرعة نفاد منتجات الماركات رغم ارتفاع أسعارها، ويتم ذلك من خلال الترويج والإعلان، إذ يختار أصحاب الشركات والمحال التجارية شخصيات رياضية أو فنية أو إعلامية معروفة وذات تأثير اجتماعي لعرض منتجاتها لتصبح موضة يهرع كثيرون لاقتنائها.”

ويحاول بعض الشباب والمراهقين لفت أنظار الآخرين لهم عبر اقتناء وارتداء الماركات من الأحذية والملابس والساعات وغيرها، فيما تعتبر النساء والفتيات أكثر حرصا على شراء ماركات العطور والمكياج التي لاقت في الأعوام الأخيرة رواجا كبيرا.

وبسبب هذا الرواج، فقد خصصت محال تجارية في مناطق عديدة من العاصمة بغداد تتعامل بالماركات والعلامات التجارية الفاخرة لشركات عالمية مرموقة، إضافة إلى ازدهار “حسابات” على مواقع التواصل الاجتماعي، يتعامل أصحابها مع شركات أو محال تجارية خارج العراق لجلب بضائع تتمتع بجودة عالية ومصنوعة بشركات لها قدم السبق في الكثير من المنتجات الاستهلاكية وخاصة الملابس والعطور.

المسألة تتعلق بالجودة
المسألة تتعلق بالجودة

وتقول زهراء خليل (23 عاما)، صاحبة “حساب” لشحن الثياب وعطور الماركات، إن جميع الطلبات التي تصل إليها تأتي من النساء. مضيفة أن “معظم الطلبات تتركز على الملابس والأحذية والعطور ومستحضرات التجميل.”

وتحصل زهراء على مبلغ 30 دولارا، كحد أدنى عن كل بضاعة يتم شحنها، وأن هذا المبلغ يزداد بازدياد حجم البضاعة المشحونة والدولة التي يتم الشحن منها.

وترى بعض الفتيات أن المسألة لا تتعلق بالهوس بل بالجودة والأناقة إذ لا يمكن مقارنة ملابس الماركات العالمية بالملابس العادية، ويضفن أن جودة المواد في الماركات العالمية المعروفة هي السبب الرئيس الذي يدفعهن إلى اقتناء الماركات من الثياب والأحذية.

وأوضحت الموظفة رويدة هادي حسن (37 عاما) أن “ملابس الماركة جيدة وفاخرة ولا تستهلك سريعا.”

وأضافت في حديث لوكالة شفق نيوز أن ثياب الماركات “غسل ولبس”، مؤكدة أنها “تعمل في وظيفة حكومية وهي تحتاج إلى ملابس تقاوم لموسم كامل.”

ولفتت إلى أن “الأزياء الموجودة في العاصمة بغداد لا تتمتع بالجودة والجمالية وهي سريعة الاستهلاك”، مشيرة إلى أن “شراء قميص واحد بمبلغ مرتفع أفضل من شراء 5 قمصان صينية أو تركية المنشأ سرعان ما تتعرض للتلف والاهتراء، وبذلك تستهلك مالا أكثر مما ينفق على شراء قميص الماركة.”

وأشارت إلى أنها قدمت طلبا لشراء حذاء من شركة “زارا” بسعر 150 دولارا أميركيا، وبقي لديها لأكثر من عامين، وتتساءل “كم من أحذية عادية تُلفت خلال عامين كاملين، بالطبع يتجاوز سعر الأحذية سعر حذاء الماركة، ما يعني أن الذي يشتري الماركة لن يخسر أبدا.”

وقد لا يناسب أسعار المواد من نوع الماركات دخل العديد من الطبقات الاجتماعية في العراق، إذ إن دخل الفرد العراقي يتفاوت بشكل كبير جدا بين الأثرياء وبين الطبقات الفقيرة والمتوسطة.

وتمثل الطبقات الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة نحو 70 في المئة، وبينما يتناسب دخل الطبقات المتوسطة مع معظم أسعار السلع العامة العادية، إلا أنه لا يكفي لسلع الماركات العالمية.

Thumbnail

وفي ما يتعلق بهوس الشباب بالماركات العالمية من الناحية النفسية، يوضح المختص بعلم النفس رحيم عبدالله الزبيدي أن “التسوق الذي يكون أكثر من القدر المطلوب وبدون الحاجة الفعلية للشراء يعتبر من الأمراض النفسية.”

وأكد أن “الشراء المتكرر قد يكون بسبب الشعور بالنقص، ويحاول البعض تعويض ذلك بالمظهر الخارجي من خلال اللبس الجيد والمقتنيات الثمينة للهروب من الواقع السلبي.”

ويرى أن “الشخص قد يتعرض أحيانا إلى مشاكل واضطرابات نفسية في حياته تجعله يهرب من واقعه السلبي ويلجأ إلى التسوق كي يشعر بالراحة النفسية لأن هرمون السيروتونين يتحفز عند التسوق فيشعر الفرد بالسعادة المؤقتة.”

وأشار إلى أن “ذلك يحدث للذكور والإناث، إلا أن الإناث هم الأغلب لأن من الممكن أن يجد الذكور طرقا أخرى للترفيه والهروب من الاضطرابات النفسية، فيما يكون السوق المتنفس الذي تجد فيه الإناث الراحة والطمأنينة.”

وسبب التسابق نحو الماركات الكثير من المشكلات الأسرية، وخصوصا المادية، سواء من الزوجة أو الفتاة الشابة لارتدائهما الملابس ذات الماركات المعروفة والأسعار الخيالية التي لا يتحمّلها الأب أو الزوج، وبالتالي يعتبرها اهدارا للأموال.

ويقول بعض الباحثين إن الموضة غزو ثقافي يحاول الغرب من خلاله خلق نموذج استهلاكي لشعوب العالم، بل إن هذه الشعوب نفسها وأمام إحساسها بالنقص والعجز تجاه التطور الاقتصادي الغربي، تعمد إلى اقتناء الماركات رغبة منها في التعويض والإشباع.

وتلعب التنشئة الاجتماعية دورا أساسيا في هذا الأمر إذ إن بعض الأسر تتسابق إلى اقتناء كل ما هو جديد في السوق، ليس من الألبسة فقط، وإنما من الفرش والأواني أيضا، ويكتسب الأبناء هذه السلوكيات، فيتنافسون مع أقرانهم في الحصول على الإعجاب، وفي شراء منتجات تحمل رموز دور وشركات عالمية.

Thumbnail

ويخلق اتباع الموضة مجتمعا استهلاكيا تستنزف أمواله، وتحطم معنوياته، فقد أصبح هذا الهوس داء عالميا، وتتحدث العديد من التقارير عن نهايات مأساوية لبعض الشباب نتيجة الديون التي تراكمت عليهم بسبب عادات الشراء المرضية، وبسبب تأثرهم بحياة وسلوكيات النجوم والمشاهير وما تبثه وسائل الإعلام، وبغض النظر عن المبررات التي تساق عن جودة تلك المنتجات وروعة تصاميمها وهي لا شك مبررات منطقية إلا أنها لا يمكن أن تفسر وحدها هذا الهوس.

وتبيّن من خلال بعض استطلاعات الرأي حول الدوافع الكامنة وراء الولع بشراء الماركات العالمية أن المسألة أحيانا ترتبط بالكيفية التي ينظر بها الأفراد في المجتمع إلى أنفسهم وإلى الآخرين، وإلى ما يمكن أن يمنحه المظهر من قيمة ورضا لهم، بمعنى أنها مسألة تتعلق بتقدير الذات، وأحيانا أخرى لها علاقة بوفرة المال والرغبة في إبراز القدرات المادية، أو تعويض نقص ما، أو بسبب الاضطرار إلى مجاراة الأقران والخضوع لضغوط المجتمع.

ويرى علي بن صحفان الزهراني، أستاذ واستشاري الأمراض النفسية بكلية الطب ومحرر صفحة الطب النفسي بجريدة الرياض سابقا، أن “هوس الماركات يقف وراءه الثراء الفاحش الذي يعيشه بعض أفراد المجتمع، فالغني من حقه أن يصرف ماله في الأوجه التي تطفئ حالات اضطراب المزاج التي يمر بها بين الفينة والأخرى، والتي يرى من وجهة نظره أن اقتناء الماركات واحدة من المحاولات التي يجربها لعل وعسى ينشرح صدره بعد اقتنائها! ولكن ما الذي يدعو الناس العاديين إلى الهوس باقتناء هذه الماركات إذا كانوا لم يكملوا توفير احتياجاتهم الأساسية؟ هذا السؤال مشروع والإجابة عليه مطلب!”

وتابع الزهراني “لعلنا ونحن نجيب هنا عن هذا السؤال نسترجع ‘هرم ماسلو للاحتياجات’ حيث إن الإنسان لا يمكن أن ينتقل إلى الاحتياجات النفسية (تقدير الذات) إلا بعد أن يشبع الاحتياجات الفسيولوجية أو الأساسية من مأكل ومشرب وخلافه، وكلما اتسعت الطبقية بأي مجتمع كلما زاد المهووسون والمتعلقون بالماركات والتي قال عنها البعض إنها كذبة تسويقية، صنعها الأذكياء لسرقة جيوب الأغنياء، فصدقها السذج من الفقراء.”

15