الفراغ الإستراتيجي في العراق وسوريا يختبر التزامات واشنطن

الولايات المتحدة ينبغي أن تعمل على تنويع نفوذها الأمني في العراق بما يتجاوز مجرد وجودها العسكري وجهود بناء القدرات مع القوات العسكرية العراقية.
السبت 2025/04/26
فرص جديدة للمصالح الأميركية في المنطقة

واشنطن - في أعقاب تصعيد إقليمي حادّ قطع العلاقات بين إيران ووكلائها في جميع أنحاء الشرق الأوسط، تجد الولايات المتحدة نفسها في موقع إستراتيجي جديد في العراق وسوريا، حيث تعرّض النفوذ الإيراني وقدرته لضربة موجعة. ومع الرحيل السريع والمفاجئ لنظام بشار الأسد المتحالف مع طهران، وتراجع وحدات الحرس الثوري الإسلامي والقوات التابعة له خلال الضربات الإسرائيلية، تلوح فرص جديدة للمصالح الأميركية في المنطقة.

وتقول الباحثة في معهد نيو لاينز كارولين روز إنه مع ضعف القبضة الإيرانية على دمشق وبغداد -والذي يتجلى في الانخفاض الحاد في ضربات إيران والميليشيات المدعومة منها على الأصول الأميركية وشركائها- تواجه الولايات المتحدة وشركاؤها في التحالف العالمي لهزيمة داعش تشتيتات أقل ومساحة أكبر لتحسين قدرات شركائها المحليين.

ومع وجود الفرص هناك أيضًا مخاطر. ففي حين سعت حكومة تصريف الأعمال الجديدة في سوريا، بقيادة هيئة تحرير الشام، إلى تعزيز انتقال سياسي سلس ومنع فراغ السلطة، فإن مغامرات الجهات الفاعلة الخارجية في المناطق المتنازع عليها، مثل شمال شرق سوريا، وتصاعد نشاط داعش، أثبتت أن الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية تسعى إلى استغلال هذه المساحة الجديدة  لكسب النفوذ.

وقد عزز مقاتلو داعش زخمهم في البادية السورية استعدادًا لعودة ظهورهم عبر الحدود إلى العراق، وهو ما أثار قلقا دفع الحكومة الاتحادية العراقية إلى دق ناقوس الخطر والسعي إلى شراكة أمنية طويلة الأمد مع الولايات المتحدة.

وقد أبدت بغداد بالفعل اهتمامها المبدئي بتمديد الجدول الزمني الأميركي للانسحاب العسكري من العراق، ما يضيف ثلاث سنوات إلى خطة الانسحاب الغامضة أصلًا للتحوط من إيران وعدم الاستقرار المفاجئ. ولطالما اعتبرت الولايات المتحدة الجدول الزمني السريع للانسحاب من العراق فرصة لإيران وداعش وغيرهما من الجهات الفاعلة الإقليمية الخبيثة، ما يُعرّض الاستقرار الإقليمي والأمن الإنساني للخطر.

كارولين روز: مع ضعف القبضة الإيرانية على دمشق وبغداد تواجه واشنطن تشتيتات أقل ومساحة أكبر لتحسين قدرات شركائها المحليين
كارولين روز: مع ضعف القبضة الإيرانية على دمشق وبغداد تواجه واشنطن تشتيتات أقل ومساحة أكبر لتحسين قدرات شركائها المحليين

وبالإضافة إلى ذلك لواشنطن تاريخٌ حافلٌ بالانسحابات السريعة من مهمات مكافحة الإرهاب؛ إذ لا يزال صناع القرار تطاردهم ذكرى عملية الانسحاب الفاشلة من أفغانستان عام 2021، بالإضافة إلى حقيقة أنه بعد ثلاث سنوات فقط من إنهاء القوات الأميركية مهمتها القتالية وانسحابها من العراق، وجدت نفسها عائدةً إلى البلاد لمحاربة منظمة إرهابية جديدة استغلت الفراغ الذي تركته القوات الأميركية.

وتُمثل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الثانية بداية فصلٍ مُبهمٍ للوجود الأميركي المُتقدم في بلاد الشام. وقد أبدت الإدارة الجديدة مرارًا رغبتها في نقل مسؤولية الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط إلى شريكتها إسرائيل، وإجراء انسحاب عسكري فوري. ونظرًا للتشكيك في جدوى وجود أميركي مُتقدم صغير في العراق وسوريا لمصالح واشنطن، من المُحتمل أن يأذن الرئيس دونالد ترامب بإجلاءٍ سريعٍ للقوات الأميركية من العراق وسوريا.

ومن الأهمية بمكان أن يقوم صناع السياسات في واشنطن وشركاؤها في الخارج بتقييم السيناريوهات التي ستتكشف في أعقاب الانسحاب الأميركي: كيف ستتمكن البعثات المدنية والعسكرية خارج التحالف الدولي، مثل بعثة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في العراق، من الصمود بمفردها؟ كيف ستتمكن القوات المحلية مثل قوات الأمن العراقية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) من صد التهديدات من داعش والميليشيات المتحالفة مع إيران دون مساعدة الولايات المتحدة؟ وكيف ستسعى الجهات الفاعلة الخارجية إلى التنافس الإقليمي أو النفوذ السياسي بدلاً من الوجود والشراكة الأميركيين طويلي الأمد؟

ولذلك ينبغي للولايات المتحدة أن تعمل على تنويع نفوذها الأمني في العراق بما يتجاوز مجرد وجودها العسكري وجهود بناء القدرات مع القوات العسكرية العراقية، سعيا منها لإحياء التعاون في مجال إنفاذ القانون، وجهود مكافحة المخدرات، ومبادرات أمن الحدود، وغيرها من مجالات التنسيق.

وقبل الانسحاب الأميركي المحتمل من العراق وسوريا أو تمديد جدول الانسحاب حتى عام 2029، ينبغي لحلف الناتو والاتحاد الأوروبي التنسيق مع قوات الأمن العراقية من أجل وضع إستراتيجية لتواجدهما في العراق مستقبلاً، وتحديد الثغرات التي يمكن لمهامهما سدّها مع اقتراب المعركة ضد داعش من نهايتها.

ومع احتمال الانسحاب يجب على الولايات المتحدة أن تسعى إلى تنسيق أكبر مع بعثات بناء القدرات العسكرية والمدنية الأخرى، مثل بعثة الناتو في العراق والبعثة المدنية للاتحاد الأوروبي في العراق، لأن الانسحاب العسكري الأميركي المفاجئ سيجعل هذه العمليات عرضة للخطر دون تخطيط دقيق.

ويتعين على حلف الناتو والاتحاد الأوروبي الانخراط في مناقشات متعددة الأطراف مع الحكومة الأميركية والحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان العراق لوضع إستراتيجية خاصة بتواجدهما في العراق عقب الانسحاب الأميركي المحتمل.

ومع تزايد هجمات داعش ونشاطه منذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد في ديسمبر 2024، ينبغي للولايات المتحدة تشجيع حكومة إقليم كردستان والحكومة الفيدرالية العراقية على التعاون مع الإدارة الجديدة في سوريا والمملكة الأردنية الهاشمية لزيادة التعاون في مكافحة الإرهاب والاستخبارات والأمن، تحسبًا لاحتمال امتداد داعش من البادية السورية إلى العراق وربما الأردن.

7