عطر الورد يفوح في الصحراء السعودية من الطائف

العاملون في مزرعة الطلحي يرعون شجيرات الورد ويقطفون عشرات الآلاف من الزهور كل يوم لإنتاج ماء الورد والزيت.
الخميس 2025/04/24
ورد ملكي

تتزين مدينة الطائف في غرب السعودية بثوبٍ من الجمال الطبيعي خلال فصل الربيع، وتملأ أرجاءها رائحة العطر المميز والزيت المستخدم في تطهير الجدران الخارجية للكعبة المشرّفة في مدينة مكة المكرمة.

الطائف (السعودية) - أفنى السعودي الثمانيني خلف الله الطلحي أكثر من نصف حياته في زراعة الورود وتقطيرها لصناعة العطور في بلدته الطائف غرب المملكة، وهو الآن ينتج أكثر من 60 عطرا مختلفا.

تُعرف الطائف باسم “مدينة الورود”، إذ ينبت فيها ما يقرب من 300 مليون زهرة كل عام في أكثر من 800 مزرعة يفتح الكثير منها أبوابه للزوار في المدينة الجبلية القريبة من مكة، قبلة المسلمين.

يعمل الطلحي البالغ من العمر 80 عاما في القطاع منذ أكثر من 45 عاما. ويقول “أنا أحب الورود وأحافظ عليها كما أحافظ على أولادي، لأن هذه الشجرة إن ماتت، صعب تعويضها في يوم أو يومين أو سنة أو سنتين.”

ويقول الرجل الذي ارتدى ثوبا أبيض اللون واعتمر الشماغ الأحمر في مزرعته مترامية الأطراف “نحن منذ مولدنا في المزارع نمارس الزراعة وقبل 46 عاما بدأنا زراعة الورود.”

عندما يحل موسم الربيع من كل عام تتفتح الورود في المدينة ذات المناخ المعتدل، لتتحوّل المناظر الطبيعية الصحراوية الشاسعة إلى لوحة وردية زاهية.

في شهر أبريل تُقطف الورود من أجل استخراج الزيت المستخدم في تطهير الجدران الخارجية للكعبة المشرّفة في مدينة مكة المكرمة، على مقربة من الطائف.

ح

ويقول الرجل إنّه اليوم ينتج “في حدود خمسة إلى ستة ملايين وردة في السنة.” وطوّر الطالحي وأفراد أسرته هذه الصناعة المربحة في مجال العطور حيث تنتج أكثر من 60 عطرا مختلفا.

ويقول “دهن الورد الطائفي مميّز عن جميع أنواع الورود في العالم. أنا زرت تركيا والمغرب، وجدت فيهما وردا شبيها بهذا الورد. (…) نفس الشجرة، نفس الورقة، نفس الزهرة، إنما الرائحة تختلف اختلافا كليا عن الورد الطائفي.”

ورغم إنتاجه الغزير، لا يصدّر الطلحي وروده خارج السعودية. ويشرح “الورد الطائفي كمياته بسيطة. لذا نصدّر كمية قليلة، لأنه لا يكفي حاجة البلد. عندنا في السعودية عشاق للورد ولعطر الورد.” ويضيف “إنه ورد ملكي، هو عطر الملوك والشيوخ” في السعودية.

وبحسب قاعدة البيانات الاقتصادية “تريند إيكونومي” صدّرت السعودية في 2023 ما قيمته 141 مليون دولار من منتجات العطور، بما في ذلك ماء الورد.

ويرعى العاملون في مزرعة الطلحي شجيرات الورد ويقطفون عشرات الآلاف من الزهور كل يوم لإنتاج ماء الورد والزيت، المكونين الثمينين الخاصين بصناعات التجميل وكذلك الطهي.

وبينما يقوم عمال بقطف الأزهار في الحقول، يعمل آخرون على ملء السلال يدويا، ثم تغلى الزهور وتُقطّر. تغلى الورود على نار حامية حتى تتبخّر تقريبا، لمدّة 30 إلى 35 دقيقة، قبل أنّ تبدأ عملية التقطير التي تستمر ثماني ساعات تقريبا.

وبمجرّد أن يطفو الزيت إلى أعلى الأحواض الزجاجية، تبدأ عملية الاستخراج. ويُستخرج الزيت بحقنة كبيرة لملء قوارير مختلفة الأحجام، ويبلغ سعر أصغرها 350 ريالا سعوديا (نحو 93 دولارا).

حح

ويقول الطلحي وهو يتابع عملية التقطير، إنّ الورد “جزء من حياتي.” لكن شغفه الشديد بالحفاظ على الورود بات يواجه ظواهر مرتبطة بالتغير المناخي مثل الحرارة العالية والبرد القارس أو الأمطار الغزيرة. وأصدر علماء المناخ تحذيرات منتظمة بأن كل جزء من درجة الاحتباس الحراري يزيد من شدة وتواتر الأحداث الجوية المتطرفة.

وأفاد تقرير صادر عن المجلس الأطلسي بأن “تغيّر المناخ يُسرّع تدهور التربة من خلال عمليات مثل التملّح والتآكل والتصحّر، ما يُضعف جودة وإنتاجية الأراضي الصالحة للزراعة في المملكة العربية السعودية.”

وتوقّع المجلس انخفاض إنتاج القمح بنسبة تتراوح بين 20 في المئة و30 في المئة بحلول عام 2050 في المملكة الخليجية، بسبب الإجهاد الحراري ونقص مياه الري. كما توقّع انخفاض إنتاج أشجار النخيل والمحاصيل الأساسية الأخرى.

وهو ما بدت أثاره تظهر على الصحراء المحيطة بالطائف بالفعل، بحسب الطلحي. ويقول الطلحي بقلق “في العام الماضي والذي قبله كان البرد شديدا. هناك مزارع لم تُقطف منها ولو زهرة واحدة.”

ويتابع “خلال سنتين ضرب البرد الورد وقلّ إنتاجه تماما.” ويضيف “العوامل الجوية تحدث ولكن هذه السنة العوامل الجوية خفيفة جدا،” ويستأنف حديثه قائلا “مع زيادة الطلب، بعنا كل إنتاج مزارعنا.”

ورغم تقدّمه في السن يعمل الطلحي في مزرعته ووسط عمّاله طوال اليوم منذ الفجر حتى التاسعة مساء خصوصا في موسم الورد بين منتصف مارس ونهاية أبريل. ويقول “أعتبر المزرعة هنا هي الروح أو العرق النابض بجسمي. إن شاء الله ما يفرق بيني وبينها إلا الموت.”

حح

18