الأمم المتحدة تشترط وقف العقوبات لتعافي الاقتصاد السوري

العقوبات من أبرز التحديات التي تواجهها السلطات السورية الجديدة في عملية البناء وإعادة الإعمار عقب الإطاحة بنظام الأسد.
الأحد 2025/04/20
اقتصاد متعثر

دمشق - شدّد الأمين العام المساعد في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عبدالله الدردري على ضرورة إطلاق عملية التعافي الاقتصادي في سوريا من دون انتظار رفع العقوبات عنها، داعيا إلى “نتائج سريعة” تنعكس على حياة السوريين اليومية.

ورأى الدردري في مقابلة مع وكالة فرانس برس السبت على هامش زيارته إلى دمشق، أن العقوبات هي من أبرز التحديات التي تواجهها السلطات الجديدة في عملية البناء وإعادة الإعمار عقب الإطاحة بنظام عائلة الأسد إثر نزاع بدأ عام 2011 وكانت له تداعيات هائلة على اقتصاد البلاد. وقال الدردري إن رفع العقوبات هو “أمر يجب أن نعمل عليه، وفي الوقت نفسه يجب أن نبدأ عملية التعافي الاقتصادي حتى في ظل العقوبات”.

وأضاف “انتظار رفع العقوبات لن يجدي. يجب أن نعمل بالتوازي،” متابعا “عندما تتاح الخطة الواضحة والأولويات الواضحة، وعندما يتم رفع العقوبات، التمويل سيتدفق على سوريا”. وتكرر السلطات السورية بقيادة الرئيس أحمد الشرع الدعوة إلى رفع العقوبات التي فُرضت في عهد بشار الأسد، لإنعاش الاقتصاد المنهك جراء النزاع.

وقامت بعض الأطراف، بما فيها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بتخفيف بعض من هذه العقوبات، إلا أنها رهنت القيام بخطوات أكبر، باختبار أداء السلطات الجديدة في مجالات عدة مثل مكافحة “الإرهاب” وحماية حقوق الإنسان والأقليات.

وحذّر تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة في فبراير، من أنه في ظل معدلات النمو الاقتصادية الحالية، لن تتمكن سوريا من استعادة مستوى الناتج المحلي الإجمالي لفترة ما قبل النزاع، قبل حلول العام 2080.

عبدالله الدردري: رفع العقوبات أمر يجب أن نعمل عليه، وفي الوقت نفسه يجب أن نبدأ عملية التعافي الاقتصادي
عبدالله الدردري: رفع العقوبات أمر يجب أن نعمل عليه، وفي الوقت نفسه يجب أن نبدأ عملية التعافي الاقتصادي

وقدرت المنظمة الدولية مجمل خسائر الناتج المحلي بنحو 800 مليار دولار خلال نحو 14 عاما من النزاع. وأبرز التقرير أن تسعة من كل عشرة سوريين يعيشون اليوم تحت خط الفقر، وواحد من كل أربعة عاطل عن العمل، فيما انخفض الناتج المحلي الإجمالي إلى أقل من نصف مستواه في عام 2011.

كما أظهر تراجع مؤشر التنمية البشرية الذي يشمل الصحة والتعليم ومستوى المعيشة، إلى ما دون مستواه في 1990، وهو ما يعادل أكثر من 30 عاماً من التقدم التنموي المُهدَر بسبب الحرب. ورأى الدردري أن “الخسارة الكبرى في الاقتصاد السوري هي خسارة الفرق ما بين ما كان يجب عليه أن يكون الاقتصاد السوري سنة 2025 وأين هو الآن”.

وتابع “كان من المفترض أن يصل الاقتصاد السوري إلى ناتج محلي إجمالي بحوالي 125 مليار دولار في عام 2025 مقارنة بـ62 مليار دولار عام 2010، نحن اليوم لا نتجاوز 30 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي”.

واعتبر الدردري أن أولى مراحل التعافي هي “الإنجازات السريعة التي يشعر بها المواطن.. مثل بناء مستوصف أو افتتاح محل حلاقة أو مركز رياضي”. ونبّه إلى ضرورة “أن يعمل المجتمع المدني على توسيع نشاطه لتقديم الخدمات” للمساهمة مع السلطات، و”تحسين خدمات الحكومة بشكل سريع” لكي يشعر “المواطن بأن الشوارع أنظف.. وحركة السيارات والمرور أفضل،” خصوصا “في هذه الظروف الصعبة”.

وأسفر النزاع في سوريا عن مقتل أكثر من نصف مليون شخص ونزوح الملايين. وأكدت الأمم المتحدة مطلع مارس أن أكثر من 900 ألف نازح داخل سوريا عادوا إلى ديارهم منذ الإطاحة بالأسد في الثامن من ديسمبر. ورأى الدردري أن “التدمير المادي” الذي تعرضت له سوريا كان “ضخما جدا”، والجزء الأكبر كان “في قطاع السكن.. 375 ألف منزل دمرت بالكامل وأكثر من مليون ونصف مليون منزل تضررت جزئيا”.

وقدّر كلفة إعادة بناء هذه المنازل بـ”عشرات المليارات من الدولارات”، لافتا إلى أنه في ظل تراجع التمويل الدولي للتنمية منذ عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض “لا بد من اجتراح أدوات تمويلية جديدة وفعالة من أجل أن يتمكن السوريون من العودة إلى منازلهم وبنائها”.

ومن المقرّر أن يشارك وفد سوري يضم وزيري الخارجية والمالية وحاكم المصرف المركزي، الأسبوع المقبل في اجتماعات الربيع لمجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في واشنطن. وأكد مصدر مواكب للاجتماعات أن البحث سيشمل “كيفية مواكبة عملية إعادة الإعمار والنهوض بالاقتصاد السوري بعد سنوات النزاع،” وهي عملية يتطلب تحقيقها “مسارا طويلا”.

وبحث الدردري في دمشق مع مسؤولين سوريين في التعاون بين الحكومة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وردا على سؤال عن تبدل عمل البرنامج في سوريا بعد الإطاحة بالأسد، قال المسؤول الأممي إنه خلال النزاع كانت الأولوية لعمل المنظمات الإنسانية “أما الآن فنحن في المقعد الأمامي إلى جانب السائق وخلفه.. والسائق هي الحكومة”.

وأكد الدردري، وهو المدير المساعد ومدير المكتب الإقليمي للدول العربية، إن برنامج الأمم المتحدة وضع “مخططا للطاقة.. ومستقبل الطاقة في سوريا،” وقدم نحو 30 مليون دولار لتطوير دير علي الواقعة جنوب دمشق، وهي إحدى أهم محطات إنتاج الطاقة الكهربائية في سوريا.

◙ ما يزيد من الضرورة الملحّة لإيجاد حلول سريعة للوضع الراهن هو أنه بعد 14 عاما من النزاع يعاني 9 من كل 10 سوريين من الفقر

وقبل فترة أفاد أخيم شتاينر رئيس برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أنّ الاقتصاد السوري في حاجة إلى 55 عاما للعودة إلى المستوى الذي كان عليه في 2010 قبل اندلاع النزاع إذا ما واصل النمو بالوتيرة الحالية، مناشدا الأسرة الدولية الاستثمار بقوة في هذا البلد لتسريع عجلة النمو وإصلاح الوضع الاقتصادي.

وقال إنّه “بالإضافة إلى مساعدات إنسانية فورية، يتطلّب تعافي سوريا استثمارات طويلة الأجل للتنمية، من أجل بناء استقرار اقتصادي واجتماعي لشعبها“. وشدّد المسؤول الأممي خصوصا على أهمية “استعادة الإنتاجية من أجل خلق وظائف والحدّ من الفقر، وتنشيط الزراعة لتحقيق الأمن الغذائي، وإعادة بناء البنى الأساسية للخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم والطاقة“.

وما يزيد من الضرورة الملحّة لإيجاد حلول سريعة للوضع الراهن، هو أنّه بعد 14 عاما من النزاع، يعاني 9 من كل 10 سوريين من الفقر، وربع السكّان هم اليوم عاطلون عن العمل، والناتج المحلي الإجمالي السوري هو اليوم أقل من نصف ما كان عليه في 2011، وفقا للتقرير.

وتراجع مؤشر التنمية البشرية الذي يأخذ في الاعتبار متوسط العمر المتوقع ومستويي التعليم والمعيشة إلى أقلّ ممّا كان عليه في 1990 (أول مرة تمّ قياسه فيها)، ممّا يعني أنّ الحرب محت أكثر من ثلاثين عاما من التنمية.

وفي هذا السياق، نظر برنامج الأمم المتّحدة الإنمائي إلى وتيرة النمو اللازمة لعودة الناتج المحلّي الإجمالي إلى المستوى الذي كان عليه قبل الحرب، وكذلك إلى الوتيرة اللازمة لبلوغه المستوى الذي كان يمكن للبلاد أن تبلغه لو لم تندلع فيها الحرب.

وفي السيناريو الأكثر “واقعية” والذي يتلخّص في العودة إلى الناتج المحلي الإجمالي لعام 2010 فقط، فإنّ الأمر يتطلّب نموا سنويا بنسبة 7.6 في المئة لمدة عشر سنوات، أيّ ستّة أضعاف المعدّل الحالي، أو نموا سنويا بنسبة 5 في المئة لمدة 15 عاما، أو بنسبة 3.7 في المئة لمدة عشرين عاما، وفقاً لهذه التوقعات.

4