العراق وجهة واعدة للباحثين عن بداية جديدة

المجتمع العراقي يستقبل السوريين واللبنانيين بعاطفة أخوية تتجاوز مفاهيم الوافد والمضيف.
السبت 2025/04/19
مجتمع يحتضن الاختلاف ويحتفي بالتنوع

يجد السوريون واللبنانيون والمصريون الباحثون عن بداية جديدة، بيئة مرحّبة وفرصًا حقيقية لبناء حياة كريمة ومستقرة في العراق، حيث يستقبلهم العراقيون بعاطفة أخوية تتجاوز مفاهيم الوافد والمضيف ما يمنحهم الإحساس بالأمان. ويندمج هؤلاء الوافدون في الحياة الاقتصادية والاجتماعية في البلد العريق فيساهمون في ثراء ثقافته وتصبح موائد طعامهم على سبيل المثال معززة بنكهة شامية أو مصرية.

بغداد - يُعد العراق من الدول المحورية في منطقة الشرق الأوسط، لما يمتلكه من تنوع ثقافي واجتماعي وعمق تاريخي يجعله أرضًا للتلاقي والتفاعل بين الشعوب، وقد برز في السنوات الأخيرة كوجهة مفضلة للعديد من المواطنين العرب، ولاسيما من سوريا ولبنان، ممن وجدوا فيه بيئة مرحّبة وفرصًا حقيقية لبناء حياة كريمة ومستقرة.

وقد أسهمت الروابط الأخوية المتجذرة، والتقاليد العراقية الأصيلة القائمة على الكرم والانفتاح، في جعل العراق نموذجًا حيًّا للتعايش الإنساني والسلام المجتمعي، وفق ما أوردته وكالة الأنباء العراقية.

لم يكن الشاب اللبناني علي عفيف يتوقع أن يجد في بغداد حياة جديدة تنبض بالأمل، بعد أن أجبرته الأزمة الاقتصادية في بلاده على الرحيل، يقول علي في حديثه لوكالة الأنباء العراقية: “عملت في مقهى ببغداد، وكان دعم العراقيين لي مذهلًا، ولم أشعر بأنني غريب، بل كنت بين أهلي وناسي، والعراق منحني الأمان وفرصة لإعادة بناء حياتي.”

ويؤكد محمد علي، صاحب أحد المطاعم العراقية، على روح الانفتاح التي تميز المجتمع العراقي، قائلاً: “أوظف عمالًا سوريين ولبنانيين في مطعمي، وأسعى دائمًا لدعمهم والاستماع لمشكلاتهم، نحن لا نميز بين أحد، بل نرى في الجميع إخوة وأبناء هذا البلد.”

العلاقة بين الشعبين العراقي والسوري ليست وليدة اللحظة، وهذه الصلات المتجذرة تعزز مشاعر القربى والتفاهم

تجربة الشاب السوري محمد عمار، البالغ من العمر 28 عامًا، مثال آخر على المحبة العراقية، منذ أكثر من سبع سنوات، ترك بلده الأم ليستقر في بغداد، حيث يعمل اليوم في مطعم بمنطقة المنصور، يقول: “العراق ليس مجرد محطة مؤقتة، بل أصبح وطني الثاني، لم أشعر قط بالغربة، بل تلقيت دعمًا إنسانيًا وأخلاقيًا جعلني أزدهر على المستويين المهني والشخصي.”

ولا تعد العلاقة بين الشعبين العراقي والسوري وليدة اللحظة، بل تعود إلى آلاف السنين، هذه الصلات المتجذرة تعزز مشاعر القربى والتفاهم، وهو ما يلمسه السوريون يوميًا في تعاملهم مع المجتمع العراقي، الذي يستقبلهم بعاطفة أخوية تتجاوز مفاهيم “الوافد” و”المضيف.”

أما في المطبخ، فقد أصبحت “النكهة السورية” جزءًا من المائدة العراقية، الشيف علي، أحد الطهاة المعروفين في مطعم آخر ببغداد، يؤكد الإقبال الكبير على الأطباق السورية: الزبائن العراقيون يعشقون الأطعمة السورية، ويعتبرونها امتدادًا لثقافتهم. والأجمل من ذلك هو الشعور الدائم بالترحاب والاحترام.

من المطاعم إلى شركات الديكور، يساهم السوريون اليوم في تعزيز النسيج الاقتصادي والثقافي للعراق، الشاب محمود سعادة، يعمل في مجال التصميم الداخلي، ويؤكد على الثقة الكبيرة التي يحظى بها “الذوق السوري” لدى العراقيين: “العراقيون يقدرون التفاصيل، ويعجبون بذوقنا في تنسيق المساحات، أشعر بالفخر لأنني أعيش في بيئة تحترم العمل وتكرم من يتقنه.”

كما لا تعد قصص التضامن بين الشعبين جديدة. فالسيدة ليلى، عراقية عاشت في سوريا بعد عام 2006، تروي تجربتها بتأثر: “عندما وصلت إلى سوريا كنت أشعر بالخوف لأنني كنت وحيدة، لكن السوريين استقبلوني بقلوب مفتوحة، جيراني لم يترددوا في مساعدتي وسؤالهم اليومي لي عما إذا كنت بحاجة إلى شيء جعلني أشعر وكأنني بين أهلي.”

تضيف ليلى، “رغم أنني عدت إلى العراق، إلا أنني ما زلت على تواصل مع جيراني السوريين، لم أنسَ أبدًا كيف كانوا سندًا لي في أصعب الأوقات، ولهذا أشعر اليوم أن استقبال العراق للسوريين هو رد جميل مستحق.”

ويشير السفير السوري لدى العراق، صطام جدعان الدندح، إلى أن عدد السوريين في العراق يتراوح بين 300 و400 ألف شخص، يتركز معظمهم في إقليم كردستان.

ويُعرف السوريون في العراق بالتفاني والانضباط، ما جعلهم خيارًا مفضلًا لأصحاب الأعمال في قطاعات متعددة.

وقد أتاحت الفرص الاستثمارية، وتعدد الشركات الأجنبية العاملة في العراق، فضلاً عن الشركات المحلية، فرصاً متعددة لقدوم العمال الوافدين من مختلف الجنسيات، ومن أبرزها العمالة المصرية التي يحتفظ العراقيون بسجل تعاون تاريخي معها، خاصة خلال حقبة الثمانينات.

وبلغ عدد المصريين في العراق حدود 40 ألف عامل، وهو أعلى معدل عمالة مصرية في العراق منذ الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، وفقاً لتقديرات وزارة العمل العراقية، وهم يعملون بمجالات مختلفة كالطب، والهندسة، والإنشاءات، والأعمال الحرة، المتمثلة بتربية الدواجن، وشركات محلية، ومؤسسات للرعاية الصحية.

ومن المتوقع أن يتزايد عدد العمال المصريين في العراق خلال السنوات المقبلة، في ظل الاتفاقيات المبرمة بين الجانبين العراقي والمصري، ووجود عدد كبير من الشركات المصرية العاملة في العراق.

حفاوة وتجانس مع الآخر
حفاوة وتجانس مع الآخر

وفي يونيو 2023، وقّع العراق ومصر على 11 مذكرة تفاهم لتعزيز التجارة والسياحة والاستثمار، وخلال الحرب الإيرانية ـ العراقية في ثمانينيات القرن الماضي استنزفت القوة العاملة العراقية فيها، فرفعت الحكومة القيود عن تأشيرات المصريين، وجلبت 1.5 مليون عامل مصري.

وأعاد البلدان اللذان تربطهما روابط ومصالح مشتركة إحياء اللجنة العليا المشتركة خلال اجتماع عقد في أكتوبر 2020 في بغداد، حيث وقعا على 15 اتفاقية تعاون، في مجالات تشمل الاستثمار، والتعاون الصناعي، والتجارة، والنقل البحري، والبنية التحتية، والمياه.

واعتادت سوق العمل العراقية على وجود المصريين الذين يتميزون بالكفاءة والخبرة في مختلف المجالات، ويفضل عدد كبير من الشركات التعاقد مع الكفاءات من مهندسين، وفنيين، وعمال، وحرفيين قادمين من مصر.

وتحدّث مهندس مصري في إحدى الشركات العاملة في مجال الإنشاءات والبناء في العراق، أحمد شكري، عن طبيعة العمل، والتسهيلات المقدمة للعاملين، وكيفية تعامل المجتمع العراقي مع العمال المصريين.

وقال شكري، إن عمل والده في العراق لسنوات طويلة كان عاملاً مشجعاً من أجل البحث عن فرصة مناسبة للعمل في العراق، وهو ما تحقق منذ سنتين، من خلال عمله في إحدى شركات الإنشاءات والبناء العاملة في بغداد.

وأضاف شكري أن التسهيلات المتحققة في الحصول على إقامة العمل في العراق أتاحت الفرصة للعديد من المهندسين والعمال والفنيين العاملين في مختلف المجالات، بالإضافة إلى توافر رواتب جيدة، مقارنة بالرواتب في مصر.

وأشار شكري إلى أن هناك عدداً كبيراً من العمال الأجانب الذين يعملون بصورة غير قانونية، ومنهم عمال مصريون، إلا أن السلطات الأمنية العراقية تحاول الحد من العمالة غير الشرعية، من خلال إجبار العاملين على تطبيق قانون العمل، أو الترحيل إلى خارج العراق، وهو ما حصل مع عدد من العمال المصريين.

16