"هكذا عرفتُ الصين: مُشاهدات أول طالب مغربي" كتاب عن الصين بعيون مغربية

كتاب يحمل نصوصاً مميزة أهّلته للفوز بجائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة.
السبت 2025/04/19
معالم أثرية

القاهرة - في كتابه “هكذا عرفتُ الصين: مُشاهدات أول طالب مغربي”، يحكي لنا الكاتب والطبيب المغربي الدكتور محمد خليل، عن الصين التي لا نعرفها… الناس وطقوس حياتهم اليومية… وحركة تنقلهم في الشوارع.. ومدن ومعالم كأننا نقرأ عنها للمرة الأولى، حيث سرد فصول ومحطات رحلته بلغة تشم فيها رائحة الأماكن، وعبق التاريخ.

يقول الدكتور محمد خليل وهو يروي لنا يومياته ومشاهداته في الصين: “الملفت للنظر حين تمر بالطرقات هو اللباس الموحد للناس رجالاً ونساء كلهم يرتدون لباس ‘ماو’ ذا اللون الأزرق أو الرمادي، وعلى رؤوسهم قبعات من لون البِدَلِ نفسها، ويتنقل معظمهم على دراجات هوائية.”

ويسرد لنا “خليل” كيف شعر بالرهبة حين زار ضريح الزعيم ماو وحين شاهد موميائه المحنطة فيقول: “يظهر الزعيم ماو محنطا، وكأنه نائم بلباسه المعروف. لا يُسمح بالوقوف أو أخذ الصور، والحقيقة أن هذه الزيارة ما زالت محفورة بذاكرتي، نظرا للرهبة التي يشعر بها المرء حين دخوله الضريح خصوصا عندما يشاهد لأول مرة إنسانا محنطاً.

الكاتب خلص إلى ضرورة التواصل والتعايش بين بني البشر بمختلف مللهم ونحلهم وألسنتهم وألوانهم، والإيمان بشرعية الاختلاف واحترام الآخر
الكاتب خلص إلى ضرورة التواصل والتعايش بين بني البشر بمختلف مللهم ونحلهم وألسنتهم وألوانهم، والإيمان بشرعية الاختلاف واحترام الآخر

ويحكي مؤلف الكتاب عن الجامع الكبير في شيان، الذي يُعد أول مسجد في الصين، شُيّد على مساحة 12 كيلومتراً مربعاً على شكل قصر إمبراطوري، بناه الإمبراطور شیان رونغ من سلالة تانغ سنة 742 ميلاديا. في عهد الخليفة عثمان بن عفان، وأهدى الإمبراطور هذا الصرح الإسلامي للتجار المسلمين الذين تزوجوا من الصينيين.

وهكذا تتنوّع الموضوعات وتتعدد الحكايات في كتاب “هكذا عرفتُ الصين: مُشاهدات أول طالب مغربي”، لمؤلفه الدكتور محمد خليل، الذي كان أول طالب مغربي تطأ أقدامه أرض الصين، تلك البلاد البعيدة عن عالمنا العربي.

الكتاب الذي صدر عن دارة السويدي بأبوظبي، والمؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت، حمل نصوصاً لافته أهّلته للفوز بجائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة، في دورتها الثانية والعشرين لعام 2024، في فرع الرحلة المعاصرة.

وقد دوّن الكاتب المغربي الدكتور محمد خليل، مشاهداته باعتباره أول طالب مغربي في الصين، وأول طبيب مغربي جمع بين الطب الغربي والطب التقليدي الصيني؛ بهدف الإجابة على الكثير من الأسئلة التي كانت تُطرح حول رحلته إلى الصين، مثل: كيف فكرت في الذهاب إلى أقصى مكان في العالم بقصد الدراسة؟ وكيف قضيت حياتك الدراسية هناك؟ وكيف كان تعامل الصينيين معك؟ وكيف كانت معيشتك في الصين؟ ولماذا لم تكتب معايشتك لتلك الأحداث؟ وغير ذلك من الأسئلة، ومن هنا جاءت فكرة الكتاب الذي سعى فيه مؤلفه لتجميع أفكاره وسرد ذكرياته في الصين وتوثيقها في كتاب يسرد فيه المؤلف تفاصيل ما شاهده وعايشه في الصين وفي الدول المجاورة التي تمكن من زيارتها.

وحين بدأ الدكتور محمد خليل، في نبش ذاكرته واسترجاع ذكرياته ومشاهداته خلال فترة دراسته في الصين، لتدوين كتابه الذي بين أيدينا، باشر بالنظر في ما لديه من البومات صور التقطت خلال تلك الفترة، والصور التي تحمل تواريخ التقاطها، كما قام بمراجعة الرسائل التي أرسلها لعائلته، والتي كان يقص فيها بعضاً من جوانب حياته اليومية في الغربة، لكن المدهش كما يؤكد لنا خليل عبر صفحات كتابه، هو أنه ما إن بدأ الكتابة، حتى بدأت مخيلته تستحضر أسماء الأماكن التي زارها والأشخاص الذين التقاهم طوال فترة إقامته في الصين، حيث استحضر مواقف ومشاهد لم يكن يتوقع أن تبقى عالقة بذاكرته.

وتطرق الدكتور محمد خليل في كتابه “هكذا عرفتُ الصين: مُشاهدات أول طالب مغربي”، إلى مسيرته الدراسية في الصين، وإلى حال المجتمع الصيني آنذاك، وإلى الحالة السياسية والثقافية بالصين في ثمانينيات القرن الماضي، وبداية الإصلاح والانفتاح خلال فترة دينج شياو بينج.

وسرد المؤلف مشاهداته للأماكن التي تجول بها في الصين، والدول التي زارها أثناء العطل الدراسية، كما تناول فترة ما بعد الدراسة ورجوعه إلى وطنه المغرب، ثم عودته إلى الصين مُجدداً بعد اثنتي عشرة سنة من مغادرتها، وحكى للقارئ عن التغيير الكبير الذي طرأ وكان شاهدا على تفاصيله.

كما تحدث عن ارتباطه بالصين، ورئاسته لجمعية الصداقة والتبادل المغربية-الصينية، وهي التجربة التي تكللت بحصوله على جائزة المساهمات المميزة للصداقة الصينية-العربية، وهي الجائزة التي تسلمها من الرئيس الصيني شي جين بينج.

بعض الأثر من تاريخ الصين
بعض الأثر من تاريخ الصين

وبحسب المقدمة التي تصدرت صفحات الكتاب، والتي كتبها المستعرب الصيني الدكتور وانع يويونغ، فإن كتاب “هكذا عرفتُ الصين: مُشاهدات أول طالب مغربي”، يأتي ليكون بمثابة فيلم وثائقي يعج بتفاصيل تستعرض مسيرة الكاتب العلمية في الصين، وتتناول دقائق حياته اليومية في معهد اللغات الأجنبية تم في كلية الطب التقليدي الصيني، وتصف التغيرات الكبيرة والتطورات، التي شهدها المجتمع الصيني طوال العقود التي قضاها المؤلف في علاقته بالصين، طالبا مقيماً تارة، وتارة أخرى سائحاً متجولاً.

وهكذا كان مؤلف الكتاب الدكتور محمد خليل – الذي فاز بجائزة المساهمات المميّزة للصداقة الصينية-العربية، بفضل أدواره الفعّالة في تعزيز العلاقات الثقافية بين المملكة المغربية وجمهورية الصين، وإسهاماته في تعميم الطب التقليدي الصيني في وطنه المغرب – شاهداً على التطوّرات التي مرت بها الصين منذ بداية الانفتاح في سبعينيات القرن الماضي وعلى مدار عقود تالية.

ووصف المؤلف الدكتور محمد خليل الفترة التي قضاها كطالب في الصين، بأنها جاءت متزامنة مع بداية مرحلة الإصلاح والانفتاح التي أعلن عنها الرئيس دينج شياو بينج، مُعتبراً رحلته أنها كانت “رحلة بين صينين غير صنوين، هما صين الأمس وصين اليوم.”

وخلص خليل إلى ضرورة التواصل والتعايش بين بني البشر بمختلف مللهم ونحلهم وألسنتهم وألوانهم، والإيمان بشرعية الاختلاف واحترام الآخر. وكذلك ضرورة السعي المشترك لدعم التعددية والوصول لعالم أكثر انسجامًا وتقاربًا، واحترام تنوّع حضارات العالم وتعزيز القيم المشتركة للبشرية جمعاء، ومنح مزيد من الاهتمام للميراث الحضاري الإنساني، وتعزيز التبادلات، وتجاوز الحواجز بين الحضارات عن طريق تعزيز التبادل الحضاري وتجاوز صراع الحضارات.

وأورد الكتاب بعضاً من تاريخ الصين، واستحضر جانبا من رحلة الرحّالة العربي ابن بطوطة إليها، والتي دوّن تفاصيلها في كتابه “تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار”، ونقل ما قاله ابن بطوطة عن حرص الصينيّين عبر التاريخ على الزائر والتاجر الأجنبي، وسجّل مظاهر رعايتهم للفقراء والمساكين، واهتمام المسلمين الصينيين ودعمهم لأشقائهم من المسلمين القادمين إليهم من بلدان العالم العربي والإسلامي، ولفت إلى أن الصين من أكثر البلدان أمناً وأحسنها حالاً للمسافرين، وأنّ أهلها أعظم الأمم إحكاما للصناعات، وأشدهم إتقانا فيها.

16