السعودية لم تقل بعدُ قولها الفصل في أسعار النفط

السعودية تسجّل حاليا مليوني برميل يوميا من أصل 2.8 مليون برميل يوميا من تخفيضات الإنتاج التي ينفذها أعضاء أوبك، و3.15 مليون برميل من أوبك+ ككل.
الثلاثاء 2025/04/15
فترة ممتدة من انخفاض الأسعار

فيينا - أعلنت ثماني دول من أوبك+ خلال الأسبوع الماضي عن خطط لتسريع الإلغاء التدريجي لتخفيضات إنتاج النفط الطوعية من خلال زيادة الإنتاج بمقدار 411 ألف برميل يوميا في مايو، أي ما يعادل ثلاث زيادات شهرية.

وتتزامن هذه الوتيرة السريعة لتخفيف القيود مع فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسوما جمركية على شركائه التجاريين، مما زاد من اضطرابات أسواق النفط. وفي الساعة 9:45 صباحا بتوقيت شرق الولايات المتحدة يوم الجمعة الماضي، ارتفع سعر خام برنت تسليم يونيو بنسبة 0.1 في المئة ليصل إلى 63.32 دولارا للبرميل، بينما استقر سعر خام غرب تكساس الوسيط عند 60.12 دولارا للبرميل.

ويدعم هذا القرار التكهنات السابقة بأن المملكة العربية السعودية قد تتخلى عن دورها التقليدي كمنتج متأرجح لأوبك، حيث تهدف إلى توجيه رسالة قوية إلى الأعضاء الذين ينتهكون اتفاقيات خفض الإنتاج، مثل كازاخستان والإمارات العربية المتحدة والعراق.

وأفادت صحيفة فاينانشال تايمز في سبتمبر بأن المملكة أصبحت مستعدة للتخلي عن هدفها غير الرسمي لسعر النفط الخام البالغ 100 دولار للبرميل في إطار خططها لزيادة الإنتاج، مما يشير إلى رضوخها لقبول فترة ممتدة من انخفاض الأسعار.

السعودية تبيع كميات أقل بأسعار أقل ما يزيد من خسائر الإيرادات، لكنها لا تزال تتمتع بالقدرة على الضغط على أسواق النفط

وتسجّل السعودية حاليا مليوني برميل يوميا من أصل 2.8 مليون برميل يوميا من تخفيضات الإنتاج التي ينفذها أعضاء أوبك، و3.15 مليون برميل من أوبك+ ككل.

وفي الواقع، تُمثل حصة المملكة من التخفيضات ضعف حصة المجموعة بأكملها، حيث تُجري السعودية والكويت حاليا تخفيضات بنسبة مئوية مكوّنة من خانتين.

ويقول الكاتب أليكس كيماني في تقرير نشره موقع أويل برايس الأميركي إن جزءا كبيرا من انخفاض إنتاج دول أوبك+ الأخرى يُعزى إلى عجزها عن تحقيق الأهداف، وليس إلى التخفيضات الطوعية.

ومع ذلك، فإن زيادة إمدادات النفط تُكلف أكبر منتج في أوبك. وأفاد صندوق النقد الدولي بأن السعودية، التي تعدّ أكبر اقتصاد في مجلس التعاون الخليجي، تحتاج إلى سعر نفط يبلغ 96.20 دولارا للبرميل لتحقيق التوازن في ميزانيتها، ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان 2030.

ويتفاقم الوضع بسبب العبء غير المتناسب الذي تتحمله المملكة نتيجة تخفيضات إنتاج أوبك+ الأخيرة.

وتنتج المملكة العربية السعودية 8.9 مليون برميل يوميا (وهو أدنى مستوى لها منذ 2011)، مما يعني أنها تبيع كميات أقل من النفط بأسعار أقل، ويزيد هذا من خسائر الإيرادات. ومع ذلك، لا تزال السعودية تتمتع بالقدرة على الضغط على أسواق النفط.

جزء كبير من انخفاض إنتاج دول أوبك+ الأخرى يُعزى إلى عجزها عن تحقيق الأهداف، وليس إلى التخفيضات الطوعية

وكما أشارت إيرينا سلاف، المساهمة في أويل برايس، فإن المملكة قد تؤجل الجدول الزمني لرؤية 2030، وربما تحولها إلى رؤية 2040 أو رؤية 2050 إذا ظلت ظروف سوق النفط غير مواتية.

وبالإضافة إلى ذلك، تحظى الرياض بالعديد من آليات التمويل البديلة، مثل السحب من احتياطيات النقد الأجنبي أو إصدار سندات سيادية، لمواجهة فترات انخفاض الأسعار.

ويشير الخبراء أيضا إلى أن السعودية قد تستفيد من التعريفات الجمركية المنخفضة نسبيا التي فرضها الرئيس ترامب على دول مجلس التعاون الخليجي من خلال التحول إلى مركز تصنيع إقليمي.

وتواجه جميع الدول الأعضاء الست في مجلس التعاون الخليجي (المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين وقطر والكويت وسلطنة عمان) رسوما جمركية لا تتجاوز 10 في المئة.

ولاحظ عادل حمايزية، المتخصص في شؤون الخليج في مركز بيلفر في كلية كينيدي بجامعة هارفارد، أن تصاعد التعريفات الجمركية في بعض البلدان قد يدفع إلى انتقال كبير للأعمال إلى دول مجلس التعاون الخليجي.

وحدد مسارين محتملين لهذا التحول، إما من خلال عمليات النقل إلى المناطق القريبة أو الدول الصديقة.

الحكومة السعودية تسعى إلى زيادة مساهمة قطاع التعدين في الناتج المحلي الإجمالي من 17 مليار دولار إلى 75 مليار دولار بحلول سنة 2035

وترى إيلين والد، مؤسسة شركة ترانسفيرسال للاستشارات، ضرورة تواصل السعودية استباقيا مع إدارة ترامب بشأن فرص تنويع التجارة.

واقترحت في حديثها لموقع ميدل إيست آي أن ترسل الرياض وفودا تجارية للاستفسار مباشرة عن سلع صينية محددة تستوردها الولايات المتحدة، وعرض إنتاجهم المحلي بشكل تنافسي.

ويُعد التصنيع بالفعل جزءا من رؤية 2030. وتتمتع المملكة (على عكس أوروبا) بالعديد من المزايا في هذا المجال، بما في ذلك وفرة الطاقة الرخيصة، ومساحات الأراضي الشاسعة، وقلّة القيود التنظيمية.

وبالإضافة إلى ذلك، تعمل السعودية على تسريع إستراتيجيتها للتعدين البالغة قيمتها 2.5 تريليون دولار لتنويع اقتصادها وتقليل الاعتماد على النفط، مع الاستثمار في تقنيات تعزز إنتاج النفط وتخفض انبعاثات الكربون.

وقد أصبح التعدين ركيزة أساسية في خطة الرياض للتنويع الاقتصادي، حيث تهدف المملكة إلى الاستفادة من احتياطاتها الكبيرة من الفوسفات والذهب والنحاس والبوكسيت.

وفي 2024، أعلن وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي بندر الخريف أن إمكانات المملكة من الموارد قد ارتفعت بنسبة تقارب 90 في المئة من 1.3 تريليون دولار (كما قُدِّرت قبل ثماني سنوات) إلى 2.5 تريليون دولار.

وتسعى الحكومة إلى زيادة مساهمة قطاع التعدين في الناتج المحلي الإجمالي من 17 مليار دولار إلى 75 مليار دولار بحلول سنة 2035.

وأبرمت السعودية في العام نفسه تسع اتفاقيات استثمار في المعادن والتعدين بقيمة تزيد عن 35 مليار ريال سعودي (9.32 مليار دولار)، بهدف إنشاء سلاسل توريد محلية للمعادن الأساسية.

وتشمل هذه الصفقات، التي كُشف عنها في إطار مبادرة مرونة سلاسل التوريد العالمية، شراكات مع شركة التعدين الهندية “فيدانتا” ومجموعة “زيجين” الصينية.

6