لبنان أمام معادلة صعبة لنزع سلاح حزب الله: المواجهة تشعل حربا أهلية والحوار لا ينفع

المهمة تحتاج إلى إعادة ترتيب أولويات داخلية وتوافقات إقليمية ودولية بعيدة المنال في الوقت الراهن.
الثلاثاء 2025/04/08
صداع مزمن

يتصاعد الضغط الدولي على لبنان، وخصوصا من الولايات المتحدة، بشأن ضرورة نزع سلاح حزب الله، ما يضع لبنان في موقف حساس. فبينما يطالب المجتمع الدولي بيروت باتخاذ خطوات حاسمة على هذا الصعيد، فإن أي محاولة لتنفيذ هذه المطالب قد تؤدي إلى عواقب وخيمة، في وقت يعاني فيه البلد من أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه.

بيروت - يقف لبنان أمام خيارين للتعامل مع سلاح حزب الله: إما مواجهة عسكرية قد تؤدي إلى تدمير النسيج الاجتماعي واندلاع حرب أهلية أو الحوار مع الحزب بشأن تفكيك ترسانته والذي قد لا يقود إلى نتيجة ملموسة.

وقال الرئيس اللبناني جوزيف عون الاثنين، أمام وفد من مجموعة العمل الأميركية لدعم لبنان، إن “الإصلاحات وسحب السلاح هما مطلبان لبنانيان.” لكنه استدرك بالقول رداّ على سؤال حول رؤيته إلى طريقة نزع سلاح حزب الله قائلا” أأكد على أهمية اللجوء إلى الحوار… المسائل تحل بالتواصل والحوار وفي نهاية المطاف، فحزب الله هو مكون لبناني.”

وتعكس تصريحات عون حجم الضغوط المسلطة على لبنان للوفاء بالتزاماته الدولية والإقليمية لجهة نزع سلاح الحزب، لكنها توضح أيضا محدودية الخيارات المتاحة للتعامل مع هذا الملف المعقد.

ويرى محللون أن لبنان أمام معادلة معقدة للتعامل مع ترسانة حزب الله العسكرية الضخمة. فإما الدخول في مواجهة مع الحزب وهو ما تنجر عنه حرب أهلية أو الدخول في حوار مع الجماعة وهي إستراتيجية لن تؤدي إلى نتائج.

ولن يتخلى الحزب، الذي يملك نفوذا قويا في عدد من المؤسسات اللبنانية ولديه دعم كبير من طائفة شيعية تعتبره رمزا للمقاومة ضد إسرائيل، بسهولة عن سلاحه الذي يراه ضروريا لأمنه وللتوازنات الإقليمية.

السعي لحل معضلة نزع سلاح حزب الله قد يتطلب أكثر من مجرد رغبة في الحوار أو اتخاذ قرارات متسرعة

ولطالما رفع حزب الله شعار “توازن الردع” مع إسرائيل، مؤكدا أن ترسانته العسكرية تشكل ضمانة لردع أيّ عدوان إسرائيلي على لبنان. غير أن جبهة إسناد غزة التي تسببت بحرب مدمرة شنتها إسرائيل على لبنان، واغتالت قيادات الصف الأول في حزب الله وفي مقدمتهم الأمين العام للحزب حسن نصرالله، أظهرت هشاشة معادلة الردع، وعدم قدرة الحزب على فرض قواعد اشتباك جديدة أو تغيير معادلات الميدان.

ويشير المحللون إلى أن السعي لحل هذه المعادلة قد يتطلب أكثر من مجرد رغبة في الحوار أو اتخاذ قرارات متسرعة، بل قد يحتاج إلى إعادة ترتيب أولويات داخلية وتوافقات إقليمية ودولية قد تكون بعيدة المنال في ظل الظروف الراهنة.

ولم تعد المواجهة العسكرية مع حزب الله مجرد خيار، بل تمثل تهديدا حقيقيا لمستقبل لبنان. فالنزاع مع الحزب، الذي يعد أحد القوى المسلحة الكبرى في لبنان ويملك ترسانة ضخمة من الأسلحة، قد يؤدي إلى اندلاع حرب أهلية جديدة، لا تختلف كثيرا عن تلك التي عصفت بلبنان في السبعينات والثمانينات من القرن العشرين.

ويعرف لبنان، الذي شهد حربا أهلية دامية بين عامي 1975 و1990، جيدا عواقب اندلاع نزاع داخلي جديد. فخلال تلك الحرب، انقسم البلد بين فصائل طائفية مسلحة، واكتسبت القوى الإقليمية والعالمية تأثيرا كبيرا في مجريات الصراع.

ويشير مراقبون إلى أن أزمة السلاح والنفوذ السياسي الذي يملكه حزب الله تشبه بشكل كبير الظروف التي سادت لبنان قبل الحرب الأهلية.

وهذا ما يبقي الجيش اللبناني، رغم دعم المجتمع الدولي له، في موقف صعب، إذ أن أيّ محاولة لفرض نزع سلاح حزب الله بالقوة قد تؤدي إلى انقسام داخلي حاد يعمق الأزمة السياسية والاقتصادية التي يمر بها لبنان.

ويؤكد وليد فارس، الباحث في شؤون الشرق الأوسط والمستشار السابق للكونجرس الأميركي أن “المواجهة العسكرية مع حزب الله قد تؤدي إلى حرب أهلية طاحنة لن تفيد سوى الأعداء الإقليميين للبنان. فالحزب ليس مجرد مجموعة مسلحة، بل قوة سياسية وشعبية قوية، وأيّ تصعيد عسكري ضدها قد يفتح الباب على مصراعيه أمام تدخلات إقليمية ودولية تؤثر سلبا على لبنان.”

في المقابل، يبرز الحوار كحل مثالي يروج له الرئيس عون، الذي أكد على ضرورة “التواصل” لحل المسائل المتعلقة بنزع السلاح. لكن هنا تكمن معضلة كبيرة، فالحوار مع حزب الله لا يبدو قابلا للتنفيذ دون تنازلات قد تكون مؤلمة للبنان.

الحوار مع حزب الله بشأن نزع سلاحه لا يبدو قابلا للتنفيذ دون تنازلات قد تكون مؤلمة للبنان
الحوار مع حزب الله بشأن نزع سلاحه لا يبدو قابلا للتنفيذ دون تنازلات قد تكون مؤلمة للبنان

ويعتبر الحزب نفسه مقاوما لإسرائيل ويرفض أيّ محاولة لنزع سلاحه ما لم يكن ذلك جزءا من إستراتيجية شاملة تضمن حماية لبنان من أيّ تهديدات خارجية. لكن في ظل الانقسامات الداخلية العميقة في لبنان، وبينما يضغط المجتمع الدولي لإزالة السلاح غير الشرعي، تظل شروط الحوار بعيدة المنال.

ويرى عادل عبدالله، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيروت العربية، أن “الحوار قد يكون الخيار الوحيد لتجنب التصعيد، ولكن من دون ضمانات حقيقية، لا أعتقد أن حزب الله سيوافق على شروط نزع سلاحه في ظل الوضع الإقليمي المعقد. من هنا، فإن أيّ تسوية قد تتطلب تنازلات من جميع الأطراف، وهو ما يبدو بعيد المنال.”

وكان عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب غسان حاصباني أكد في 22 مارس الماضي ضرورة أن يتسلّم الجيش اللبناني سلاح حزب الله، سواء بالتراضي أو بالقوة، محذرا من أن يتم “تلزيم هذه العملية للإسرائيلي جنوبا وللسوري شرقا، وهذا ما لا يرضى به أيّ لبناني لأنّه يمسّ بالسيادة الوطنية.”

ولم تعلن الحكومة اللبنانية حتى الآن عن خطة واضحة أو جدول زمني لتنفيذ تعهداتها بنزع سلاح الحزب، وسط انقسام داخل مجلس الوزراء بين مؤيدين ومعارضين لوضع جدول زمني محدد.

وفي العام 2006، تمت الدعوة إلى طاولة حوار وطني برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه بري لمناقشة قضايا أساسية، أبرزها مسألة سلاح حزب الله وتطبيق القرار الدولي 1559 الذي يدعو إلى نزع سلاح كل الميليشيات.

ولم يخرج الحوار الذي شارك فيه الأقطاب السياسيون كافة، وفي مقدمتهم الأمين العام السابق لحزب الله حسن نصرالله، إلا بتوصيات حول نزع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، وتنظيمه داخلها، وترك بحث موضوع سلاح الحزب رهنا بإعداد إستراتيجية دفاعية يتم التوافق بشأنها في مرحلة لاحقة.

ومن ثم تعثرت جلسات الحوار بسبب اندلاع حرب تموز 2006. فتوقف البحث في موضوع السلاح على الرغم من تشدد قوى 14 آذار في الدعوة لنزعه لأنه جر حربا إسرائيلية هي الثانية على لبنان، بعد حرب عام 1996.

6