الفساد والبيروقراطية يعيقان سعي العراق لإغلاق مخيمات النازحين

ملف النزوح في العراق يبقى من أكثر الملفات تعقيدا.
الثلاثاء 2025/04/08
غلق المخيمات يتطلب حل المشاكل أولا

بغداد - لا تزال الخلافات السياسية والبيروقراطية الإدارية والاعتبارات الأمنية وكذلك الفساد ونهب الأموال المخصصة لملف النزوح تلعب دورا في عرقلة سعي العراق لإغلاق مخيمات النازحين.

وأعلن رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني أمس الإثنين أن العراق بات قريبا جدا من إنهاء إغلاق مخيمات اللاجئين، وهو ما يكرره المسؤولون العراقيون منذ سنوات دون تنفيذه.

وشدد رئيس الحكومة العراقية، خلال استقباله المرشحة السويسرية لمنصب مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين كريستين بر جنر، على ضرورة “التعاون مع المفوضية في مسألة إعادة الاندماج المجتمعي ودعم البنية التحتية في مناطق العودة والدعم المادي والنفسي والاجتماعي للنازحين،” وهو ما يمثل إقرارا ضمنيا بصعوبة المهمة.

وتصطدم السلطات العراقية في سعيها لإغلاق ملف النزوح، المترتّب على حقبة سيطرة تنظيم داعش على مناطق شاسعة في شمال العراق وغربه، بعائق عدم جاهزية مناطق النازحين الأصلية لاستقبال العائدين إليها وتوفير أساسيات العيش لهم من مساكن لائقة ومرافق عمومية وبنى تحتية، فضلا عن موارد الرزق ومواطن الشغل.

من أبرز التحديات التي تواجه العراق في ملف النزوح عدم جاهزية مناطق النازحين الأصلية لاستقبال العائدين إليها

وأعلن العراق في نهاية 2017 الانتصار على تنظيم داعش الذي سيطر لمدّة ثلاثة أعوام على ثلث مساحة أراضيه ويسود منذ ذلك الحين استقرار نسبي في البلد الذي يضمّ أكثر من مليون نازح.

ومن شروط العودة حصول النازحين على الضوء الأخضر من الأجهزة الأمنية بعد التأكد من أنهم ليسوا مطلوبين في جرائم مرتبطة بالإرهاب. لكن بين سكان مخيمات شرق الموصل البالغ عددهم نحو 11 ألفا وفق أرقام رسمية هناك 600 معتقل سابق بحسب وثيقة للأمم المتحدة.

ويقول محللون إن ملف النزوح في العراق يبقى من أكثر الملفات تعقيدا وتحديا. ورغم الجهود الكبيرة التي تبذلها الحكومة العراقية لتسوية هذا الملف فإن التحديات متعددة الأوجه، سواء كانت ميدانية أو سياسية أو اقتصادية، تجعل من عملية إعادة النازحين إلى ديارهم مهمة صعبة وطويلة الأمد.

ويشير المحللون إلى أن الجهود الدولية، التي تدعم العراق في هذه القضية، قد توفر بعض الحلول عبر المساعدات الإنسانية، إلا أن الحلول الحقيقية لا يمكن أن تأتي إلا من خلال إصلاحات سياسية جذرية واستثمار حقيقي في إعادة الإعمار، فضلًا عن مكافحة الفساد في المؤسسات الحكومية، وتوفير فرص العمل لمساعدة العائدين على بناء حياة جديدة بعيدا عن التشرد والفقر.

ومن أبرز التحديات التي تواجه السلطات العراقية في ملف النزوح عدم جاهزية مناطق النازحين الأصلية لاستقبال العائدين إليها. وقد تعرضت الكثير من هذه المناطق لتدمير واسع خلال فترة الاحتلال الداعشي، سواء من حيث البنى التحتية أو المرافق العامة أو حتى المساكن اللائقة.

وتعاني مناطق مثل الموصل وصلاح الدين والأنبار، التي كانت تحت سيطرة داعش، من الدمار الكبير الذي أصاب المنازل والمدارس والمستشفيات، ما يجعل العودة إليها غير ممكنة في ظل غياب الأساسيات التي تكفل حياة كريمة للنازحين العائدين.

ويواجه العديد من العائدين ظروفًا قاسية، حيث يُجبرون على العيش في مخيمات نزوح أو مساكن غير ملائمة لا تلبي أدنى الاحتياجات الأساسية، الأمر الذي يسهم في احتداد معاناتهم ويحول دون استقرارهم في مناطقهم الأصلية.

وفاقم الفساد داخل المؤسسات الحكوميةِ الأزمةَ. فالأموال المخصصة لإعادة الإعمار وإعادة النازحين غالبا ما يتم نهبها أو سوء إدارتها، وهو ما يعطل تنفيذ المشاريع التنموية في المناطق المنكوبة.

ظروف معيشية قاسية
ظروف معيشية قاسية

ووفقًا لتقارير صادرة عن منظمات حقوقية دولية، فإن نسبة كبيرة من الأموال المخصصة لإعادة الإعمار قد تم توجيهها نحو جيوب بعض المسؤولين، ما أثر على قدرة الحكومة في توفير الاحتياجات الأساسية للمناطق التي دمرتها الحرب.

وإضافة إلى ذلك تواجه الحكومة تحديات في خلق فرص العمل في المناطق المستعادة. فحتى لو تمت إعادة تأهيل بعض البنى التحتية، فإن توفير فرص العمل للعائدين يعد أمرا بالغ الصعوبة في ظل الواقع الاقتصادي المتدهور في العراق.

وتشكل الاعتبارات الأمنية أيضًا تحديا كبيرًا في عملية العودة، حيث أن الكثير من المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش ما زالت تعاني من وجود خلايا نائمة للتنظيم، أو من تواجد ميليشيات مسلحة تسعى للهيمنة على بعض المناطق.

ويزيد هذا الأمر مخاوف النازحين من العودة إلى مناطقهم، خشية عدم استقرار الوضع الأمني. وأحيانًا تكون العودة مشروطة بضمانات أمنية، وهو ما يصعّب تنفيذها بشكل كامل في الوقت الحالي، خاصة مع التهديدات المستمرة من خلايا داعش أو الجماعات المسلحة.

وإلى جانب التحديات الميدانية تشكل الخلافات السياسية والبيروقراطية الإدارية عوائق إضافية أمام إعادة النازحين إلى مناطقهم؛ إذ تعيش البلاد في ظل انقسامات سياسية بين القوى المختلفة التي تتوزع على المناطق العراقية، وهو ما يؤدي إلى تأجيل تنفيذ المشاريع الخاصة بإعادة الإعمار.

وتجعل هذه الخلافات التنسيق بين المؤسسات الحكومية المعنية بملف النزوح صعبا، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على عملية إعادة الإعمار وتأهيل المناطق المتضررة.

6