إضراب المعلمين يشل تعليم العراق ويضع الحكومة أمام اختبار صعب

المعلمون يطالبون بتحسين الرواتب والأوضاع المعيشية، ويؤكدون أن الإضراب مستمر حتى جلسة مجلس الوزراء الحاسمة.
الأحد 2025/04/06
مصير الإضراب معلق والأنظار تتجه نحو جلسة الحكومة الحاسمة

بغداد - شهد العراق اليوم الأحد تصعيدًا ملحوظًا في المطالبات بتحسين الأوضاع المعيشية للمعلمين، حيث نفذت الكوادر التعليمية في مختلف أنحاء البلاد إضرابًا عامًا عن الدوام في المدارس الحكومية.

وقد تجسد هذا التحرك النقابي القوي في تنظيم وقفات احتجاجية واعتصامات أمام المؤسسات التعليمية ومديريات التربية، بالإضافة إلى امتناع واسع النطاق عن التدريس، مما أدى إلى تعطيل العملية التعليمية وإغلاق آلاف المدارس، وعودة الطلاب إلى منازلهم قسرًا.

ويأتي هذا الإضراب تعبيرًا عن استياء المعلمين العميق من تدني رواتبهم وعدم تناسبها مع الارتفاع المستمر في تكاليف المعيشة. ويهدف الإضراب، الذي من المقرر أن يستمر حتى بعد غد الثلاثاء وفقًا للمنظمين، إلى الضغط على الحكومة العراقية لاتخاذ خطوات عملية وجادة لتلبية مطالبهم خلال جلستها الأسبوعية.

وقد حظيت مطالب المعلمين بدعم علني من نائب رئيس البرلمان العراقي محسن المندلاوي، الذي أكد وقوف البرلمان مع حقوقهم المشروعة ودعا إلى توفير الحد الأدنى من الاستقرار المجتمعي والمعيشي لهذه الشريحة الهامة، مما يعكس وجود تفهم سياسي لأهمية هذه القضية.

ولوحظ تباين في نسبة التزام المحافظات بالإضراب، حيث سجلت محافظتا البصرة وميسان في الجنوب استجابة واسعة وصلت إلى إغلاق غالبية المدارس الحكومية (98 بالمئة في ميسان)، وفقًا لتصريحات الناشط شاكر الساعدي.

وأكد الساعدي في تصريح لوكالة "شفق نيوز" الكردية العراقية على استمرار الإضراب لحين استجابة الحكومة لمطالبهم، والتي تشمل زيادة المخصصات المالية ورفع سقف مخصصات الزوجية والأطفال إلى 100 ألف دينار، بالإضافة إلى شمول المعلمين بقانون الخدمة التربوية أسوة بالجامعيين.

وفي المقابل، كان الالتزام بالإضراب محدودًا في العاصمة بغداد، بينما لم تشارك المدارس الخاصة في أي تحركات احتجاجية واستمر الدوام فيها بشكل طبيعي.

أما في محافظة ديالى، الواقعة شمال شرق العاصمة بغداد، فقد شهدت بعض المناطق وقفات احتجاجية، إلا أن الدوام عاد إلى طبيعته مع انتظار نتائج جلسة مجلس الوزراء، مع تأكيد مديرية التربية تضامنها مع مطالب الكوادر التعليمية.

وتأتي هذه التحركات الاحتجاجية على الرغم من دعوة وزارة التربية لإدارات المدارس والمعلمين إلى الالتزام بالدوام الرسمي وإكمال المناهج الدراسية، إلا أن إصرار المعلمين على تحقيق مطالبهم دفعهم لتنفيذ الإضراب.

وقد أعلن وزير التربية عن استضافة نقيب المعلمين في جلسة الحكومة المقبلة لمناقشة هذه المطالب، مما يشير إلى محاولة حكومية لاحتواء التصعيد والتوصل إلى حلول مرضية للمعلمين.

ويمثل هذا الإضراب العام للمعلمين تصعيدًا لافتًا في حركة الاحتجاجات التي يشهدها القطاع العام في العراق، ويحمل في طياته دلالات عميقة. أولًا، يعكس الإقبال الواسع من المعلمين على الإضراب حجم الضغط الاقتصادي الذي يرزحون تحته وتآكل قدرتهم الشرائية بفعل الارتفاع المضطرد في الأسعار وثبات الرواتب.

وثانيًا، يشير التنظيم المحكم للإضراب والتنسيق الفعال بين الهيئات التعليمية في مختلف المحافظات إلى تنامي الوعي النقابي لدى المعلمين وقدرتهم على التعبير عن مطالبهم بصوت موحد ومنظم.

وثالثًا، يعكس إصرار المعلمين على المضي قدمًا في الإضراب رغم دعوات وزارة التربية للالتزام بالدوام الرسمي، وجود فجوة واضحة في الثقة بينهم وبين الحكومة، وشكوكًا جدية في مدى التزام الأخيرة بتلبية وعودها.

وعلى صعيد آخر، ينطوي استمرار الإضراب على تداعيات سلبية محتملة على العملية التعليمية، حيث سيؤدي إلى تعطيل الدروس وتأخير إنجاز المناهج الدراسية، الأمر الذي قد يؤثر سلبًا على مستقبل الطلاب ومستوى التعليم في البلاد.

في المقابل، يمثل هذا التحرك ضغطًا متزايدًا على الحكومة العراقية للاستجابة لمطالب المعلمين، خاصة في ظل الدعم الذي تحظى به هذه المطالب من قبل بعض أعضاء البرلمان. وقد تجد الحكومة نفسها مضطرة لتقديم تنازلات ملموسة بهدف احتواء الأزمة وتجنب استمرار شلل قطاع التعليم الحيوي.

علاوة على ذلك، قد يكون لهذا الإضراب تأثير محفز على قطاعات أخرى من الموظفين الحكوميين الذين يعانون من ظروف معيشية مماثلة، مما قد يؤدي إلى اتساع رقعة الاحتجاجات في المستقبل القريب.

ويبقى مصير هذا الإضراب معلقًا بنتائج الجلسة الأسبوعية للحكومة العراقية المقررة بعد غد الثلاثاء. فإذا ما قدمت الحكومة استجابة إيجابية ومقنعة لمطالب المعلمين، فمن المرجح أن يتم تعليق الإضراب واستئناف العملية التعليمية. أما في حال عدم تحقيق تقدم ملموس، فمن المتوقع أن يستمر الإضراب أو أن تتخذ الكوادر التعليمية خطوات تصعيدية أخرى، مما ينذر بتعميق الأزمة في قطاع التعليم وتصاعد حالة الاحتقان الاجتماعي في البلاد.

وفي نهاية المطاف، ستكون قدرة الحكومة على إيجاد حلول مستدامة وعادلة لمطالب المعلمين بمثابة اختبار حقيقي لفاعليتها في إدارة الأزمات والاستجابة لتطلعات مواطنيها.