تأجيل تطوير الريف يعكس عمق التحديات في مصر

تمديد مهلة تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع "حياة كريمة" يعكس التحديات المالية التي تواجهها مصر. ورغم أهمية المشروع الذي يرتبط ارتباطا وثيقا باسم الرئيس عبدالفتاح السيسي، فإن هذا القرار يسلط الضوء على صعوبة الوفاء بالالتزامات التنموية في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة.
القاهرة - عكس قرار الحكومة المصرية بمد مهلة تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع تطوير الريف المعروف بـ”حياة كريمة”، حجم التحديات المادية التي تواجهه، في ظل أزمة اقتصادية تسعى الحكومة لتحجيم تداعياتها على مشروعات تنموية كبرى.
ووافق مجلس الوزراء المصري أخيرا على مد مدة تنفيذ المرحلة الأولى من المبادرة الرئاسية (حياة كريمة) حتى نهاية يونيو المقبل، بعد أن حددت الحكومة انتهاء المرحلة الأولى من المشروع في يونيو الماضي، قبل أن يعلن الناطق باسم مجلس الوزراء محمد الحمصاني قبل أيام أن المرحلة الأولى ستُنجز بنهاية مارس الماضي.
ويشير هذا القرار إلى أن الحكومة ترفض الاستسلام للتحديات الراهنة، وتتمسك بالسير في طريق إنجاز المشروعات التنموية كهدف سياسي، لأن التراخي أو الإخفاق له نتائج سلبية وعدم وجود أفق لحل الأزمة المالية التي تواجه الدولة.
وقد لا يخلو تمسك الحكومة بتنفيذ مشروع “حياة كريمة” من أنه يرتبط باسم الرئيس عبدالفتاح السيسي، باعتباره صاحب الفكرة ولا يرغب رئيس الحكومة أن يوصم بالفشل في المهمة، مع أن المشروع تم إطلاقه عام 2019 لتنمية وتطوير ثلاثة آلاف قرية ريفية وتوافرت له مخصصات مالية ضخمة.
ويهدف المشروع إلى تحسين مستوى المعيشة وجودة الحياة للفئات الأكثر احتياجا في القرى، ويسهم في الارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة للسكان، ويقوم على أن تكون كل قرية مصرية نموذجية، من حيث توصيل مياه الشرب وشبكات الكهرباء والاتصالات والغاز الطبيعي، وإنشاء وتحديث الطرق والمباني.
ولا تتوانى الحكومة عن تصوير مشروع “حياة كريمة” بأنه انعكاس واقعي لاهتمامها بملف حقوق الإنسان، من خلال تحسين جودة حياة الملايين من سكان الريف، وهذا من وجهة نظرها “قمة الإنسانية”، ولا يجب قياس اهتمامها بالحقوق الأساسية بالحريات السياسية، لأنه من المهم توفير حياة كريمة للناس.
وتعتقد دوائر سياسية أن عدم وفاء الحكومة بتعهداتها بشأن إنجاز مشروع رئاسي في الفترة المحددة له، يشير إلى عمق الأزمة التي يحاول بعض المسؤولين في الحكومة إخفاءها، والترويج لقرب تجاوز الأزمة الاقتصادية.
وكان الرئيس السيسي برر في مناسبات سابقة بطء معدلات التنفيذ في بعض المشروعات القومية بالظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة، والتي تلقي بظلالها على الأوضاع في مصر، لكن الحكومة تصر على عدم وجود مشكلة ثم تفاجئ المواطنين بقرارات تعبر عن وجود مشكلات معقدة، ولا تشرح تفاصيلها باستفاضة.
وأكد التوجه نحو مد مهلة تنفيذ مشروع تطوير الريف المصري أن رؤية الكثير من المواطنين والخبراء كانت على صواب عندما طالبوا الحكومة بفتح نقاش حول تخصيص موارد مالية ضخمة للإنفاق على مشروعات عملاقة في ظل أزمة اقتصادية عالمية لها ارتدادات محلية، ومن الصعب الاستمرار في معدلات التنفيذ بنفس الوتيرة.
وأصرت الحكومة على موقفها، متجاهلة إعادة النظر في توجهاتها التنموية وعدم الاكتفاء بما تم تنفيذه وتأجيل استكمال بعض المشروعات إلى حين انتهاء الأزمة الاقتصادية، مقابل تركيز الجهود على مواجهة تحديات أكثر أهمية مثل ارتفاع معدلات التضخم وزيادة مظلة الحماية الاجتماعية، ويمكن العودة إلى تنفيذ المشروعات لاحقا.
وقال أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة الفيوم عبدالحميد زايد إن الشق التنموي المرتبط بالخدمات ضروري، لكنه يحتاج إلى حكمة وقت التحديات الاقتصادية، وتعزيز التوازن بين الحراك التنموي ومظلة الحماية الاجتماعية كي لا يتم توظيف الإخفاق في أي منهما، لإثارة منغصات سياسية في توقيت تتصاعد فيه التحديات.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن حسابات البسطاء تختلف عن سياسات ورؤية الحكومة، وهذا يتطلب النزول إلى مستوى تفكير ومعيشة الناس، وإشراكهم في بعض التصورات الخاصة بواقعهم ومستقبلهم، لأن المواطن الذي يعاني من صعوبات يعنيه أن يرى عوائد على المدى القصير كلما كان يعاني من واقع معيشي صعب.
ويبدو التمسك بتنفيذ مشروعات تنموية عملاقة مثل “حياة كريمة” محاولة لتوصيل رسائل إيجابية إلى الداخل بأن الدولة تقف على أرضية صلبة تؤهلها لتحقيق معدل تنمية معقول مهما كانت طبيعة المعوقات التي تواجهها، وأن الحكومة قادرة على الخروج من هذا النفق، بدليل أنها ماضية في تنفيذ مشروعات ضخمة.
كما أن تجميد مشروع ضخم يرتبط بتحسين حياة الملايين من المصريين في الريف ليس سهلا، ويبعث برسائل قاتمة للشارع، وقد تترتب عليه نتائج سياسية توظفها تيارات مناوئة للسلطة تعمل على تشويه صورتها والإيحاء بإفلاس الدولة، بينما الاستمرار في التنفيذ يرمي إلى التأكيد أن الأوضاع ليست بالسوء الذي يعتقده الخصوم.
ويظل التحدي الأكبر أمام الحكومة أن شريحة كبيرة من المواطنين المستهدفة من مشروع “حياة كريمة” تشعر أنها لم تستفد بشكل كاف من الحراك التنموي، في ظل صعوبات المعيشة حاليا، ويرى البعض في ذلك تكريسا لمعاناتهم واستنزافا لموارد كان يمكن توجيهها إليهم مباشرة، لأن عائد المشروع سوف يظهر على المدى البعيد.
وتدافع بعض الأصوات عن السلطة ومشروعاتها بأن رؤيتها لاستكمال المشروعات التنموية منطقية، لأنها تستهدف تحسين جودة الحياة، ومن الخطأ الاستجابة لدعوات المعارضة وبعض المؤيدين لخطابها بتخصيص مبالغ ضخمة على المأكل والمشرب والخدمات والتغافل عن بناء دولة بالتنمية والعمل دون توقف.
وهناك مشروعات كبرى قادت إلى تحريك عجلة الإنتاج وتوفير خدمات كانت القرى محرومة منها، وساهمت في توفير فرص عمل للآلاف من الشباب بالشركات والمصانع المشاركة في تنفيذها، وهذا ينطبق على قطاعات تنموية متعددة، وليس دور الحكومة أن تجمد التنمية كي توفر متطلبات المعيشة وترحل حل مشكلات أساسية للمستقبل.
وبقطع النظر عن حسن نوايا الحكومة أو تهورها، ثمة مشكلة معقدة لم تنتبه لها بعد، ترتبط بأن الإجراءات الكثيرة التي تُتخذ لتوفير مظلة للحماية الاجتماعية المعقولة لم تؤت ثمارها كما ينبغي، مع وجود أصوات تتمسك بتأجيل استكمال خطط تنموية مقابل تأمين معيشة البسطاء، ما يعكس الفجوة بين الحكومة ومن تريد تحسين أوضاعهم.