كم قنبلة نووية تحتاج الولايات المتحدة لتحقق الردع في العالم

تطور القدرات العسكرية لروسيا والصين يبرز ضرورة تحديث الإستراتيجية النووية الأميركية.
السبت 2025/04/05
الكم أم الكيف؟

في ظل التوترات الدولية المتزايدة، وخاصة مع روسيا والصين، فإن الولايات المتحدة تواجه تحديات كبيرة في الحفاظ على ردع نووي فعال مع تقليل الموارد المستثمرة في الأسلحة النووية. وبينما يعتقد البعض أن الردع النووي يتطلب ترسانة ضخمة من الأسلحة، يرى آخرون أن الإستراتيجية الأميركية يمكن أن تتطور لتصبح أكثر كفاءة وأقل تكلفة.

واشنطن - تواجه الولايات المتحدة تحديات متزايدة في الحفاظ على ردع نووي فعال وسط التوترات العالمية المتصاعدة، خاصة مع تواجد روسيا والصين. ومع تطور القدرات العسكرية لهاتين الدولتين، تبرز ضرورة تحديث الإستراتيجية النووية الأميركية لضمان الأمن القومي. ويعتمد الردع النووي على فكرة أساسية: منع أي خصم من استخدام الأسلحة النووية ضد دولة ما عن طريق تهديده برد نووي مدمر.

وكانت هذه الإستراتيجية سائدة منذ الحرب الباردة، وكانت تتمثل في قدرة الولايات المتحدة على مهاجمة أي دولة نووية تهاجمها باستخدام نفس الأسلحة، وبالتالي ضمان خسائر غير قابلة للتعويض للخصم. ومن هنا يأتي دور الأسلحة النووية كوسيلة للتهديد، وليس للاستخدام الفعلي. ولكن السؤال المطروح هو: هل تحتاج الولايات المتحدة إلى أكثر من 5000 رأس نووي، وهو عدد الرؤوس النووية التي تمتلكها حاليا، لتحقيق هذا الردع؟

ويتساءل المحلل الأميركي هاريسون كاس، وهو كاتب متخصص في الدفاع والأمن الوطني، في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست: هل يمكن للولايات المتحدة تحقيق ردع كاف مع تقليل الموارد المستثمرة في الأسلحة النووية؟ ويجيب: على الأرجح لا. ويشجع القادة السابقون للقيادة الإستراتيجية الأميركية الولايات المتحدة على “إعادة تحديث وإنعاش” قدراتها في الردع النووي.

وجاءت هذه التصريحات، التي وردت خلال ندوة لمعهد ميتشل للدراسات الجوية والفضائية التابع للقوات الجوية الأميركية، ردا على الدعوات المطالبة بتخفيض الترسانة النووية الأميركية، وربما حتى إلغاء أحد أركان الثلاثي النووي المتمثل في البر والبحر والجو. ويعتقد الجنرال المتقاعد في سلاح الجو كيفن شيلتون أن منتقدي الثلاثي النووي أصبحوا متهاونين حيال التهديد النووي الذي تشكله الدول الأخرى.

مع تواجد روسيا والصين تواجه الولايات المتحدة تحديات متزايدة في الحفاظ على ردع نووي فعال
◙ مع تواجد روسيا والصين تواجه الولايات المتحدة تحديات متزايدة في الحفاظ على ردع نووي فعال

وقال شيلتون “نحن ببساطة نتجاهل حقيقة أن هذه الأسلحة مدمرة للغاية وتشكل بالفعل تهديدا وجوديا للبلاد.” وأضاف “أعني بذلك تمزيق الدستور، والعودة إلى مجتمع زراعي، والتخلي عن كل شيء في التاريخ منذ عام 1776.” ويقول المحلل كاس إن شيلتون على صواب، حيث إن الأسلحة النووية تشكل تهديدا وجوديا للولايات المتحدة. ولكن كم عدد الأسلحة، وكم عدد وسائل الإطلاق التي تحتاجها الولايات المتحدة بالفعل لضمان الردع؟

وفي ظل إدراك الانتحار المؤكد في الحرب النووية، لم تقم أي دولة باستخدام سلاح نووي منذ عام 1945، ومن هذه الناحية تعمل تدابير الردع على مستوى العالم. ولكن أين هو الحد الذي يحقق الردع الكافي؟ وبما أن الردع يمكن أن يكون ثنائيا بمعنى ما، إما أن يكون الخصم رادعا أو لا، فإنه قد يكون من الصعب قياس الردع.

ويعتقد حاليا أن الولايات المتحدة تمتلك 5044 رأسا نوويا، ولكن هل هذا هو الرقم السحري؟ لا يمكن لأحد أن يقول على وجه اليقين كم ستكون الولايات المتحدة أكثر عرضة للخطر إذا كان هذا الرقم أربعة آلاف، أو حتى ثلاثة آلاف. وبالطبع، تتعلق العديد من الانتقادات الموجهة إلى الإستراتيجية النووية الأميركية بالموقف والطريقة بدلا من العدد فقط.

ومع ذلك، فإن السؤال الذي يستحق الطرح هو: هل يمكن للولايات المتحدة تحقيق ردع كاف مع استثمار موارد أقل في الأسلحة النووية؟ يقول كاس إنه لا أحد يعرف على وجه اليقين، لكن العديد من الأشخاص الذين كانوا يديرون سابقا ردع الولايات المتحدة النووي يعتقدون أن الإجابة هي لا. وساعد غزو روسيا لأوكرانيا، وزيادة التصعيد الصيني في منطقة المحيطين الهندي والهادئ في التمسك بأهمية الردع النووي.

وقال شيلتون “تخيلوا، في يوم غزو الروس لأوكرانيا، لو كنا قد أزلنا الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، لو سحبنا قواتنا النووية من أوروبا، لو قلصنا عدد الغواصات النووية التي كنا نضعها في البحر، لو خفضنا بشكل أحادي كبير عدد الأسلحة، وهكذا، وهكذا.” وأضاف “لم نكن قد فعلنا أيا من ذلك. وأعتقد أن الولايات المتحدة كانت في وضع أفضل بكثير في ذلك اليوم مما كنا سنكون عليه لو تصرفنا بشكل آخر.”

واقترح الأدميرال المتقاعد في البحرية تشارلز ريتشارد، الرئيس السابق للقيادة الإستراتيجية الأميركية (ستراتكوم)، “أن النزاع يظهر لماذا تحتاج الولايات المتحدة إلى ردع نووي أقوى مما تملكه الآن”، وفقا لما ذكرته مجلة “إير آند سبيس فورسز”. وعلى سبيل المثال، شرح ريتشارد أن سلاح الجو الأميركي يجب أن يضع البعض من أسطول قاذفاته في حالة تأهب، وهو ما لم يحدث منذ نهاية الحرب الباردة.

وبالإضافة إلى عدوانية روسيا، فإن القدرات العسكرية المتزايدة باستمرار للصين تغير الحسابات الجيوسياسية. ووفقا للأدميرال ريتشارد، فإن ظهور الصين يسهل صعود “عالم ثلاثي الأقطاب”، حيث قال إن النظام العالمي ثنائي القطبية أكثر استقرارا من النظام العالمي ثلاثي الأقطاب. وهذا صحيح، وعواقب ذلك على النظام العالمي في القرن الواحد والعشرين مقلقة. ولكن، هل روسيا حقا قطب موازن؟ بالتأكيد ليست اقتصاديا.

وإذا كانت القدرة النووية هي ما يجعلها نظيرا، أليس من الممكن القول الشيء نفسه عن فرنسا وإسرائيل والمملكة المتحدة، مما يؤدي إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب حقا؟ ويخلص كاس إلى أنه ربما تكون هذه النقطة غير ذات أهمية. والنقطة الحقيقية هي أن هناك أسئلة حيوية يجب طرحها قبل المضي قدما، من باب العادة، في زيادة الإنفاق على الردع النووي.

◙ تكنولوجيا الأسلحة النووية تطورت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، مما يفتح الباب أمام إستراتيجية ردع نووي أقل تكلفة

وتطورت تكنولوجيا الأسلحة النووية بشكل كبير في السنوات الأخيرة، مما يفتح الباب أمام إستراتيجية ردع نووي أقل تكلفة. ومن خلال تطوير صواريخ نووية دقيقة، يمكن للولايات المتحدة تحقيق نفس مستوى الردع باستخدام عدد أقل من الرؤوس النووية. وكذلك، قد يؤدي التركيز على الأنظمة الدفاعية مثل الدرع الصاروخي المتقدم إلى الحد من الحاجة إلى أسلحة نووية متعددة.

لكن تظل المشكلة في أن الردع النووي ليس فقط عن عدد الأسلحة، بل عن “الثقة” في القدرة على استخدام هذه الأسلحة إذا لزم الأمر. ففي وقت الأزمات، يمكن أن تكون الثقة في الرد السريع والمدمر أكثر أهمية من مجرد عدد الأسلحة التي تمتلكها الدولة. والإجابة عن سؤال “كم قنبلة نووية تحتاج الولايات المتحدة لتحقيق الردع في العالم؟” ليست بالبساطة التي قد تبدو عليها. فبالرغم من أهمية وجود ترسانة نووية كبيرة لضمان الردع، فإن فعالية هذه الأسلحة ليست محكومة بالعدد فقط، بل بالطريقة التي يتم بها استخدامها وإستراتيجيات الردع المحدثة.

وفي عالم تتغير فيه التهديدات باستمرار، قد يكون التقليل من الأسلحة النووية مع تحديث التقنيات أسلوبا أكثر فعالية من مجرد الحفاظ على ترسانة ضخمة. ويمكن للحلفاء النوويين مثل المملكة المتحدة وفرنسا، إضافة إلى دول أخرى مثل إسرائيل والهند، أن يشكلوا عنصرا أساسيا في تعزيز إستراتيجية الردع النووي الأميركية. فوجود دول تمتلك قدرات نووية قد يساهم في توجيه رسائل ردع أقوى إلى الدول المعادية.

وفي هذا السياق، كان التحالف النووي بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا جزءا من الردع خلال الحرب الباردة وما بعدها، ويُعتبر نموذجا للاستفادة من القوة النووية المشتركة لتحقيق التوازن الإستراتيجي. وإضافة إلى ذلك، يمكن أن تعزز الولايات المتحدة من قوتها الردعية من خلال التعاون مع الحلفاء العسكريين مثل اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا في منطقة المحيط الهادئ، حيث يتم تنسيق الإستراتيجيات العسكرية، بما في ذلك الردع النووي.

ويمكن أن يشكل هذا التعاون جبهة قوية ضد التهديدات الصادرة من الصين وكوريا الشمالية، مما يتيح للولايات المتحدة استعراض قوتها بطريقة أكثر تكاملا دون الحاجة إلى توسيع حجم ترسانتها النووية. وفي المقابل قد يكون التعاون بين الأنظمة الدفاعية النووية والأنظمة التقليدية عنصرا محوريا في تقليل الاعتماد على الأسلحة النووية بكميات ضخمة.

ففي الوقت الذي تبني فيه الولايات المتحدة إستراتيجيات دفاعية جديدة مثل أنظمة الدفاع الصاروخي المتطورة، يمكن أن تشارك الحلفاء في تطوير تقنيات مثل الدفاع ضد الصواريخ الباليستية. ومن شأن هذا التكامل بين الدفاعات التقليدية والنووية أن يخفف من الحاجة إلى زيادة الترسانة النووية مع الحفاظ على القدرة على الردع الفعّال.

6