سوريون عائدون إلى داريا بمشاعر مختلطة

ذكريات التهجير تعود مع نازحين يأملون في الاستقرار بسوريا.
الخميس 2025/04/03
نافذة على الدمار

بعد سنوات من النزوح والتهجير، يعود العديد من السوريين إلى ديارهم يحدوهم الأمل في إعادة بناء حياتهم على أرضهم، ويحمل آخرون ذكريات التهجير الصعبة التي عاشوها، والآلام التي مروا بها خلال سنوات النزوح الطويلة في دول مجاورة عاشوا فيها مصاعب الحياة.

دمشق - عندما سمعت مريم عبور برحيل بشار الأسد، انهمرت دموع الفرح، ولكن مشاعرها كانت متضاربة مع اقتراب موعد عودتها من لبنان إلى سوريا التي هربت منها قبل سنوات.

كانت سعيدة بالعودة إلى الوطن، لكنها حزينة لتركها ابنها وابن زوجته في لبنان للعمل وسداد ديون العائلة.

وتوفي والد عبور في سوريا قبل أشهر من عودتها، دون أن تتمكن من رؤيته. وقالت إن منزلها دُمّر، ولم يكن بحوزتها مال لإعادة بنائه.

وكان الشهر المنقضي أول رمضان تقضيه منذ عودتها، وعاشت خلاله مزيجا من المرارة والحلاوة. وقالت “خسرنا جميعا أحبائنا، وما زلنا نبكي من جراء المآسي التي عانيناها حتى بعد عودتنا”.

ويحتفل العديد من العائدين مؤخرا بنهاية حكم عائلة الأسد خلال أول رمضان لهم في سوريا بعد سنوات قضوها في الخارج. ويتذوق السوريون طعم حرياتهم المكتشفة حديثا ويستعيدون بقايا حياتهم الماضية.

ويُضفي لمّ شمل العائلات البهجة، لكن الكثيرين يُكافحون أيضا للتأقلم ومواجهة مرحلة انتقالية مُعقّدة في بلد دمّرته حرب طويلة. ويحزنون نتيجة للخسائر الشخصية والجماعية: أحباءٌ قتلوا أو ما زالوا مفقودين ويزداد الشعور بغيابهم عمقا خلال شهر رمضان، منازل دُمِّرت أو لحقت بها أضرار بالغة، تجمعات عائلية مزقها نزوح الملايين. وعادة ما يكون رمضان، حافلا بالتجمعات العائلية على الطعام والشراب.

وكانت مريم عبور، واحدة من أكثر من 370 ألف سوريّ تفيد مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بأنهم عادوا منذ الإطاحة بالأسد. وهي تفرح بسماع الأذان في المساجد الذي يعلن انتهاء صيامها اليومي. ولم تكن المساجد قريبة منها في حيّها اللبناني، حيث قالت إن أصعب ما في الأمر هو تناول الإفطار دون أحبائها، بمن فيهم والدها وابنها الذي قُتل قبل أن تتمكن العائلة من الهروب من سوريا.

وتذكرت ابنها بحزن. وقالت إنه كان في العاشرة من عمره تقريبا عندما قُتل. كان الطفل يستمتع بطبق الأرز والبازلاء في الإفطار، ويساعدها بنشاط في حمل الأطباق من المطبخ.

وقالت وهي تجلس على أرضية منزل أهل زوجها، الذي تشترك فيه عائلتها الآن مع أقارب، “كنت أقول له إنه لا يزال صغير جدا. لكنه كان يُصرّ على مساعدتي”.

جل السوريين العائدين إلى بلادهم وجدوا منازلهم مدمرة بعد أن وصلوا من دول مجاورة مثل لبنان والأردن وتركيا
جل السوريين العائدين إلى بلادهم وجدوا منازلهم مدمرة بعد أن وصلوا من دول مجاورة مثل لبنان والأردن وتركيا

وقال زوجها، فرج المشاش، إنه عاطل عن العمل حاليا، وتتراكم عليه الديون خلال رعايته لوالده المريض.

لقد اقترضت العائلة لإصلاح منزل والد الزوج في داريا الذي بقي بناؤه سليما رغم تعرضه للتخريب والسرقة. ولم تنجُ العديد من منازل داريا التي أصبحت مركزا للثورة ضد الأسد بفضل موقعها في ريف دمشق.وأحيا السوريون في رمضان هذا العام ذكرى مرور 14 عاما على اندلاع الحرب الأهلية.

ويتجوّل الأطفال وغيرهم الآن في الشوارع بين المباني المهترئة ذات الثقوب العميقة في جدرانها. وتُظهر بعض المناطق علامات الحياة من خلال حبال الغسيل أو خزانات المياه ذات الألوان الزاهية المنتصبة بين الأنقاض المتفحمة.

ولا يزال المشاش يعتبرها موطنه، وقال “داريا مدمرة، أليس كذلك؟ لكنها جنة بالنسبة إليّ. لكن هناك حزن. لا يكتمل جمال المكان إلا بأهله. يمكن ترميم الهياكل، لكن من رحل فلن يعود”.

وواجه المشاش ضائقة مالية في لبنان، وكان يتوق للعودة إلى داريا وجيرانه المألوفين الذين كان يراهم في أزقتها. ورجع إليها بعد رحيل الأسد بفترة وجيزة. وأعاد إحياء عاداته في رمضان، فنظم لقاءات للإفطار ولبّى دعوات أخرى وأدى صلواته في مسجد مليء بالذكريات الجميلة.

ووجد بعض العائدين منازلهم مدمرة أو غير صالحة للسكن. ويعيش بعضهم في مجمع سكني سابق لضباط الجيش في عهد الأسد، وقد أُعيد استخدامه الآن ليُؤوي العائلات النازحة العائدة إلى ديارها.

وصرحت المتحدثة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، سيلين شميت، بأن جل السوريين العائدين وصلوا من دول مجاورة مثل لبنان والأردن وتركيا بعد سقوط الأسد.

وأوضحت أن الذخائر غير المنفجرة تُشكل مخاطر أمنية جسيمة. وتقدم المفوضية ورش عمل حول السلامة من الألغام، ومساعدة قانونية لتلبية احتياجات التوثيق، إضافة إلى خدمات نقل مجانية من الأردن وتركيا للبعض.

ويواجه العائدون (وهم جزء صغير من اللاجئين) عقبات هائلة تشمل فرص العمل، والخدمات الأساسية، وإعادة الإعمار. ويحتاج الكثيرون إلى منح لبدء أعمالهم التجارية أو إعادة بناء منازلهم، مع تأكيد شميت على ضرورة زيادة التمويل.

وقالت شميت “نناشد جميع المانحين. هذه فرصتنا لمعالجة أزمة نزوح عالمية كبرى حيث يريد الناس العودة إلى ديارهم”.

وأشارت إلى أن الصعوبات الاقتصادية والظروف المزرية في سوريا تُبقي الكثيرين في الخارج.

وأكد مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي في يناير أن العودة المستدامة تتطلب تحسين مستويات المعيشة في سوريا.

وفرت أمية موسى، وهي من أهالي داريا، إلى لبنان في 2013. وعادت مؤخرا مع أربعة أطفال، لم يعرف اثنان منهم سوريا قط.

من التهجير إلى العودة
من التهجير إلى العودة

وروت موسى، البالغة من العمر 38 عاما، فرارها من منطقة خطرة وهي حامل، وقد غمرها الخوف، حاملة ابنتها بين ذراعيها وممسكة بيد زوجها. ولا تزال الذكريات المؤلمة تطاردها.

وقالت، “كنت أتذكر أحداثا كثيرة لدرجة أنني كنت أعجز عن النوم. كلما أغمضت عيني، كنت أصرخ وأبكي وأعاني من الكوابيس”.

ومكثت لفترة في مخيم بلبنان، حيث شاركت مطبخها وحمامها مع آخرين. وأضافت “شعرنا بالإهانة حينها… لكن الوضع كان أفضل من الخوف الذي عانيناه”.

وكانت تحن إلى التجمعات العائلية الرمضانية التقليدية. وجمعها أول إفطار هذا العام بأقاربها، بمن فيهم إخوة انضموا إلى القوات المناهضة للأسد في إدلب التي كانت آنذاك تحت سيطرة المعارضة. وبرز غياب والدها الذي توفي بينما كانت هي خارج سوريا.

ومثل موسى، يتفهم سعيد كامل الفرحة الناقصة بعد العودة إلى الوطن. وتمكّن في رمضان من زيارة قبر والدته التي توفيت أثناء وجوده في لبنان. وصرّح وهو يمسح دموعه “أخبرتها أننا عدنا، لكننا لم نجدها”.

وظل مصير شقيقه المفقود (الذي اقتيد إلى سجون الأسد) مجهولا رغم الآمال بأن سقوط النظام سيحمل معه إجابات.

وأقسم كامل ألا يعود أبدا في ظل حكم الأسد، بعد أن شعر بالغربة في وطنه. وكان منزله المنهوب متضررا. لكنه ظل متمسكا بإيمانه رغم كل الصعوبات، وقال”سيعيش الجيل القادم بكرامة، إن شاء الله”.

وتذكر بحنين رمضان ما قبل الحرب الذي كان يقضيه في زيارة الجيران على الإفطار.

وكان سكان الحي يرسلون لبعضهم أطباق الإفطار، حيث قال “ليس رمضان كما هو دون التجمعات العائلية. بالكاد نستطيع تدبير أمورنا الآن”.

ولم يعد يحس بروح رمضان كما كان في الماضي. وأضاف “الأمر الإيجابي هو أن رمضان قد حل علينا ونحن أحرار”.

16