جيل جديد يقود الاحتجاجات في تركيا أملا في التغيير

احتشاد الشباب قد يمثل بداية جديدة لمستقبل سياسي مختلف يعكس تطلعاتهم.
الأربعاء 2025/04/02
بوادر تحول في المشهد السياسي

يشير التصعيد السياسي في تركيا إلى مرحلة جديدة من الاحتجاجات التي يقودها جيل من الشباب، يختلف عن الأجيال السابقة في طريقة تفكيره وأهدافه. هذا الجيل الذي نشأ في ظل حكم الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي يسعى لتوطيد سلطته، يرفض الإبقاء على الوضع القائم.

إسطنبول - في مشهد سياسي جديد يعكس التحولات العميقة التي تشهدها تركيا، يتصدر جيل جديد من الشباب الاحتجاجات الواسعة التي تعم البلاد ضد حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان.

ويطالب هذا الجيل الذي نشأ في ظل نظام سياسي مهيمن، اليوم بالتغيير، مشيرا إلى أن قيم الديمقراطية والحرية التي يؤمن بها أصبحت مهددة.

وتصاعدت الاحتجاجات بعد اعتقال أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول، بتهم فساد، مما دفع الشباب إلى أن يكونوا المحرك الرئيسي لهذه الحركات الاحتجاجية، مطالبين بتغيير جذري في النظام.

وتعكس الاحتجاجات التي انطلقت عقب اعتقال إمام أوغلو مشاعر الاستياء والغضب التي يعاني منها هذا الجيل، والذي يعبر عن قلقه من استمرار الحكم الفردي الذي يراه عاملا رئيسيا في تدهور الوضع السياسي والاقتصادي في البلاد.

الشباب يرفضون التعاملات السياسية التي تشوبها اتهامات بالفساد، ويطالبون بحكومة تحترم إرادة الشعب وحقوقه الأساسية
الشباب يرفضون التعاملات السياسية التي تشوبها اتهامات بالفساد، ويطالبون بحكومة تحترم إرادة الشعب وحقوقه الأساسية

وعلى عكس الأجيال السابقة التي خاضت تجارب مريرة من القمع، مثلما حدث في احتجاجات حديقة غيزي عام 2013، يتمسك الشباب اليوم بالعزيمة والإصرار على إحداث التغيير، وذلك رغم المخاطر التي يواجهونها في مواجهة الشرطة.

ويرفض هذا الجيل العيش تحت ظل “السلطة الدائمة” التي تمنعه من تحقيق تطلعاته، كما يؤكد يزن، الطالب في جامعة الشرق الأوسط التقنية، بقوله “نحن نريد ديمقراطية حقيقية، لا نريد نظاما يحكمه فرد واحد إلى الأبد.”

ورغم أن الاحتجاجات كانت سلمية في معظمها، فإن السلطات الأمنية في تركيا لم تتوان عن استخدام القوة لتفريق المتظاهرين، ما أسفر عن اعتقال أكثر من ألفي شخص في الأيام التي تلت الاحتجاجات.

ورغم ذلك، يظهر الجيل الشاب تمسكا قويا. ويشير الباحث السياسي يوسف ألباي إلى أن الشباب في تركيا لا يقتصرون في احتجاجاتهم على القضايا المحلية، بل يتجاوزونها إلى المطالبة بنظام سياسي يعبر عن تطلعاتهم نحو المستقبل.

وكان أكرم إمام أوغلو، الذي يعد من أبرز الشخصيات المعارضة في تركيا، يشكل تحديا كبيرا للنظام الحاكم، وهو ما جعل اعتقاله، حسب محللين، خطوة سياسية تهدف إلى القضاء على أي تهديد انتخابي قد يشكله.

وبحسب التقرير الصادر عن مؤسسة الديمقراطية وحقوق الإنسان، فإن هذا النوع من الاعتقالات يهدف إلى إخماد أي حركة معارضة، وهو ما دفع الكثير من الشباب إلى الانخراط في الاحتجاجات.

وهؤلاء الشباب يرفضون التعاملات السياسية التي تشوبها اتهامات بالفساد، ويطالبون بحكومة تحترم إرادة الشعب وحقوقه الأساسية.

ويقول مراقبون إن إحدى الخصائص البارزة لهذا الجيل هي اهتمامه الشديد بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهو ما يجعل الاحتجاجات التي يقودها الشباب ليست مجرد تعبير عن استياء من الوضع السياسي الحالي، بل أيضا عن رغبة عميقة في تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية.

مطالب التغيير ليست سياسية فقط بل تتعلق أيضا بالقيم الاجتماعية التي يتطلع الشباب إلى تحقيقها مثل العدالة والمساواة

كما أنهم يرفضون السياسات التي تنتهجها الحكومة في قمع المعارضة وتقييد الحريات الصحفية، وهو ما يعكسه موقفهم من تزايد التضييق على وسائل الإعلام المستقلة في تركيا.

ويوضح الدكتور أحمد أوز، أستاذ العلوم السياسية في جامعة أنقرة، أن “الشباب اليوم يرفضون العيش في ظل استبداد سياسي ويطالبون بحريات واسعة تتيح لهم التعبير عن آرائهم بحرية.”

ولا يقتصر احتجاج هذا الجيل على رفض سياسات أردوغان فقط، بل يعبّر أيضا عن رغبتهم في بناء نظام سياسي يعكس تطلعاتهم نحو الحرية والمساواة، بعيدا عن الهيمنة الحزبية والتسلط.

ورغم القمع الأمني الذي يواجهونه، إلا أن هذه الحركة الاحتجاجية تُعد بمثابة اختبار حقيقي لإرادة هذا الجيل في السعي للتغيير.

وأشار تقرير مؤسسة الديمقراطية وحقوق الإنسان إلى أن الشباب في تركيا أصبحوا أكثر وعيا سياسيا وتنظيميا، حيث تمكنوا من استخدام التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل فعال لتنظيم الحركات الاحتجاجية وإيصال رسائلهم إلى الرأي العام العالمي.

وإلى جانب الشباب، تتزايد دعم الأحزاب السياسية المعارضة لهذه الاحتجاجات، وفي مقدمتها حزب الشعب الجمهوري، الذي يعد من أبرز القوى السياسية المعارضة في تركيا.

ويدعم هذا الحزب مطالب الشباب ويعبّر عن استيائه من تدهور الديمقراطية والحريات في ظل حكم أردوغان. وقد أثار دعم هذه الأحزاب المزيد من التأييد للاحتجاجات في أوساط الشعب التركي، مما يزيد الضغط على الحكومة.

Thumbnail

وتتابع القوى الغربية، ومنظمات حقوق الإنسان الوضع عن كثب، مما يساهم في تعزيز الضغوط الدولية على الحكومة التركية.

وهناك قلق مستمر من تراجع الحريات السياسية وحقوق الإنسان في تركيا، وهو ما دفع العديد من الدول الغربية إلى التعبير عن دعمها لحركات الشباب التركية في سعيها لتحقيق الديمقراطية.

ومن المتوقع أن يتزايد الضغط على الحكومة التركية من الداخل والخارج، حيث تظهر الاحتجاجات أن الجيل الشاب في تركيا يسعى لتحقيق تغيير جذري في النظام السياسي القائم.

ويقول محللون إن هذا التغيير ليس فقط على صعيد السياسة الداخلية، بل يتعلق أيضا بالقيم الاجتماعية التي يتطلع الشباب إلى تحقيقها، مثل المساواة والعدالة الاجتماعية.

ورغم القمع والاعتقالات، فإن الشباب في تركيا يواصلون تحدي النظام، متسلحين بوعي سياسي عميق وأدوات تنظيمية فعالة عبر الإنترنت.

ويشير المحللون إلى أنه رغم التحديات التي يواجهها، فإن احتشاد الشباب في هذه الاحتجاجات ربما يمثل بداية جديدة لمستقبل سياسي مختلف، يعكس تطلعاتهم.

6