إدارة انتقالية في أوكرانيا: خطوة روسية نحو التسوية أم مناورة

موسكو - في خطوة مفاجئة، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الجمعة عن اقتراحه تشكيل “إدارة انتقالية” في أوكرانيا تحت رعاية الأمم المتحدة، مشترطا رحيل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي كشرط للمضي قدما في مفاوضات السلام.
ويثير هذا الاقتراح تساؤلات عديدة عما إذا كان يمثل خطوة حقيقية نحو إنهاء الحرب أم أنه مجرد مناورة سياسية تهدف إلى تحسين موقف موسكو في المفاوضات.
ويرى محللون أن هذا الطرح الروسي يشكل مناورة دبلوماسية تهدف إلى تحويل مجرى المفاوضات لصالح موسكو.
ومنذ بداية النزاع في فبراير 2022، ركزت روسيا على فرض شروط سلام تشمل التنازل عن أراض أوكرانية ووقف مساعي كييف للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وتكشف هذه الشروط التي ترفضها أوكرانيا والدول الغربية، أن موسكو لم تتخل عن أهدافها الإستراتيجية، بل تسعى لاستغلال الدبلوماسية لتحقيق مكاسب جديدة.
ولم تكن فكرة تغيير القيادة الأوكرانية مقترحا جديدا من موسكو وحدها. فقد تردد أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد طرحت أيضا فكرة تغيير الرئيس الأوكراني في وقت سابق.
بوتين يهدف إلى الضغط على أوكرانيا لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية، مع محاولة تقديم نفسه كمفاوض جاد
ويعتقد أندرو بوبوفيتش، الخبير في الشؤون الروسية بمعهد الدراسات الأوروبية في واشنطن، أن “مقترحات بوتين حول إدارة انتقالية ليست سوى محاولة لتقديم نفسه كمفاوض جاد، بينما في الواقع، يسعى لتحقيق أهدافه السياسية والعسكرية من خلال الضغط على أوكرانيا وداعميها الدوليين.”
وبالرغم من الشكل الدبلوماسي لهذه المبادرة، فإنها قد تكون محاولة من روسيا للاستمرار في استخدام الحرب كأداة لتحقيق أهدافها الإستراتيجية بدلا من أن تكون خطوة حقيقية نحو السلام.
ويعد اقتراح “الإدارة الانتقالية” محاولة جديدة لفتح قنوات تفاوضية، لكن الشروط التي يتضمنها، وخاصة تلك المتعلقة بتنحي زيلينسكي، تجعل من الصعب أن يكون هذا الطرح بمثابة خطوة جادة نحو إنهاء النزاع.
ويرى ديفيد هاريس، الباحث في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، أن “أي مقترحات لحل النزاع يجب أن تعترف بسيادة أوكرانيا وتحترم الحدود الدولية، وهو ما ترفضه روسيا بشكل قاطع.”
ويضيف هاريس أن “روسيا تحاول تصدير فكرة استعدادها للسلام، ولكن مواقفها بشأن الأراضي والانضمام إلى الناتو تظل غير قابلة للتفاوض.”
وخلال زيارته لمدينة مورمانسك الروسية، أشار بوتين إلى إمكانية تشكيل إدارة انتقالية في أوكرانيا بمساعدة الأمم المتحدة. وأوضح أن هذه الإدارة ستقوم بتنظيم انتخابات رئاسية ديمقراطية تؤدي إلى تشكيل حكومة جديدة تحظى بثقة الشعب الأوكراني، تمهيدا للمفاوضات حول اتفاق سلام. لكن ما يثير الشكوك حول جدية هذا الطرح هو شرط رحيل زيلينسكي، وهو ما يعكس إصرار موسكو على تغيير القيادة الأوكرانية كشرط للتوصل إلى تسوية.
وتصر موسكو على أن زيلينسكي فقد شرعيته بعد انتهاء ولايته القانونية في 2024، وهو ما تعتبره كييف مجرد ذريعة لتكثيف الضغط العسكري والسياسي على أوكرانيا.
وفي الوقت الذي تسعى فيه روسيا لتقديم “إدارة انتقالية” كحل وسط، تواصل كييف رفض أي مفاوضات تشمل شروطا تمس سيادتها أو تغيّر قيادتها.
واعتبر الرئيس الأوكراني اقتراح بوتين تغيير القيادة الأوكرانية “إشارة خطيرة”، محذرا من أن أي تنازل عن السلطة تحت هذه الضغوط قد يهدد الاستقرار السياسي في أوكرانيا.
وترفض الدول الغربية أي تنازلات لروسيا، بما في ذلك رفع العقوبات المفروضة عليها. وفي القمة الأوروبية الأخيرة في باريس، أعلن حلفاء كييف عن دعمهم المستمر لأوكرانيا، مشددين على أن أي محاولة لتغيير القيادة الأوكرانية ستكون غير مقبولة.
منذ بداية النزاع في فبراير 2022، ركزت روسيا على فرض شروط سلام تشمل التنازل عن أراض أوكرانية ووقف مساعي كييف للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن “الجيش الأوكراني سيظل الضمان الأمني الرئيسي لكييف”، مؤكدا أن تغيير القيادة في أوكرانيا لا يمكن أن يكون جزءا من أي تسوية.
وفي الوقت نفسه، تبذل الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون جهودا دبلوماسية لدعم كييف في مواجهة العدوان الروسي.
وقد أعلن الرئيس الفرنسي عن زيارة وفد فرنسي – بريطاني إلى أوكرانيا في الأيام المقبلة لتنسيق الخطط الخاصة بتدريب الجيش الأوكراني، مع التأكيد على ضمان “أمن أوكرانيا المستدام”.
وعلى الرغم من التصريحات الدبلوماسية، فإن الاشتباكات العسكرية بين القوات الروسية والأوكرانية مستمرة، لاسيما في شرق أوكرانيا حيث تواصل روسيا محاولاتها لتحقيق تقدم بطيء رغم الخسائر الكبيرة في صفوف جيشها.
كما استمرت أوكرانيا في استهداف المنشآت الروسية، بما في ذلك الهجوم الذي وقع على محطة “سودجا” في منطقة كورسك الروسية، مما تسبب في أضرار كبيرة في البنية التحتية للطاقة.
وأما بشأن الهدنة في البحر الأسود، التي تم الإعلان عنها بوساطة أميركية، فهي تظل مشروطة برفع القيود الغربية المفروضة على صادرات الحبوب والأسمدة الروسية، ما يعكس سعي موسكو لتحقيق مكاسب اقتصادية متوازية مع النزاع العسكري.
ورغم الضغوط العسكرية المستمرة، تظل فرص الوصول إلى تسوية سلمية بعيدة، إذ لا تظهر أي مؤشرات حقيقية على قرب نهاية النزاع، في ظل استمرار القتال على الأرض وتعقيد المواقف السياسية.