صناعة البشت في أيدي الأجيال السعودية الناشئة

البشت يتميز بألوانه المختلفة مثل الرمادي والأسود والبني والرملي ويعكس الهيبة والمكانة الاجتماعية لمرتديه.
السبت 2025/03/29
حرفة لا تموت

يسعى صانعو بشوت سعوديون رغم التحديات إلى نقل مهاراتهم في صناعة البشت، مثل اختيار الأقمشة الفاخرة، والتطريز اليدوي، والخياطة الدقيقة، إلى الأجيال القادمة، ليظل هذا الفن جزءا من الهوية الثقافية السعودية.

الهفوف (السعودية) - يراقب السعودي حبيب محمد في مشغله حفيديه الصغيرين وهما يطرّزان يدويا أجزاء من بشت أسود اللون، آملا في أن يرثا يوما هذه الحرفة اليدوية الدقيقة المهدّدة بالاندثار. والبشت عبارة عن عباءة يرتديها الرجال في دول الخليج ليس لها كمّان، ولكن لها فتحتان من أجل إخراج اليدين، ويعدّ جزءا مهما من الهوية الثقافية في الخليج.

واشتهر البشت عالميا عقب نهائي كأس العالم لكرة القدم 2022 بعدما قام أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بإلباس قائد منتخب الأرجنتين ليونيل ميسي البشت قبيل رفعه كأس العالم إثر الفوز على فرنسا. ولعقود طويلة، كان البشت يحاك يدويا في عملية تستمر نحو أسبوع، وهو ثمرة سبع مراحل يقوم خلالها خياطون متخصصون بتطريز الياقة والذراعين بخيوط ذهبية، لكنّ دخول المكننة هدّد بإحالة هذه الحرفة إلى أدراج التاريخ.

ووُلد محمد البالغ الآن 60 عاما في مشغل للبشت يملكه والده في مدينة الهفوف في محافظة الأحساء في شرق السعودية. ومنذ أتمّ الخامسة من عمره، انغمس في الحرفة التي يقول إنها تشكّل "كل حياتي." في متجره الصغير في قلعة الحرفيين بالمدينة، يقول "ولدتُ في مجلس خياطة، أفقت على الدنيا وأنا أرى والدتي تخيط، وأنا أرى إخواني وأولاد العم عند الوالد في مجلس الخياطة."

ويتابع الرجل الذي ارتدى ثوبا أبيض اللون وغترة حمراء، "منذ سن الثلاث أو الأربع سنوات أرى البشوت فقط." وتمحورت حياته حول البشت حتى أنه تزوج قريبة له ماهرة في تطريز ياقة البشت.

لكنّ هذه الحرفة التي كانت تتمتع بمكانة كبيرة وجعلته يحيك البشوت لكبار الأمراء من العائلة الحاكمة، تعرضت لضربة كبيرة مع دخول الماكينات إلى الصناعة وإغراق السوق بالمنتجات الصينية الرخيصة. ويقول بحسرة "سادت حالة كساد.. القطعة التي كنت أنفّذها بـ1500 ريال (400 دولار) عُرض عليّ أن أنفذها بـ150 ريالا (40 دولارا)."

◙ البشت اشتهر عالميا عقب نهائي كأس العالم 2022 بعدما قام أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بإلباس قائد منتخب الأرجنتين ليونيل ميسي البشت
◙ البشت اشتهر عالميا عقب نهائي كأس العالم 2022 بعدما قام أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بإلباس قائد منتخب الأرجنتين ليونيل ميسي البشت

وكانت أسعار البشوت تتراوح بين 1500 ريال إلى 6 آلاف ريال (1600 دولار) حسب الخامة المستخدمة، لكن باتت تباع الآن نسخ مصنوعة آليا بنحو 100 ريال فقط (نحو 27 دولارا).

وأدّى تراجع المكاسب إلى رفض ابنه الوحيد العمل في حياكة البشوت، لكنّ محمد لم يفقد الأمل في توريث حرفته "للمحافظة على التراث." ويقول وهو يدقّ بمطرقة على التطريز المُذهب لتنعيمه “الآن أنا أعلّم أحفادي البنات والأولاد.. بدأنا في التعليم هنا في المحل وفي البيت." إلى جانبه، تحيك حفيدته فجر (10 سنوات) وحفيده غسان (9 سنوات) عباءتين صغيرتين.

ويتميز البشت بألوانه المختلفة مثل الرمادي والأسود والبني والرملي (البيج) وهو يعكس الهيبة والمكانة الاجتماعية لمرتديه. والعام الماضي، ألزمت الحكومة السعودية مسؤوليها الكبار بمن فيهم الوزراء بلبس البشت أثناء الدخول إلى مقرات العمل والخروج منها وأثناء حضور مناسبات رسمية. ويقول محمد "قديما في الأحساء، كان من المعيب أن يخرج الرجل إلى العزاء أو السوق أو زيارة أيّ شخص في أيّ مكان دون ارتداء البشت." كما كان الأطفال يرتدونه في الأعياد.

وعلى جدران محله، عُلّقت بشوت تبدو قديمة للغاية، ويقول محمد إنّ بعضها يرجع إلى 100 سنة وأكثر، وقد ورثها من أجداده. وفيما يمسك ببشت بني اللون من صوف الغنم، يقول بفخر “هذا عُرض عليّ فيه 200 ألف ريال (53 ألف دولار)، أنا أرفض بيعه لأنه يمثّل الحياة بالنسبة إليّ، يمثّل تاريخ البلد”. ويتابع بلهجة حازمة “سأورثها لأولادي وأحفادي وأوصيهم ألا يبيعوها نهائيا”.

وفي محاولة للحفاظ على هذا الموروث المهم، تسعى دول مجلس التعاون الخليجي لإدراج البشت بوصفه أحد عناصر التراث الثقافي غير المادي ضمن قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو). وقرّرت السعودية تسمية عام 2025 بعام الحرف اليدوية، وأدرجت 10 حرف من بينها صناعة البشوت على لائحة حرف مميزة لدعمها.

وأفادت وزارة الثقافة في بيان لها أنّ المبادرة تهدف إلى “توفير المزيد من البرامج الداعمة للتدريب والتطوير ولدمج الأجيال الشابة مع الحرفيين الخبراء المزاولين للمهنة”. وبالفعل، يقدّم محمد دروسا أسبوعية في معهد محلي لتعليم حياكة البشوت للأجيال الشابة. ويقول بعزم "نحن لم نستسلم وبدأنا نشتغل. الآن ندرّب حتى يعود الموروث القديم الذي كاد يندثر،" مؤكدا "سنرجع مرة ثانية."

18