جيل بيتا يعمل بوظائف غير معروفة اليوم

برلين - يبدو أن علماء الاجتماع مغرمون بإطلاق أسماء غريبة على الأجيال الحديثة المتعاقبة، في البداية كان هناك جيل يسمى البومرز أي طفرة المواليد، ثم ظهر جيل إكس الذي يتسم بالنزعة الاستقلالية، وأعقبه الجيل واي أو الألفية، ثم زد الذي شب مع الإنترنت، وبعده جيل ألفا الذي ولد في أوائل القرن الحادي والعشرين.
وظهرت الآن مجموعة جديدة من المواليد في عام 2025، أطلق عليها اسم الجيل بيتا. وهذا الجيل الذي من المتوقع أن تستمر تسميته من عام 2025 حتى علم 2040، لكن ما مدى أهمية هذه الأسماء، وماذا تخبرنا حقيقة عن الشرائح العمرية التي تمثلها؟
ويقول الباحث في مجال الأجيال روديجر ماس وهو مؤلف كتاب “صراع الأجيال”، “إنهم أكثر من مجرد فئة علمية شائعة من الناحية العلمية”، بينما يقول عالم الاجتماع كلاوس هيرلمان “أصبحت هذه التصنيفات شائعة جدا في التسويق والإعلان، وأيضا في مجال العلوم.”
أولئك الذين يوصفون بأنهم ينتمون إلى جيل بيتا، سيرتبطون بالأنشطة الرقمية بدرجة أكبر، والأهم من ذلك أنهم سيتأثرون بدرجة أكبر بالذكاء الاصطناعي
ويلاحظ أنه يظهر جيل جديد على الساحة كل 15 عاما تقريبا، جيل طفرة المواليد كثيري العدد الواثقين من أنفسهم، أولئك الذين ولدوا بعد الحرب العالمية الثانية حتى عام 1964، تبعهم الجيل إكس الذي يمثل الأشخاص الذين ولدوا خلال الفترة من عام 1965 إلى عام 1979.
ثم ظهر الجيل واي المعروف أيضا باسم جيل الألفية، ويمثل الذين ولدوا خلال الفترة من 1980 حتى 1994، أو الذي ينظر إليه أحيانا على أنه يمثل الأشخاص الذين ولدوا حتى نهاية التسعينات.
وأولئك هم أول جيل لم يمر بتجربة الصراع بين الشرق والغرب خلال أعوام تكوينهم الشبابي، لكنهم عانوا من هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 الإرهابية والأزمة المالية العالمية.
وأولئك الذين ولدوا بين العام 1995 وعام 2010، ينتمون إلى الجيل زد وهو مجموعة يتم تصويرها غالبا على أنها تتمتع بأخلاقيات عمل سيئة، ومع ذلك ذكرت تقارير أن نهج العمل لدى هذا الجيل شكلته القيم التي تكونت لديهم، وما لديهم من أولويات ورغبات في تحقيق التوازن بين مهام العمل والاستمتاع بالحياة.
وقد تكون التصورات التي تكونت حيالهم بأنهم “كسالى”، ترجع في الحقيقة إلى سوء فهم الفوارق بين الأجيال بأكثر مما هو حادث على أرض الواقع. وهذه التصنيفات بالطبع متعسفة إلى حد ما، فالأطفال الذين ولدوا في بداية العام الحالي لا يختلفون عن أقرانهم الذين ولدوا في نهاية 2024.
ويرى ماس أن “المسألة أشبه بعلامات الأبراج”، ويقول إنه بكلمات أخرى يضع بعض الأشخاص معاني لها بينما لا يعيرها البعض الآخر التفاتا.
ولا جدال في أنه توجد اختلافات بين الأجيال. ويمكن ملاحظة هذه الاختلافات في التصرفات اليومية، فمثلا كبار السن يدقون جرس الباب عند الزيارة بدلا من إرسال رسالة على الواتساب، يخبرون فيها الشخص الذي يزورنه بأنهم أسفل المنزل. كما أنهم يفضلون التحدث هاتفيا بدلا من إرسال رسائل صوتية.
وقال هيرلمان إن “الفكرة الأساسية للشرائح العمرية تبدو منطقية، فالحروب والابتكارات التقنية تترك آثارها على شخصيات الناس، وهذا صحيح بشكل خاص في مرحلة المراهقة، وهي الفترة التي تتشكل فيها شخصية الفرد طوال عمره، ولكل شخص خصائصه التي يتفرد بها، غير أنه يوجد أيضا الكثير من أوجه التشابه.”
"الذكاء الاصطناعي لن يجعل الحياة الواقعية المستقبلية بالنسبة للأطفال الرضع الذين ولدوا اليوم أكثر سهولة وملائمة، ولكن سيجعلها أكثر تعقيدا ومثيرة للتحديات"
وأضاف أن “الدراسات تشير إلى أن جائحة كورنا أدت إلى ظهور مشاعر عدم التيقن إلى حد كبير، بحيث يمكننا التحدث عن ظهور ما يمكن أن نطلق عليه جيل كورونا.”
وأوضح هيرلمان “هناك فارق كبير بين من مر بتجربة الجائحة وهو في بيت أسرة مستقرة ولأبويه دخل جيد، وبين من يعاني أبواه من مشكلات اقتصادية.” ويقول ماس “يمكنك التحدث دائما عن جيل جديد عندما يكون هناك تغير ملحوظ في الظروف الاجتماعية.”
ويوضح أن جيل زد الشهير على سبيل المثال، الذي ولد تقريبا بين 1995 و2010، هو أول جيل يشب عن الطوق مع وجود منصات التواصل الاجتماعي والفضاء الافتراضي ويتعايش معها كأمر طبيعي. ويضيف أنه لا يمكن التغاضي عن تداعيات هذا التطور.
وبدوره يلقي ماس الضوء على ملامح من هذا التطور، فيقول إن “المنتمين إلى الجيل زد يلمسون هواتفهم الذكية ما بين 4000 و5000 مرة في اليوم، ويفتحونها المئات من المرات، ومن الإنصاف أن نقول إنه لم يحدث من قبل في تاريخ البشرية أنه تم لمس أي شيء أو استخدامه بنفس هذا المعدل.”
ويتوقع ماس أن أولئك الذين يوصفون بأنهم ينتمون إلى جيل بيتا، سيرتبطون بالأنشطة الرقمية بدرجة أكبر، والأهم من ذلك أنهم سيتأثرون بدرجة أكبر بالذكاء الاصطناعي.
ويقول “إن غالبية أفراد هذا الجيل سيعملون بوظائف لم توجد بعد في وقتنا هذا، وسيواجهون سوق عمل يكونون فيها هم طليعة من يقدم الخبرة لمن يأتي بعدهم، وفي نفس الوقت لن يجدوا من يقوم بتدريبهم لأنهم سيكونون أول من يلتحق بالنوعية الجديدة من العمل.” ويضيف ماس إنهم سيعيشون في عالم تزداد فيه صعوبة معرفة ما هي نوعية المعلومات الجديرة بالثقة، وما هو الحقيقي بالفعل وما هو الذي يتم توليده بالذكاء الاصطناعي.
ويرى ماس أن “الذكاء الاصطناعي لن يجعل الحياة الواقعية المستقبلية بالنسبة للأطفال الرضع الذين ولدوا اليوم أكثر سهولة وملائمة، ولكن سيجعلها أكثر تعقيدا ومثيرة للتحديات.”
بينما يعرب هيرلمان عن اعتقاده بأنه ليس من الممكن حتى الآن، معرفة الكثير عن الجيل بيتا بشكل مؤكد، باستثناء شيء واحد وهو أنه سيكون جيلا محدود العدد نظرا لأن معدل المواليد آخذ في الانخفاض حاليا.