الجامعات في مرمى نيران ترامب: تمييز ضد الطلاب أم حملة سياسية

إدارة ترامب تطالب الجامعات الأميركية بتغيير سياساتها أو المخاطرة بفقدان تمويلات حكومية ضخمة.
الجمعة 2025/03/28
هجمات ترامب لا تستثني أحدا

نيويورك - تحت وطأة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وجدت العديد من الجامعات الأميركية نفسها في مرمى نيران تحقيقات في تهمة التمييز ضد الطلاب اليهود، في ظل تصاعد الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الحرم الجامعي عقب الهجوم الذي شنته حركة حماس على إسرائيل في أكتوبر 2023.

وشملت هذه التحقيقات التي أطلقتها وزارة التعليم الأميركية 60 جامعة وكلية، مما أثار قلقا واسعا في الأوساط الأكاديمية من تهديدات محتملة بفقدان تمويلات حكومية ضخمة. وأصبحت العديد من الجامعات، بما في ذلك كلية مولينبرغ للفنون الحرة في ولاية بنسلفانيا، هدفا للتحقيقات بسبب تهم معاداة السامية.

ورغم أن هذه الجامعات قد قامت بالفعل بحل شكاوى سابقة أو لم تتلق أي شكاوى جديدة، فإنها وجدت نفسها مدرجة في قائمة وزارة التعليم. وفي الوقت ذاته، ظهرت تساؤلات حول كيفية اختيار هذه الجامعات دون توضيح دقيق لمدى أو طبيعة الشكاوى الموجهة ضدها.

ووفقا لتحليل أجرته رويترز استنادا إلى ردود الجامعات وبيانات وزارة التعليم، فإن حوالي 19 جامعة من أصل 60 أدرجت على قائمة التحقيقات كانت قد حلت بالفعل شكاوى ضد معاداة السامية. وأما الجامعات الأخرى، مثل الجامعة الأميركية في واشنطن، فلم تسجل أي شكاوى تمييز ضدها مؤخرا، ومع ذلك وُضعت على نفس القائمة.

وما يثير القلق هو العواقب المالية الكبيرة المترتبة على هذه التحقيقات. وإذا تم التأكد من وجود تمييز في أي من هذه الجامعات، فقد تواجه خسارة تمويلات اتحادية ضخمة تقدر بالمليارات من الدولارات. وتمثل هذه التهديدات ضغوطا هائلة على الجامعات، التي تسعى جاهدة لحماية سمعتها ومواردها المالية في الوقت نفسه.

◙ التحقيقات التي تستهدف الجامعات الأميركية بتهمة معاداة السامية، سواء كانت مبنية على شكاوى حقيقية أو إجراءات سياسية، تمثل تحديا كبيرا للأوساط الأكاديمية

وأثار الإدراج العشوائي في قائمة التحقيقات قلقا بالغا بين قادة الجامعات. وأعربت لين باسكيريلا، رئيسة الجمعية الأميركية للكليات والجامعات، عن ارتباكها قائلة “لا يعرف القادة الجامعيون حتى طبيعة الاتهامات الموجهة إليهم.” وقد أكدت أن في العديد من الحالات، لم تقدم الجامعات أي معلومات تفصيلية حول الاتهامات ضدها، مما يجعلها في وضع غير مريح للغاية، حيث يفتقرون إلى الوضوح في كيفية التعامل مع هذه القضايا.

ومن المثير للانتباه أن قائمة وزارة التعليم الأميركية شملت جامعات مثل كلية مولينبرغ التي حصلت على تقييمات إيجابية من رابطة مكافحة التشهير، وهي منظمة تأسست لمحاربة معاداة السامية. وفي الوقت نفسه، كانت هناك جامعات أخرى، مثل جامعة هافرفورد وكلية سكريبس، قد حصلت على تقييمات منخفضة من نفس الرابطة، ومع ذلك لم تُدرج هذه الجامعات في قائمة وزارة التعليم.

وتسلط هذه التفرقة في التصنيف الضوء على نقص المعايير الواضحة التي تعتمدها وزارة التعليم في تحديد الجامعات التي يجب التحقيق معها. وقد أثار ذلك تساؤلات حول نية إدارة ترامب لفرض رقابة على الجامعات، ربما كجزء من سياسة أوسع تستهدف ما وصفه ترامب بـ”الراديكالية” في الحرم الجامعي.

ومن جانبها، سعت الجامعات، التي تم استهدافها من قبل وزارة التعليم، إلى التأكيد على أنها لا تتسامح مع أي شكل من أشكال التمييز. وقامت كلية مولينبرغ، على سبيل المثال، بفصل أستاذ متفرغ اتهم باستهداف الطلاب اليهود بعد احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين في الحرم الجامعي. كما أشارت إلى أنها ستواصل التزامها بجميع القوانين المتعلقة بمكافحة التمييز.

ومع ذلك، يبرز السؤال حول ما إذا كان هذا التفاعل السريع مع التحقيقات يعني استجابة لطلبات وزارة التعليم أم محاولة لحماية سمعتها ومواردها المالية.

وأوضح المحامون السابقون في مكتب الحقوق المدنية بوزارة التعليم أن التحقيقات التي تجريها الإدارة تواجه تحديات قانونية وإدارية. فقد أُغلقت بعض مكاتب الحقوق المدنية في الوزارة في نفس اليوم الذي أُرسلت فيه الرسائل إلى الجامعات، مما أثار القلق بشأن قدرة الوزارة على إجراء تحقيقات دقيقة وشفافة في مثل هذه القضايا.

وإضافة إلى ذلك، أشارت إيرين بينر، مديرة الجناح الطلابي في جماعة جي ستريت، إلى أن “هذه الهجمات على التعليم العالي تحت ستار محاربة معاداة السامية هي في الواقع جزء من حملة سياسية أوسع تهدف إلى فرض رقابة على الجامعات.” وأضافت أن هذه الإجراءات قد تضر بالطلاب اليهود في المقام الأول، بدلا من حمايتهم.

◙ الجامعات الأميركية، التي تتلقى تمويلا ضخما من الحكومة، تقف في مواجهة تهديدات مالية وإدارية قد تغير من شكل التعليم العالي في البلاد

وتستمر إدارة ترامب في توجيه تحذيرات للجامعات التي تشهد احتجاجات ضد إسرائيل، وهو ما يعكس التوترات السياسية والاجتماعية المتزايدة في البلاد. بينما تتجنب بعض الجامعات، مثل جامعة سانتا مونيكا، اتخاذ أي خطوات لتغيير سياساتها، فإن الجامعات الأخرى تواصل التزامها بالتعاون مع وزارة التعليم لتجنب المخاطر المالية.

وقد تكون هذه التحقيقات جزءا من حرب أوسع ضد المؤسسات التعليمية التي ينظر إليها على أنها تروج لأيديولوجيات معارضة للسياسات الأميركية التقليدية. وبينما تكافح الجامعات للحفاظ على تمويلها، تظل الأسئلة حول مدى تأثير هذه التحقيقات على الحرية الأكاديمية في الولايات المتحدة مفتوحة.

ويرى مراقبون أن التحقيقات المستمرة التي تستهدف الجامعات الأميركية بتهمة معاداة السامية، سواء كانت مبنية على شكاوى حقيقية أو إجراءات سياسية، تمثل تحديا كبيرا للأوساط الأكاديمية. وتقف الجامعات الأميركية، التي تتلقى تمويلا ضخما من الحكومة، الآن في مواجهة تهديدات مالية وإدارية قد تغير من شكل التعليم العالي في البلاد.

ومع تصاعد القلق بشأن حرية التعبير والسياسات الجامعية، تبقى التساؤلات حول تأثير هذه التحقيقات على الحرية الأكاديمية في الولايات المتحدة بلا إجابة شافية، مما يشير إلى أن الصراع بين القيم الأكاديمية والسياسات الحكومية قد دخل مرحلة جديدة من التوتر.

6