الخلايا السرطانية تتعاون في ما بينها في حالة ندرة الغذاء للبقاء على قيد الحياة

نوع من الإنزيمات يقوم بتكسير المواد البروتينية إلى أحماض أمينية تتقاسمها الخلايا.
الأربعاء 2025/03/26
خلايا سرطان الدم

اكتشف خبراء الصحة أن الخلايا السرطانية تكابد من أجل البقاء على قيد الحياة في حال لم تحصل على مغذيات، وذلك عن طريق إفراز نوع من الإنزيمات يقوم بتكسير المواد البروتينية إلى أحماض أمينية تتقاسمها هذه الخلايا. ويفتح هذا الاكتشاف الباب واسعا أمام ابتكار وسائل علاجية جديدة للتخلص من الأورام السرطانية الخبيثة التي تتكاثر عن طريق الطفرات الجينية.

سان فرانسيسكو (الولايات المتحدة) - كشفت دراسة أميركية أن الخلايا السرطانية تتعاون في ما بينها لمواجهة تحديات نقص المغذيات من أجل البقاء على قيد الحياة.

واكتشف فريق بحثي من جامعة نيويورك أنه في حالات نقص الغذاء، تتعاون الخلايا السرطانية عن طريق إفراز نوع من الإنزيمات يحمل اسم “سي أن دي بي 2” حيث يقوم بتكسير المواد البروتينية إلى أحماض أمينية تتقاسمها هذه الخلايا. وأكد الباحثون أن هذا الاكتشاف يفسح المجال أمام ابتكار وسائل جديدة لعلاج الأورام عن طريق منع عمل هذا الإنزيم أو التخلص من الشفرة الجينية الخاصة به من أجل إبطاء نمو الأورام داخل الجسم.

ويقول الباحث كارلوس كارمونا فونتين الباحث بجامعة نيويوك ورئيس فريق الدراسة: “لقد اكتشفنا التفاعلات التعاونية بين خلايا السرطان التي تسمح لها بالبقاء والانتشار،” مضيفا في تصريحات للموقع الإلكتروني “سايتيك ديلي” المتخصص في الأبحاث العلمية أن “فهم الآليات التي تستغلها الخلايا السرطانية للاستمرار قد يساعد في التوصل إلى علاجات جديدة في المستقبل.”

وكان العلماء يعتقدون من قبل أن الخلايا السرطانية تتنافس على المغذيات والموارد الأخرى داخل الجسم، وأن الأورام تزداد شراسة بمرور الوقت لأن الخلايا الأقوى هي التي تهيمن على موارد الجسم. ولكن الباحثين توصلوا إلى أن الخلايا الحية بشكل عام تتعاون في ما بينها في الظروف الصعبة. وفي إطار الدراسة التي نشرتها الدورية العلمية “نيتشر”، فحص الباحثون تطور نمو أنواع مختلفة من الأورام باستخدام مجهر روبوتي وبرنامج متخصص لتحليل الصور عن طريق إجراء عمليات إحصاء لملايين الخلايا السرطانية تحت مئات الظروف المختلفة، مما سمح للباحثين بدراسة معدلات كثافة التجمعات السرطانية مع تعديل نسبة المغذيات المتوافرة في كل مرة.

الاكتشاف يفسح المجال أمام ابتكار وسائل جديدة لعلاج الأورام عن طريق منع عمل هذا الإنزيم أو التخلص من شفرته الجينية

ذكر الباحث كارلوس فونتين أن “الأمر المدهش أننا لاحظنا أن تقليل الأحماض الأمينية يعود بالفائدة على التجمعات السرطانية الأكبر، مما يشير إلى وجود عملية تعاونية بين التجمعات السرطانية التي تحتوي على أعداد أكبر من الخلايا، وهو ما يدل على وجود تعاون حقيقي بين خلايا الأورام.”

والخلايا السرطانية قد تكون حميدة أو خبيثة. في الحالة الطبيعية، تخضع الخلايا لدورة حياة منظمة تشمل النمو، الانقسام، ثم الموت المبرمج (الاستماتة). ولكن عندما يحدث خلل في هذه العملية، يمكن أن تستمر الخلايا في الانقسام بشكل غير منضبط، مما يؤدي إلى تكوين كتلة من الخلايا غير الطبيعية تُعرف بالورم.

ويكمن الفرق الرئيسي بين الخلايا الطبيعية والخلايا السرطانية في قدرتها على الهروب من الآليات التنظيمية التي تتحكم في النمو والانقسام الخلوي. هذا الهروب قد يكون ناتجًا عن طفرات جينية تؤثر على جينات معينة مسؤولة عن تنظيم دورة الخلية.

وهناك نوعان رئيسيان من الخلايا السرطانية: الخلايا السرطانية الصلبة، وتتشكل هذه الخلايا عادة في الأنسجة الصلبة مثل الثدي، البروستاتا، القولون، والرئة. وتتميز بتشكيل كتل صلبة تعرف بالأورام الصلبة. والخلايا السرطانية السائلة (سرطان الدم)، على عكس الخلايا الصلبة، تتكون في الأنسجة السائلة مثل الدم ونخاع العظم. من أبرز أنواعها سرطان الدم (اللوكيميا) وسرطان الغدد الليمفاوية (اللمفوما).

وتتطور الخلايا السرطانية عن طريق الطفرات الجينية.

وتلعب الطفرات الجينية دورًا حاسمًا في تطور الخلايا السرطانية. وتنقسم هذه الطفرات إلى نوعين رئيسيين: الطفرات الوراثية والطفرات المكتسبة.

وتنتقل الطفرات الوراثية من جيل إلى جيل وتكون موجودة في جميع خلايا الجسم. وعلى سبيل المثال، الطفرات في جينات “بي آر سي إيه1 “و “بي آر سي إيه2 ” تزيد من خطر الإصابة بسرطان الثدي والمبيض.

فهم الآليات التي تستغلها الخلايا السرطانية للاستمرار قد يساعد في التوصل إلى علاجات جديدة في المستقبل

كما تتطور الخلايا السرطانية أيضا عن طريق الطفرات المكتسبة، حيث تحدث خلال حياة الفرد نتيجة لتعرض الخلايا لعوامل بيئية ضارة مثل الإشعاع أو المواد الكيميائية. هذه الطفرات تؤثر على جينات محددة تُعرف بالجينات الورمية التي تحفز الانقسام الخلوي غير المنضبط، وجينات مثبطة للأورام التي تمنع النمو الزائد للخلايا. عندما تصاب هذه الجينات بالخلل، فإنها تفقد قدرتها على تنظيم دورة الخلية بشكل صحيح، مما يؤدي إلى تكوين خلايا سرطانية.

بالإضافة إلى الطفرات الجينية، هناك العديد من العوامل البيئية ونمط الحياة التي يمكن أن تساهم في تطور الخلايا السرطانية. من أبرز هذه العوامل:

  • التدخين والكحول: التدخين هو أحد أقوى مسببات سرطان الرئة والعديد من أنواع السرطان الأخرى. الكحول أيضًا يزيد من خطر الإصابة بسرطانات الكبد، الفم، والحلق.
  • التعرض للإشعاع والمواد الكيميائية: يمكن أن يؤدي التعرض المطول للإشعاع، سواء من مصادر طبية أو بيئية، إلى تلف الحمض النووي للخلايا، مما يزيد من خطر التحول السرطاني. كما أن التعرض لبعض المواد الكيميائية مثل البنزين والأسبستوس يرتبط بزيادة خطر الإصابة بسرطان الدم وسرطان الرئة.
  • النظام الغذائي والنشاط البدني: النظام الغذائي غير الصحي وقلة النشاط البدني يمكن أن يزيدا من خطر الإصابة بالسرطان. على سبيل المثال، النظام الغذائي الغني بالدهون والفقير بالألياف يزيد من خطر الإصابة بسرطان القولون والمستقيم.

وتوجد العديد من الاختلافات المميزة بين الخلايا السّرطانيّة والخلايا الطبيعيّة.

وتنمو الخلايا الطبيعيّة بفعل إشارات يرسلها الجسم إلى الدماغ تبلغه بضرورة تعويض الخلايا التالفة أو الميتة، إلّا أنّ الخلايا السّرطانيّة تنتشر بطريقة عشوائيّة دون صدور أيّ أمر أو إشارة من الجسم بذلك، بل وتنتشر بطريقة سريّة ولذلك تسمى بالخبيثة لأنها تخدع الجسم. ولا تتحرك الخلايا الطبيعيّة في الجسم وتبقى في مكانها الّذي نشأت به، على عكس الخلايا السّرطانيّة الّتي بمجرد نشوئها تبدأ بغزو مناطق مختلفة من الجسم. يقوم جهاز المناعة بشكل أساسيّ بالدفاع عن الجسم وحمايته، وفي حالة تكون خلايا غير طبيعيّة ولكنها غير ضارة (حميدة)، فهنا يبدأ الجسم في القضاء عليها، إلّا أنّه في حالة وجود خلايا سرطانيّة من النّوع الخبيث، تستطيع هذه الخلايا إيهام الجسم بضرورة تواجدها وحمايتها بدلاً من مهاجمتها والقضاء عليها.

تنتقل الخلايا السّرطانيّة إلى أجزاء مختلفة من الجسم إمّا عن طريق مجرى الدّم، حيث تنتقل الخلايا السّرطانيّة إلى أجزاء مثل الكبد، العظام، الرئتين، الدماغ، وغيرها، أو عن طريق الجهاز الليمفاويّ، إذ تنتشر الخلايا السّرطانيّة في العقد الليمفاويّة المسؤولة عن مكافحة العدوى، والّتي توجد في أماكن مثل الرقبة وأسفل الإبط والفخذ.

16