الموصل القديمة تتجدد بعد الدمار

الموصل (العراق) ـ يراقب الشاب العراقي عبيدة علي بارتياح حركة الشاحنات والآليات يوميا، وهي تباشر العمل في المدينة القديمة بالموصل لإعادة إعمار ما دمرته الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية أو ما يعرف اختصارا بـ(داعش) قبل سنوات.
ورغم ما تسببه تلك الشاحنات من إزعاج أثناء تحميلها بالأنقاض ونقلها للحصى إلا أن عبيدة بدا سعيدا بهذا العمل، والذي يراه خطوة متأخرة.
ويسكن عبيدة قرب الجسر الخامس الذي يطل من الجهة الشمالية على المدينة القديمة في الموصل الواقعة بمحافظة نينوى شمال العاصمة العراقية بغداد.
واحتل تنظيم الدولة الإسلامية الموصل في العاشر من يونيو عام 2014، واستعادت القوات العراقية المدينة بعد أكثر من ثلاث سنوات من المعارك العنيفة.
وخلفت المعارك الكثير من الدمار خاصة في المدينة القديمة الواقعة على ضفاف نهر دجلة.
وفي ديسمبر الماضي، وضع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني حجر الأساس لمشروع “الواجهة النهرية” لإعادة إعمار المدينة القديمة، وذلك خلال زيارته للموصل مركز محافظة نينوى.
ومنذ نحو شهرين، تحولت المنطقة إلى ورشة عمل، فهناك آليات تقوم بتحميل الأنقاض على الشاحنات بينما تقوم أخرى بجلب الحصى لوضعه في المكان وتسوية الأرض.
وفي جزء آخر من المنطقة، تعمل آليات على تهديم ما تبقى من ركام المنازل وتقوم بحفر النهر وإخراج الحصى منه.
وقال عبيدة لوكالة الأنباء الصينية (شينخوا) “أراقب العمل يوميا، وأنا فرح بدخول وخروج عشرات الآليات رغم أنها تسبب إزعاجات لنا”.

وأضاف بينما كان يبتسم أن “هذه الإزعاجات مفيدة لنا ويا ليتها بدأت قبل سبع سنوات”.
ويهدف المشروع الذي تنفذه إحدى الشركات العراقية للمقاولات إلى استعادة التراث الموصلي وإعادة السكان إلى منازلهم.
وقال المعاون الفني لبلدية الموصل المهندس فراس مهند، إن “إعادة الحياة لهذا الجزء من المدينة هو إعادة الحياة لروح المدينة القديمة الذي طال انتظاره خلال الفترات اللاحقة لتحرير الموصل”.
ويتضمن المشروع بناء 273 منزلا على نفقة الدولة، وإنشاء كورنيش وبنى تحتية للدوائر الخدمية من ماء وكهرباء وأزقة وشوارع.
كما يشمل المشروع إقامة العديد من الفعاليات الترفيهية على كورنيش المدينة القديمة على نهر دجلة، وفقا للمسؤول البلدي.
وستكون عملية الإعمار في المدينة القديمة بطول 1300 متر وبعمق من 250 إلى 300 متر.
وقال بشار فتحي أحد العاملين بالمشروع، “باشرنا منذ عدة أسابيع بأعمال رفع الأنقاض لإعادة إعمار الواجهة النهرية بالمدينة القديمة التي تمتد من الجسر الخامس إلى الجسر الحديدي، كونها أكثر المناطق تضررا”.
ودُمرت أكثر من 12 ألف وحدة سكنية بالمدينة القديمة، وتراوحت نسبة الدمار فيها ما بين 80 إلى 100 في المئة، وفقا لـقائم مقام الموصل الأسبق (أعلى مسؤول إداري بالمدينة) أمين الفنش.
وقبل البدء بالإعمار، جرت عمليات لرفع العبوات الناسفة والمتفجرات من تحت الأنقاض فضلا عن انتشال عشرات الجثث التي يعود أغلبها لعناصر داعش، وفقا لمصادر أمنية.
وتشرف بلدية الموصل على تنفيذ مشروع الواجهة النهرية، في إطار جهود الحكومة المحلية وبلدية المدينة الرامية لإعادة إحياء التراث الحضاري وإعادة توطين السكان، وفقا لمدير إعلام بلدية الموصل علاء الحيدر.

وقال الحيدر، إن “المشروع يأتي ضمن سلسلة مبادرات تهدف إلى استعادة هوية الموصل بعد إزالة مخلفات الحرب ضد عصابات داعش الإرهابية”.
ويستغرق تنفيذ المشروع 720 يوما، وسيقام وفق الطراز الموصلي القديم، والذي يعكس التراث المحلي الأصيل، وفقا للحيدر.
ويشمل المشروع بناء مرسى لاستقبال الزوارق، مما سيحول الواجهة النهرية لوجهة تراثية وسياحية متميزة.
وأكد الحيدر أن “المشروع يشكل خطوة إستراتيجية لطي صفحة مظلمة من تاريخ المدينة وإعادة الحياة للمناطق المتأثرة بالحرب، مع استغلال التصميمات الموصلية الأصيلة لإبراز الهوية التراثية”.
وأوضح أن “المشروع يأتي في إطار جهود الحكومة المحلية وبلدية الموصل لإحياء التراث وتفعيل الدور الاجتماعي والاقتصادي للموصل، وإعادة ربط المواطنين بتاريخهم العريق وتحويل الواجهة النهرية لمعلم حضاري يعكس أصالة المدينة وروحها”.
ورأى السكان المحليون أن المشروع يطوي آخر صفحة سوداء خلفها تنظيم الدولة الإسلامية في المدينة، بحسب محمد شاهين الذي تعرض منزله الواقع بمنطقة الميدان للتدمير بالكامل.
بينما وصف الخمسيني ليث السماك، والذي يسكن قرب الجسر الحديدي، البدء بإعمار المدينة القديمة بأنه خطوة مهمة لبث الأمل في نفوس أهالي الموصل كلها، مشيرا إلى أن عمليات الإعمار ستنهي معاناة الكثير من الناس وتساعدهم في العودة إلى منازلهم.
أما الشاب عبيدة فقال “اطلعت على خرائط وصور للمشروع. ستتحول المنطقة المدمرة إلى مكان جميل، وستتغير رائحة الموت التي كانت منتشرة في أجوائها إلى رائحة زكية تبعث الأمل من جديد، لعلها تنسينا جرائم تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي”.