لبنان يخشى تمدد العنف الطائفي في سوريا إلى أراضيه

تمركز الفارين من الساحل السوري في مناطق علوية بلبنان يثير المخاوف.
الأربعاء 2025/03/19
تحديات أمنية واقتصادية جديدة تثقل كاهل لبنان المنهك بالأزمات

شهد لبنان موجة نزوح جديدة نتيجة تصاعد الاشتباكات في الساحل السوري، ما يثير مخاوف أمنية وسياسية. فمع تدفق المئات من العائلات عبر معابر غير شرعية، يواجه الشمال اللبناني تحديا جديدا قد يهدد استقراره، خاصة في ظل الانقسامات الطائفية والسياسية بين النازحين.

بيروت - يثير نزوح الآلاف من السوريين إلى لبنان نتيجة للاشتباكات الأخيرة في الساحل السوري العديد من التساؤلات حول قدرة بيروت على استيعاب هذا العدد المتزايد من اللاجئين، وأثره على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في لبنان، الذي يعاني أساسا من أزمات عديدة.

وأفادت غرفة إدارة الكوارث والأزمات التابعة لمحافظة عكار اللبنانية الثلاثاء بأن نحو 13 ألف سوري فرّوا إلى شمال لبنان منذ اندلاع أعمال العنف في منطقة الساحل بغرب البلاد في السادس من مارس. وأحصت الغرفة وصول 12798 سوريا إلى المحافظة الحدودية، توزعوا على 23 بلدة وقرية حيث يقيمون لدى عائلات أو في قاعات ومستودعات.

ودخل هؤلاء النازحون إلى لبنان عبر معابر غير شرعية بعدما أخرجت الغارات الإسرائيلية المعابر الشرعية شمال لبنان (وعددها ثلاثة) عن الخدمة، فيما بقي فقط معبر المصنع الحدودي في البقاع شرق البلاد يعمل بشكل رسمي.

وتوزع النازحون في قرى سهل عكار، من ضمنها بلدات الحيصة والمسعودية وتلبيرة وتل حميرة والريحانية، وكذلك في منطقة جبل محسن بمدينة طرابلس (شمالاً). وتوقّع نائب عكار في البرلمان اللبناني أحمد رستم ازدياد موجات النزوح، مبدياً تخوّفه من امتداد شرارة المواجهات في الساحل السوري إلى مناطق لبنانية، وأشار إلى أن “ما حصل مؤخراً بين المنطقتين المجاورتين في مدينة طرابلس باب التبانة (ذات الغالبية السنّية) وجبل محسن (غالبية علوية) من توتر قبل أن يعالجه الجيش اللبناني، يبعث على القلق.”

وأضاف “نتخوّف من دخول طابور خامس للعبث بأمن الشمال، ونحن كعلويين تحت سقف القانون في لبنان وملتزمون بسياسة العيش المشترك، ونراهن على وعي أهلنا في الشمال كي لا يتم استغلالهم من أجل الفتنة.”

12798

سوريّا وصلوا إلى لبنان وتوزعوا على 23 بلدة حيث يقيمون لدى عائلات أو في مستودعات

وتثير حركة النزوح هذه العديد من المخاوف ليس فقط جراء الضغط الهائل على مناطق شمال لبنان التي تعاني أصلا من تدهور في الأوضاع المعيشية، وإنما بسبب مخاوف تتعلق بالقلق من اندلاع أعمال عنف على أساس طائفي في المناطق ذات الغالبية السنية مثل طرابلس.

واعتبرت أطراف سياسية أن موجة النزوح الجديدة تبدد الرهان على إمكانية عودة اللاجئين السوريين في لبنان بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024، فيما ذهبت أطراف أخرى إلى إبداء تخوّفها من إمكانية حدوث تغيير في التركيبة السكانية.

ويرى مراقبون أن موجة النزوح هذه تمثل معضلة جديدة تواجه السلطات اللبنانية، خاصة في ظل المخاوف الأمنية من تسلل عناصر بين النازحين لها خلفيات استخباراتية، وترغب في إشعال الفتن والنعرات الطائفية وأعمال الشغب في لبنان.

وبلغت هذه المخاوف الأمنية ذروتها عند وصول السوريين العلويين إلى طرابلس، المدينة التي شهدت لسنوات طويلة “اقتتالًا طائفيًا” بين منطقة جبل محسن ذات الغالبية العلوية ومنطقة باب التبانة ذات الغالبية السنية وهو ما قد يعيد الأمور إلى ما كانت عليه سابقا.

وأشار النائب اللبناني السابق فارس سعيد إلى أن الخطر في مدينة طرابلس لا يكمن في استقبال السوريين ، وإنما في إمكانية “أن يستفيق شمال لبنان بظهور الشياطين القدامى” الذين قد يثيرون الفتن.

وإلى جانب المخاوف الأمنية تطرح تساؤلات بشأن قدرة لبنان على استيعاب تدفق اللاجئين، ما قد يزيد الضغوط على البنية التحتية اللبنانية، من مدارس ومستشفيات وشبكات مياه وكهرباء، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في البلاد.

وتأتي هذه المخاوف في وقت يشهد فيه لبنان أزمة اقتصادية خانقة، حيث أن توافد المزيد من اللاجئين يضيف عبئاً على الاقتصاد المتأثر بالأزمات المتعددة.

وإضافة إلى ذلك يصعّب الوضع السياسي الهش في لبنان عملية التنسيق بين الحكومة اللبنانية والمنظمات الدولية لمساعدة اللاجئين. فمفوضية اللاجئين لا تقوم بدور فعال في إحصاء الداخلين الجدد، ولا تتوافر المساعدات اللازمة لتأمين احتياجاتهم الأساسية.

◙ استمرار تدفق اللاجئين إلى لبنان يشكل تحدياً كبيراً، ليس فقط من حيث تأمين احتياجاتهم الأساسية، بل أيضاً من حيث ضمان استقرار لبنان

ويقول محللون إن استمرار تدفق اللاجئين إلى لبنان يشكل تحدياً كبيراً، ليس فقط من حيث تأمين احتياجاتهم الأساسية، بل أيضاً من حيث ضمان استقرار لبنان على الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

ويعد هذا النزوح الأحدث في تاريخ موجات اللجوء السوري إلى لبنان، حيث يستضيف البلد بالفعل أكثر من مليون لاجئ سوري منذ اندلاع الحرب الأهلية عام 2011، ما يزيد الضغوط على البنية التحتية اللبنانية ويثير مخاوف من تداعيات أمنية وإنسانية جديدة.

ويشير مراقبون إلى أنه رغم أن الوضع يتطلب حلولاً سريعة، إلا أن هناك حاجة ماسة إلى إستراتيجيات شاملة تنطوي على التعاون الإقليمي والدولي لتحقيق استقرار طويل الأمد في لبنان والمنطقة.

وقتل 1383 مدنيا على الأقل غالبيتهم العظمى من العلويين جراء أعمال عنف شهدتها منطقة الساحل في غرب سوريا اعتبارا من السادس من مارس. وقتل هؤلاء في "عمليات إعدام على يد قوات الأمن ومجموعات رديفة لها،" وفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان الذي أوضح أن هذه العمليات تركزت “يومي 7 و8 مارس."

وبدأت أعمال العنف تتصاعد في منطقة الساحل السوري التي يقطنها عدد كبير من العلويين، عندما قالت الحكومة السورية إن قواتها تعرضت لهجوم من قبل مؤيدين للرئيس السابق بشار الأسد، وهو من الطائفة العلوية. وعقب انتهاء الاشتباكات تعهد الرئيس السوري أحمد الشرع بمعاقبة المسؤولين عن هذه الجرائم، بمن فيهم حلفاؤه إذا لزم الأمر.

6