سودانيون يواجهون لعبة "حية ودرج" في ليبيا

سودانيون يفرون من لظى الحرب إلى جحيم الميليشيات.
الثلاثاء 2025/03/18
الموت في البحر، آخر الرحلة

سيراكوز (إيطاليا) ـ ورد نداء استغاثة من طائرة المراقبة “إيغل 3” التابعة لوكالة الحدود وخفر السواحل الأوروبية “فرونتكس”، حيث كانت قد رصدت قاربًا مطاطيًّا محملاً بأكثر من 70 شخصًا غرق قرب الساحل الليبي.

وجاءت الاستجابة السريعة من سفينة الإنقاذ “هيومانيتي 1″، التي تديرها منظمة “إس أو إس هيومانيتي” الألمانية غير الحكومية. واكتشفت أن مقدمة القارب كانت على وشك الانهيار، بينما كان الركاب يسقطون في البحر، مذعورين ومنهكين بعد يومين من الإبحار. وكان جلهم من القُصّر غير المصحوبين بذويهم الذين فروا من الصراع في السودان.

وكان فريد من بين الذين تم إنقاذهم، وهو شاب يبلغ من العمر 17 عامًا، طلب منا استخدام اسم مستعار لضمان خصوصيته. وكان من مدينة الفاشر الواقعة في إقليم شمال دارفور بالسودان.

وأخبرنا، بينما كان على سفينة “هيومانيتي 1” في نوفمبر، قائلاً، “لا يزال صوت طائرات الهليكوبتر يتردد في رأسي، غارات جوية واحدة تلو الأخرى، وجثث في كل مكان.”

وقُتل عشرات الآلاف منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية سنة 2023. واضطر أكثر من 12 مليون شخص إلى الفرار من ديارهم، ويحتاج 24.6 مليون شخص (أي نصف سكان السودان) إلى مساعدات غذائية.

وقال فريد إن القوات المتناحرة “تنهب المساعدات الغذائية وتبيعها، في حين يموت الكثيرون في الفاشر لهذا السبب. إنهم جياع.”

معظم السودانيين يمرون في رحلة هجرتهم عبر منطقة الكفرة النائية قبل التوجه إلى مدن الشمال أو طرابلس على الساحل

مرّ فريد في طريقه للخروج من السودان بالكفرة، وهي منطقة نائية في جنوب شرق ليبيا، حيث عُثر على مقابر جماعية دُفن فيها عشرات المهاجرين. وتُهيمن على الكفرة ميليشيات متنافسة من أغلبية الزوية العربية وأقلية التبو العرقية.

ورأى فريد مئات اللاجئين السودانيين متجمعين على جانب الطريق على أطراف الكفرة، آملين في الحصول على مساعدة.

وأعطاه المسؤولون الليبيون فراشًا وبعض الطعام، لكنهم أجبروه في المقابل على العمل لساعات طويلة في جمع النفايات البلاستيكية لإعادة التدوير. وكان عمله دون أجر.

وعندما عبّر عن إحباطه، هُدد بالبيع لميليشيا معارضة أو ما هو أسوأ.

وقال فريد بصوت مرتجف، “الكفرة تحكمها القبائل. ونحن عبيد في أرضهم. يُجبروننا على القتال في معاركهم أو يبيعوننا للعمل القسري. إذا رفضنا، سيأخذون أعضاءنا ويتركون جثثنا على جانبي الطريق.”

وأكدت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وجود أكثر من 210 آلاف لاجئ سوداني في ليبيا، ويشكلون 73 في المئة من إجمالي اللاجئين. ويصل مئات آخرون يوميًّا.

مزّق الصراع الداخلي ليبيا منذ سقوط معمر القذافي في 2011. وأصبحت البلاد طريق هجرة رئيسي للفارين من الحرب والمصاعب.

ويمر معظم السودانيين عبر الكفرة قبل التوجه شمالًا نحو مدن مثل اجدابيا في الشرق أو العاصمة طرابلس على الساحل.

ويتعرض الكثيرون، مثل فريد، للإساءة على طول الطريق، وتواجه النساء عنفًا وحشيًّا بشكل خاص.

Thumbnail

وقال فريد، “رأيت فتاة تُضرب وتُغتصب. قتلوها وتركوا جثتها في الشارع. أعادتها والدتها إلى السودان لدفنها، مفضّلة الموت في الحرب على البقاء في ليبيا.”

وقال أحمد، وهو شاب سوداني يبلغ من العمر 19 عامًا ويستخدم أيضًا اسمًا مستعارًا، إنه سُجن لمدة أربعة أشهر في مستودع مهربين بالقرب من الزاوية، وهي مدينة ساحلية في الشمال الغربي.

وتحدّث عن سلسلة من مراكز الاحتجاز التي يمر بها المهاجرون، من الكفرة جنوبًا إلى الزاوية أو عين زارة شمالًا. وقال، “عليك أن تدفع للخروج في كل مرة. وتبدأ من الصفر إذا أُلقي القبض عليك مرة أخرى، كما لو كنت تلعب لعبة حية ودرج.”

وصف أحمد كيف يُدير خفر السواحل الليبي “يانصيب القوارب الصغيرة”، حيث يعتمد مصير المهاجر على المبلغ الذي يستطيع دفعه.

وقال إن الرسوم قد تصل إلى 15 ألف دولار لكل رحلة عبور، حيث يتمتع المهاجرون الذين يقدّمون المدفوعات الأعلى (غالبًا المصريون أو السوريون) بمعاملة أفضل وفرص نجاح أكبر من المهاجرين الذين يدفعون أقل، مثل السودانيين والإريتريين.

وخصص الاتحاد الأوروبي منذ 2015 أكثر من 465 مليون يورو (505 ملايين دولار) لليبيا من خلال الصندوق الائتماني الأوروبي للطوارئ من أجل أفريقيا، ضمن إستراتيجيته للحد من تدفقات المهاجرين إلى جنوب أوروبا.

ويُخصص أكثر من نصف هذه الأموال لحماية المهاجرين، بما في ذلك العودة الإنسانية والإجلاء. ويدعم الباقي تدابير مراقبة الحدود، مثل التدريب والمعدات.

ويجادل المدافعون عن حقوق الإنسان بأن نهج الاتحاد الأوروبي المتمثل في الاستعانة بمصادر خارجية لمراقبة الهجرة إلى دول ثالثة مقابل الحصول على مساعدات يؤدي إلى انتهاكات ويفشل في معالجة الأسباب الجذرية.

وسلط تقرير صادر عن ديوان المحاسبة الأوروبي في سبتمبر بشأن صندوق الاتحاد الأوروبي الضوء على قصور في متابعة ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان.

Thumbnail

وخلصت بعثة لتقصي الحقائق تابعة للأمم المتحدة خلال 2023 إلى ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في بعض مراكز الاحتجاز الليبية التي تُديرها وحدات تستفيد من دعم الاتحاد الأوروبي.

ونفى المسؤولون الليبيون في السابق مزاعم الانتهاكات.

وذكر متحدث باسم المفوضية الأوروبية في رسالة بالبريد الإلكتروني أن تمويل الاتحاد الأوروبي لا يُقدم مباشرة للجهات الليبية، بل يُخصص فقط للشركاء المنفذين، مثل المنظمات الدولية أو الدول الأعضاء.

وأكد أن هدف الاتحاد الأوروبي يكمن في تعزيز القدرات الليبية لإنقاذ الأرواح في البحر وفي الصحراء، ومكافحة شبكات التهريب والاتجار غير المشروع التي تستغل الهجرة غير النظامية. كما قال إن الاتحاد الأوروبي يساعد السلطات المحلية في معالجة وضع اللاجئين السودانيين.

وأضاف المتحدث، “يحث الاتحاد الأوروبي الحكومة الليبية على إجراء تحقيق شامل في أي شكاوى عن إساءة معاملة،” مشيرًا إلى أن هذه المخاوف تبقى جزءًا من حوار مستمر مع السلطات الليبية بشأن الهجرة.

ومع إبحار سفينة “هيومانيتي 1” باتجاه قلورية في إيطاليا، تحدث أحمد عن محنته وقال إنه سيخاطر مجددًا.

وأضاف، “لا أريد أن يقتلني إخوتي في السودان.” وصرّح حين تطرقنا إلى ليبيا، “الموت في البحر أفضل، فهو لن يُعذبك.”

16