مسرحية تقدم الملحمة الفارسية "الشاهنامه" للعالم

جعل الفنان الإيراني حميد رحمانيان من مشاركة ثراء الثقافة الإيرانية عمل حياته. “أغنية الشمال”، هي أحدث أعماله وهي مستوحاة من الملحمة الفارسية “الشاهنامه” التي يعتبرها “سيمفونية” إيرانية في وقت لا تسمع فيه في الغرب سوى “قرع الطبول”.
مانهاتــن (الولايات المتحدة) - في عصر أحد الأيام الأخيرة في شارع 42 بمانهاتن، كان طائر أسطوري يستعد للإقلاع. خلف كواليس مسرح النصر الجديد، ارتدى مُحرّك عرائس ملابس سوداء وقناعا مزخرفا بدقة، ودخل في شعاع ضوء، ملقيا ظلال يديه المرفرفتين على ستارة كبيرة.
في الجوار، كان مُؤدّيان آخران يستعدان للتدرب على مبارزة بالسيف. ثم بدأت الموسيقى، وبدأ فريق من تسعة أشخاص عرضا كاملا لمسرحية “أغنية الشمال”، وهي مسرحية متقنة لخيال الظل مستوحاة من قصص ملحمة “الشاهنامه” الفارسية التي تعود للقرن العاشر.
بدا العرض من الجمهور وكأنه رسوم متحركة متواصلة. لكن خلف الكواليس، كانت الدقائق الثمانون التالية نصف باليه ونصف تسابق محموم، حيث أمسك المؤدون بالمئات من الدمى والأدوات والأقنعة المختلفة المكدسة على الطاولات، وبتوقيت لحظي، قفزوا داخل وخارج أشعة الضوء المتدفقة من جهازي عرض.
في إيران، حيث يُطلق الكثيرون على أطفالهم أسماء شخصيات (رستم، سهراب)، لا تزال الشاهنامه رمزا ثقافيا
يضم عرض “أغنية الشمال” 483 دمية، و208 خلفيات متحركة، و16 قناعا وزيا، وتسعة مؤدين. يُظهر مشهد رسوم متحركة من العرض هلالا في سماء زرقاء، وتحته قافلة صغيرة من الحيوانات والأشخاص يسيرون وسط غروب شمس أحمر. تعرض المسرحية، المقامة في مسرح نيو فيكتوري في مانهاتن، للجمهور من سن 8 سنوات فما فوق. وهي أحدث مشاريع حميد رحمانيان المستوحاة من “الشاهنامه”.
منذ عرضه الأول عام 2022 في باريس، حظي عرض “أغنية الشمال” (المُخصص للجمهور من سن 8 سنوات فما فوق) بإشادات حماسية، وعُرض في قاعات مكتظة في ثلاث قارات. صادف عرضه في قلب ميدان تايمز سكوير، حيث يبدأ عرضه الذي يستمر أسبوعا في الخامس عشر من مارس، عيد النوروز، احتفالا برأس السنة الفارسية. يتزامن هذا أيضا مع إصدار ترجمة نثرية معاصرة جديدة لـ”الشاهنامه” التي أنتجها رحمانيان بالتعاون مع الباحث أحمد صدري، وهي أول نسخة إنجليزية كاملة من تأليف إيرانيين، على حد قول رحمانيان.
يتميز العرض بتعقيده المذهل، إذ يتضمن 483 دمية، و208 خلفيات متحركة، و16 قناعا وزيا لشخصية، وتسعة مؤدين يتبعون أكثر من 2300 إشارة منفصلة. لكن الفكرة وراءه، كما قال رحمانيان، بسيطة: إيصال ثراء الثقافة الفارسية إلى جمهور الشباب والبالغين الذين قد تهيمن على آرائهم عن إيران الصور النمطية السلبية.
“الشاهنامه”، أو كتاب الملوك، أطول قصيدة كتبها مؤلف واحد على الإطلاق – ضعف طول “الإلياذة” و”الأوديسة” مجتمعتين. ألفها الشاعر الفارسي أبوالقاسم الفردوسي، الذي أمضى 33 عاما في تحويل قرون من التراث التاريخي والأسطوري إلى أكثر من 50 ألف بيت شعري.
في إيران، حيث يُطلق الكثيرون على أطفالهم أسماء شخصيات (رستم، سهراب)، لا تزال الشاهنامه رمزا ثقافيا.
"الشاهنامه"، أو كتاب الملوك، أطول قصيدة كتبها مؤلف واحد على الإطلاق – ضعف طول "الإلياذة" و"الأوديسة" مجتمعتين
رحمانيان، الذي انتقل إلى نيويورك من طهران عام 1994، يريد أن يقدم رؤية أشمل للثقافة الإيرانية، التي يصفها بأنها “سيمفونية”. قال “لكن في الغرب، لا نسمع سوى قرع الطبول”. وصادف أن ذهب إلى سان فرانسيسكو ليشارك في ورشة عمل مع فنان مسرح العرائس لاري ريد، أحد أوائل الغربيين الذين تدربوا على فنون مسرح الظل الباليني التقليدي. وبينما كان يجرب أجهزة العرض المختلفة في أستوديو بروكلين الخاص به، اكتشف رحمانيان تقنية العرض التي يستخدمها في عروضه.
قال رحمانيان “دخلت إلى شعاع الضوء ورأيت ظلي، وفكرت: يا إلهي! أدركت حينها أنه بإمكاني استخدام خلفية متحركة ثم إملاء تصميم الرقصات.” يمزج العرض بين الصنع اليدوي والدقة الفنية. في بروفة حديثة، عدّل فريق العمل حجم الظلال التي يلقيها جهازا العرض، واللذان يتناوبان للسماح بفترات انتقال سريعة بين المشاهد.
قالت نازغول أنصارينيا، وهي فنانة تشكيلية زائرة من طهران كانت تشاهد العرض من خلف الكواليس، إنها انبهرت بتعقيد العرض وسرعة سرد القصص. وقالت “في إيران، يعرف الجميع قصص وشخصيات الشاهنامة، لكن النص نفسه ليس بهذه البساطة. لقد جعله رحمانيان في متناول اليد حقا.”
بعد عرضه في مسرح النصر الجديد، سينتقل عرض “أغنية الشمال” إلى سياتل وفانكوفر، وفي الخريف، إلى المملكة العربية السعودية. ويخطط رحمانيان بالفعل للمزيد من المشاريع المستوحاة من “الشاهنامه”، بما في ذلك “تجربة سيمفونية مسرحية” تتميز بخلفيات متحركة عريضة الشاشة، و”إضاءة على طراز حفلات الرايف”، وأربعين موسيقيا حيا، بمن فيهم المغني أعظم علي. سيقوم بتأليف الموسيقى التصويرية لوغا رامين تركيان، الذي ألّف أيضا موسيقى “أغنية الشمال”.
وحين سئل “هل يقلق رحمانيان من استنفاد الموضوع؟”، هز رأسه وقال إن “أساطير كل ثقافة هي حديقة.. لكن الشاهنامه غابة.”