الحكومة المصرية مطمئنة لإلغاء دعم الوقود نهائيا دون مشاكل

القاهرة - عاد الحديث عن إلغاء دعم الوقود نهائيا في مصر بعد ضجيج شعبي وسياسي صاحب قرار الزيادة الأخيرة في أسعار المشتقات البترولية خلال أكتوبر الماضي، وفي وقت أعلن فيه صندوق النقد الدولي صرف الشريحة الرابعة من قرض حصلت عليه القاهرة العام الماضي، ما يشير إلى أن دوائر رسمية باتت أكثر اطمئنانا لتمرير زيادات تدريجية الفترة المقبلة تدعم التزامات الحكومة ببرنامج الإصلاح الاقتصادي.
وقال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إن خطة حكومته تتضمن الوصول في نهاية العام إلى وقف نزيف الدعم، مشيرا إلى أن الحكومة مستمرة في تقديم حزم دعم اجتماعي لتعويض الفئات الأكثر تأثرًا.
ويشي موقف الحكومة بأن الوضع العام في الداخل يمكن من اتخاذ قرارات صعبة تصل إلى حد رفع الدعم بشكل نهائي عن الوقود واستثناء السولار وأسطوانات البوتاجاز، مع عودة الحديث عن دراسة التحول من الدعم العيني إلى النقدي، ما يبرهن أن الحكومة ترى تضاؤل فرص وجود معارضة لقراراتها.
وأكد المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي، وزير المالية السابق في مصر، محمد معيط، أن القاهرة طلبت تمديد الجدول الزمني لرفع الدعم عن الوقود في مصر حتى 2026، إلّا أن المفاوضات مع الصندوق أفضت إلى اتفاق لإتمامه نهاية هذا العام، وأسهم استقرار سعر صرف الجنيه المصري وانخفاض أسعار النفط عالميا في تخفيف الضغوط على أسعار الطاقة محليا.
ولم تعلن الحكومة المصرية عن موعد رسمي لعودة انعقاد لجنة إعادة تسعير المنتجات البترولية التي تنعقد بشكل ربع سنوي، ولم يعلن عن انعقادها منذ آخر زيادة قررتها في أكتوبر الماضي، لكن من المتوقع أن تعود مرة للاجتماع قريبا ومعها زيادة جديدة.
ويتوقع مراقبون أن تشهد مصر زيادات بطيئة لعدم استثارة الناس عند إلغاء الدعم بشكل كامل، غير أن المشكلة تتمثل في أن توالي القرارات يؤدي إلى إرباك في الأسواق تترتب عليها ارتفاعات كبيرة في الأسعار لا تتماشى مع الزيادة المنتظرة في الرواتب، ما يقود إلى تأثير سلبي على المواطنين في وقت تحتاج فيه البلاد إلى هدوء داخلي.
وقالت عضو مجلس الشيوخ المصري فريدة النقاش إن الحكومة لم تستطع التعامل مع قضايا الدعم بالشكل الأمثل منذ نصف قرن، وتحتاج إلى حلول شاملة لا تتوقف على تخفيف الضغط على الموازنة العامة للدولة على حساب مواطنين تحملوا الكثير.
وأوضحت في تصريح لـ”العرب” أن الحكومة يمكن أن تكون اطمأنت لردة الفعل الشعبية، لكن الانعكاسات على الطبقتين المتوسطة والفقيرة قد تتجاوز فكرة الاعتراض المباشر، وتنجم أوضاع مجتمعية لا تساعد على تحقيق الاستقرار الداخلي، وثمة صعوبة في إقناع المواطنين بجدوى إلغاء الدعم على مستقبل الوضع الاقتصادي.
وأشارت إلى أن الدعم في مصر يصل إلى مستحقيه وغير مستحقيه، ولا بد أن يكون إلغاؤه بشكل نهائي عن المشتقات البترولية والكهرباء مبنيا على معلومات تفرق بين من هم في حاجة إلى الدعم وبين من لا يستحقونه وهي إجراءات لم تقدم عليها الحكومة المصرية، وأن زيادة الأجور والإنفاق على دعم السلع الرئيسية بديل مقبول حال قررت الحكومة وقف دعم الوقود نهائيا.
ووافق صندوق النقد الدولي على صرف شريحة مقدارها 1.2 مليار دولار لمصر بعد استكمال المراجعة الرابعة لبرنامجها للإصلاح الاقتصادي بموجب اتفاق بقيمة 8 مليارات دولار مع الصندوق، بخلاف 1.3 مليار دولار تمويل الصلابة والمرونة الذي أقره الصندوق في اجتماعه المنعقد يوم الاثنين الماضي.
وقالت أستاذة الاقتصاد بجامعة عين شمس في القاهرة يُمن الحماقي إن الحكومة المصرية عليها التفرقة في التعامل بين الدعم الموجه إلى وقود “95” وهو يستخدمه الأغنياء وبين المازوت أو بنزين 80 وبنزين 92 الذي تستخدمه الطبقة المتوسطة التي لم تعد كذلك نتيجة ما حدث من تحولات بفعل تراجع قيمة الجنيه وارتفاع معدل التضخم، ولا يتحمل الجزء الأكبر من المشتقات النفطية زيادات جديدة مع المغالاة في أسعار وسائل النقل الجماعي والخاص بمصر.
◙ الحكومة تطمئن لردة الفعل الشعبية، لكن الانعكاسات على الطبقتين المتوسطة والفقيرة قد تتجاوز فكرة الاعتراض المباشر
وأكدت في تصريح لـ”العرب” أن قطاعات ليس قليلة من المواطنين تواجه مشكلات في الوصول إلى أعمالها نتيجة زيادة أسعار وسائل المواصلات، وبعض الناس يجدون صعوبات في التنقل ويفضلون البقاء في المنزل، وهو ما يجعل الحكومة أمام خطوات خطيرة للغاية، ولا يجب تمرير الزيادات قبل أن يحدث ارتفاع في معدل النمو الاقتصادي وتوفير فرص عمل جيدة كي يتحمل المواطنون تبعاتها.
ورجحت يُمن الحماقي أن تسير الحكومة بسياسة رد الفعل، ولا تُقدم على قرارات رفع الدعم إلى حين معرفة ردة فعل المواطنين، وعلى أساسها تقرر كيفية التعامل مع الوضع الراهن، وفي آخر زيادة قررت تجميد رفع أسعار الوقود لمدة ستة أشهر، ومن المتوقع حدوث زيادات جديدة قبل بداية السنة المالية في يوليو المقبل.
ومع رفع دعم الوقود فإن الوضع على المستويين الاقتصادي والاجتماعي سيكون صعبا في مصر، وفي حاجة إلى تعامل حساس للغاية، وكان من المفترض أن تقدم مصر أدلتها على عدم قدرتها الوفاء بالتزامات برنامج الصندوق نتيجة للأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة، والتضحية بمليار دولار حاليا والذهاب باتجاه تشجيع الاستثمارات وتنظيم عملية التصدير بدلا من أن يصبح البديل اتخاذ إجراءات حيوية غير مضمون رد الفعل الشعبي عليها.
وتأتي الإجراءات المنتظرة وسط ضغوط اقتصادية متزايدة، إذ تسعى الحكومة نحو خفض الإنفاق العام وتقليل عجز الموازنة، خاصة أن دعم الوقود في مصر يستحوذ على حوالي 154 مليار جنيه (3 مليارات دولار) خلال العام المالي الحالي.
وقالت مديرة بعثة الصندوق في القاهرة إيفانا هولار إن السلطات المصرية التزمت بأن تصبح أسعار منتجات الوقود عند مستوى استرداد التكاليف بنهاية ديسمبر 2025، وهذا الالتزام من أهم الخطوات لتحقيق التوازن المالي المطلوب، ويعكس الجهود لتحقيق استدامة اقتصادية، كخطوة مهمة لتقليل العجز في ميزان المدفوعات.