ماذا تريد إسرائيل من سوريا

نفذت إسرائيل هجمات منتظمة على سوريا لـ”الدفاع” عن الأقلية الدرزية في جنوب البلاد، رغم أن الإدارة السورية الجديدة أكدت أنها لن تشكل أي خطر يهدد إسرائيل. فهل تريد إسرائيل حماية الأقلية الدرزية حقًا أم أن أهدافا جيوستراتيجية أشمل تقف وراء تحركاتها؟
دمشق - تتسم المقاربة الإسرائيلية تجاه سوريا الجديدة بنهج عدائي إذ تنظر القيادة الإسرائيلية إلى التحولات الجيوسياسية الناشئة كتهديد لأمنها القومي، فيما لا يستبعد مراقبون أن تخطط تل أبيب لمواجهة أوسع نطاقا مع السلطات الانتقالية الجديدة في دمشق.
ويتزايد تركيز إسرائيل على التطورات في سوريا. وخلال الشهر الماضي راقب المسؤولون الإسرائيليون عن كثب التطورات في دمشق وجنوب سوريا قرب الحدود الإسرائيلية. وفي أواخر فبراير، صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن إسرائيل تُطالب “بنزع السلاح الكامل من جنوب سوريا في محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء من قوات النظام الجديد.”
وعلاوة على ذلك، يصرّح نتنياهو بأن إسرائيل “لن تتسامح مع أي تهديد للدروز في جنوب سوريا.” ولدعم سياسة إسرائيل، زار رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي الجديد إيال زامير، الذي تولى منصبه في 5 مارس خلفًا لهرتس هاليفي، مرتفعات الجولان في 9 مارس.
ويواجه زامير العديد من التحديات المُعقّدة، ومن واجبه استعادة الثقة في جيش الدفاع الإسرائيلي بعد هجوم 7 أكتوبر 2023. ومع ذلك، فإن زيارته بعد أيام قليلة من توليه قيادة الجيش تُظهر مدى تركيز إسرائيل الدقيق على هذه الحدود الشمالية.
والتقى زامير بقائد فرقة جيش الدفاع الإسرائيلي المسؤولة عن حدود الجولان مع سوريا. كما زار مواقع جيش الدفاع الإسرائيلي على طول ما يُطلق عليه جيش الدفاع الإسرائيلي “منطقة الفصل” مع سوريا. وهذا هو خط وقف إطلاق النار الذي يعود تاريخه إلى عام 1974. ومع ذلك، توغلت إسرائيل في منطقة عازلة على طول هذا الخط منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر الماضي.
وأنشأ جيش الدفاع الإسرائيلي مواقع جديدة في المنطقة العازلة وعلى قمة جبل الشيخ، القمة الجبلية المُطلة على جنوب سوريا وشمال إسرائيل ولبنان. وقد سيطرت قوات جيش الدفاع الإسرائيلي على الجانب السوري من الجبل في 8 ديسمبر.
واتسمت التحركات الأولى بالهدوء في البداية، وتضمنت ضربات على معدات عسكرية تابعة للنظام السوري السابق، مثل المطارات والمروحيات. إلا أن تحولاً ملحوظاً في الموقف حصل أواخر فبراير وأوائل مارس. وفي 9 مارس، نشرت وزارة الخارجية الإسرائيلية منشورا على مواقع التواصل الاجتماعي مرفقا بصورة للرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع.
وقالت الوزارة "الجهاديون الذين يرتدون البدلات لا يزالون جهاديين. والمجزرة في سوريا تثبت ذلك." وجاء بيان الوزارة في أعقاب القتال في مدينة اللاذقية السورية، حيث قُتل العديد من المدنيين. وتضمن القتال في البداية هجمات على قوات الأمن السورية من قبل مسلحين لا يزالون موالين للأسد، تلتها عمليات انتقامية من قبل جماعات مسلحة مرتبطة بالحكومة السورية الجديدة.
وقد شنت هذه الأخيرة عمليات انتقامية، مما أسفر عن مقتل ما يصل إلى مئات المدنيين من الطائفة العلوية في اللاذقية التي شكلت قاعدة دعم النظام السابق. وبعد عمليات القتل في اللاذقية التي تحمل دلالات سياسية ودينية أدان المسؤولون الإسرائيليون المجزرة وحذّروا دمشق من تكرارها بحق الأكراد أو الدروز في سوريا.
وكتب وزير الشتات الإسرائيلي ومكافحة معاداة السامية، عميخاي تشيكلي، أن “إسرائيل ستعمل على حماية الأقلية الدرزية في المناطق القريبة من حدودها، ويجب بذل الجهود للدفاع عن جميع الأقليات في سوريا، مع التركيز على الأكراد، من الإبادة الجماعية التي ترتكبها هيئة تحرير الشام.”
ويقول الباحث سيث فرانتزمان في تقرير نشرته مجلة ناشيونال إنتريست إن إسرائيل الآن تستهدف الرئيس السوري الشرع وهيئة تحرير الشام تحديدًا.
وقد عملت الهيئة على ترسيخ سيطرتها وتوحيد الجماعات السورية المتمردة السابقة الأخرى لتشكيل حكومة انتقالية. وقد أجرى الشرع ووزير خارجيته محادثات مع مبعوثين أوروبيين. كما سافر إلى السعودية وتركيا ومصر والأردن لعقد اجتماعات. ولكن القوى العالمية والغرب تعاملت معه بحذر.
وتمثل إدانات إسرائيل لدمشق وقرارها بفرض نزع السلاح في جنوب سوريا تحديًا محتملًا للشرعية، كما تُظهر استعداد إسرائيل لاتخاذ موقف أكثر عدوانية. وقد نفذت إسرائيل عمليات عسكرية في سوريا على مر السنين، ومعظمها كان سرّيا.
وخلال الحرب الأهلية السورية، شنّ جيش الدفاع الإسرائيلي ضربات متكررة على تهريب الأسلحة الإيرانية إلى البلاد. وتزايدت هذه الضربات على مر السنين مع سعي إيران إلى لعب دور أكبر في سوريا بعد عام 2015. وأطلق الإسرائيليون على هذه العمليات اسم “المعركة بين الحروب.”
وعندما سقط نظام الأسد، بدا الأمر خبرًا سارًا لإسرائيل. فقد سهّل النظام دعم إيران لحزب الله. ولم يكن الأسد قريبًا من إيران فحسب، بل استضاف أيضًا جماعات عسكرية فلسطينية مثل الجهاد الإسلامي الفلسطيني، التي لعبت دورًا في 7 أكتوبر.
◙ الخطاب الإسرائيلي الذي يدين الحكومة السورية الجديدة هو مجرد خطاب حتى الآن وواضح أن تل أبيب تعمل على صياغة سياسة جديدة أكثر قوة في سوريا
ومع ذلك، لم يحدث أي توافق مع السلطات الجديدة في دمشق. بدلًا من ذلك، نفّذ جيش الدفاع الإسرائيلي ضربات في جنوب سوريا مستهدفًا قواعد النظام السوري السابقة. وفي الوقت الحالي، تتكون قوات الأمن التابعة للشرع من رجال يحملون أسلحة خفيفة ومركبات مدنية مثل شاحنات البيك أب التي أُعيد استخدامها للاستخدام العسكري. وهم، باختصار، لا يشكلون جيشا نظاميا، كما تُظهر المجازر في اللاذقية افتقار الشرع للسيطرة على قواته.
وبعض من يدعمون الحكومة الجديدة هم من المتمردين السوريين السابقين في جنوب سوريا. وقد تلقت بعض هذه الجماعات دعمًا ضمنيًا من إسرائيل والأردن خلال الحرب الأهلية. ولذلك، من المرجح أن يكونوا مرنين، في الوقت الحالي، تجاه سياسات إسرائيل الجديدة. وتبعا لذلك تلوح في الأفق أسئلة أوسع: هل ستبذل إسرائيل المزيد من الجهود لدعم الدروز؟ هل سيطلب الدروز مساعدة إسرائيل أم سيجدون تسوية مع دمشق، كما يبدو أنه يحدث؟
وعلى بُعد حوالي ثلاثين ميلًا من حدود الجولان، تلعب مناطق أخرى دورًا أساسيًا في جنوب سوريا. ويدير الجيش الأميركي حامية في التنف بالقرب من الحدود الأردنية العراقية. وفي هذا المكان تدعم الحامية الجيش السوري الحر، وهي وحدة صغيرة من المتمردين السوريين السابقين دُرّبت لمحاربة داعش.
وفي حين أن الخطاب الإسرائيلي الذي يدين الحكومة السورية الجديدة هو مجرد خطاب حتى الآن، فمن الواضح أن تل أبيب تعمل على صياغة سياسة جديدة أكثر قوة في سوريا.
ويقول أندرياس كريغ، المحاضر الأول في كلية الدراسات الأمنية في كينغز كوليدج إن “آخر ما ترغب به إسرائيل هو تشكيل حكومة شاملة في سوريا تعمل على استقرار البلاد إلى الحدّ الذي يسمح لها بامتلاك القدرة على القتال ضد إسرائيل.”