الأقليات في سوريا: مجموعات ضعيفة أم ثغرات سياسية

رغم التطمينات بمستقبل تعددي وديمقراطي التي وجهتها القيادة الجديدة، لا تزال الأقليات في سوريا متشككة. وهمش الحوار الوطني الذي انعقد مؤخرا في سوريا مكونات أقلية ما يعزز المخاوف.
دمشق - أثار سقوط دكتاتورية عائلة الأسد التي استمرت لعقود من الزمن في ديسمبر 2024 الآمال في سوريا أفضل. ولكن هل جلبت الأمل لجميع السوريين؟
وأظهر اندلاع الاحتجاجات السلمية في سوريا في عام 2011 رغبة الشعب السوري في حكومة تمثلهم حقا. ومع صعود الجماعات المتطرفة في سوريا في السنوات الأولى من الحرب الأهلية التي تلت ذلك، وأبرزها داعش الذي سيطر على أجزاء كبيرة من سوريا، رأى العديد من الناس أن البديل لنظام الأسد كارثي.
واستخدم النظام صعود داعش وحتى دعّم بقاءه في محاولة لتصنيف جميع قوى المعارضة السورية على أنها “إرهابية”.
وكانت إستراتيجية الأسد فعالة، وحظي بدعم محلي ودولي من خلال دفع فكرة أن الأقليات العرقية والدينية في سوريا سوف تتعرض للاضطهاد بدونه ونظامه.
ولعبت التركيبة السكانية العرقية والدينية المتنوعة في سوريا ــ مثل الآشوريين والأرمن والأكراد والمسيحيين والدروز والإسماعيليين والعلويين ــ دورا رئيسيا في نجاح هذه الإستراتيجية. فقد وقعت هذه المجتمعات في معضلة الحياة والموت، حيث بدا الحكم الدكتاتوري المألوف، على الرغم من قمعه، أفضل من حالة عدم اليقين التي يفرضها تنظيم داعش الإرهابي.
الأقليات الدينية والعرقية في سوريا لعبت منذ فترة طويلة دورا محوريا في تشكيل ديناميكيات المشهد السياسي
ولكن في الثامن من ديسمبر من العام الماضي، تغير السيناريو بشكل كبير. فقد فرّ الأسد إلى موسكو وانهار نظامه. وأما الحكومة الجديدة بقيادة زعيم هيئة تحرير الشام، الرئيس المؤقت أحمد الشرع، فتقدم واقعا مختلفا تماما.
وقال الشرع “نحن نعمل على حماية الطوائف والأقليات من أيّ اعتداء، سواء أكان من الداخل أو من قوى خارجية تحاول استغلال الوضع لإثارة الفتنة الطائفية.”
ويقول مانوج عنتابي، الباحث في مركز دراسات الصراع والعمل الإنساني، في تقرير نشره موقع “مونيتور الشرق الأوسط” إنه مع ذلك، فإن الأقليات في سوريا لم تنظر إلى مثل هذه التصريحات على أنها ضمانة لحمايتها، ويرجع ذلك أساسا إلى التاريخ المقلق للرئيس المؤقت وجماعته السابقة المرتبطة بتنظيم القاعدة.
وبالتالي، أصبحت قضية الأقليات وحمايتها موضوعا مركزيا للنقاش في سوريا وتلك البلدان التي تخطط لإقامة علاقات مع الحكومة في دمشق.
وهذا أعطى قضية الأقليات أهمية خاصة، وشكل أول اختبار رئيسي للشرع في المجال السياسي. ومع ذلك، لا يمكن حل القضية ببساطة من خلال الظهور العلني والتصريحات حول ما ستفعله حكومته أو لن تفعله.
ومن الواضح أن حماية الأقليات في سوريا تشكل أهمية بالغة لإرساء الديمقراطية في سوريا. وفضلا عن ذلك، فإنها تشكل أهمية أعظم بالنسبة إلى الشرع وحكومته، لأن شرعيته داخل سوريا وعلى الساحة الدولية تعتمد عليها، إذ أن شرعية الأسد كانت متجذرة في قدرته على تقديم مظهر الوحدة والتماسك بين الأقليات في سوريا.
واستغلت القوى الإقليمية والدولية الساعية إلى تعزيز مصالحها في سوريا أو الضغط على الشرع للموافقة على مطالبهم وضعية الأقليات.
ويتجلى هذا في أمثلة مجموعتين أقليتين في سوريا، الدروز، الذين يشكلون ثلاثة في المئة من السكان، والأكراد، الذين يشكلون عشرة في المئة.
ويتركز أغلب أفراد الطائفة الدرزية في المناطق الجنوبية من سوريا. ورغم أن الزعيم الروحي الدرزي الشيخ حكمت الهاجري دعا شعبه إلى “حماية الممتلكات العامة والخاصة كواجب وطني وأخلاقي، ومنع أعمال التخريب وعرقلة أيّ محاولة لتقويض الأمن والاستقرار في السويداء،” فإن قضية الدروز كانت بمثابة خرق أمني خطير لسوريا.
وأظهرت إسرائيل استعدادها لحماية الدروز، بحجة أن القوات السورية كانت تهاجم الأقلية. وأصرت إسرائيل على أنها “لن تسمح للنظام الإرهابي للإسلام المتطرف في سوريا بإيذاء الدروز،” فـ”إذا أذى النظام الدروز، فسوف نؤذيهم.”
وغزت القوات الإسرائيلية واحتلت المناطق الجنوبية من سوريا، وحذرت دمشق من أن القوات السورية يجب ألا تدخل تلك المناطق.
إستراتيجية الأسد كانت فعالة وحظيت بدعم محلي ودولي من خلال دفع فكرة أن الأقليات العرقية والدينية في سوريا سوف تتعرض للاضطهاد
ويمثل الأكراد حالة مماثلة. فقد قال مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية – وهي جماعة مسلحة يقودها الأكراد وتدعمها الولايات المتحدة وتعارض الأسد – إن حكومة الشرع “تقدم فرصة لبناء سوريا جديدة قائمة على الديمقراطية والعدالة التي تضمن حقوق جميع السوريين.”
ومع ذلك، فقد طلب من الرئيس الأميركي دونالد ترامب إبقاء القوات الأميركية في سوريا لمنع عودة ظهور داعش في فراغ السلطة في سوريا.
وتم لعب ورقة الأقلية مرتين في الواقع، لأن قوات سوريا الديمقراطية لديها أيضا مقاتلون مسيحيون.
ونتيجة لذلك، بقيت القوات الأميركية في شرق سوريا، رسميا لدعم قوات سوريا الديمقراطية، ولكن في الواقع للاستفادة من موارد سوريا ومضاعفة وجودها العسكري، وبالتالي تحدي سيادة البلاد.
ولعبت الأقليات الدينية والعرقية في سوريا منذ فترة طويلة دورا محوريا في تشكيل المشهد السياسي في البلاد، إلا أن موقفها لا يزال محفوفا بالمخاطر في ظل حالة عدم الاستقرار المستمرة.
وفي حين ينظر إليها البعض باعتبارها ضرورية لتعزيز مستقبل تعددي وديمقراطي، ينظر إليها آخرون باعتبارها أدوات للضغط السياسي من جانب الجهات الفاعلة المحلية والأجنبية على حد سواء.
ولمعالجة هذه القضية بشكل فعال، يتعين على الرئيس المؤقت وحكومته اتخاذ خطوات جريئة وحاسمة لبناء سوريا شاملة، حيث لا يكون الحوار الوطني رمزيا فحسب، بل وأيضا ذا معنى وتحوّل حقيقي.