العراق يمكنه الاستغناء عن غاز إيران وكهربائها

استخدام الوقود السائل والاستيراد من السعودية يحرران بغداد من التبعية لطهران.
السبت 2025/03/08
الاستقلال في مجال الطاقة ممكن

يضع انتهاء صلاحية الإعفاءات من العقوبات الأميركية المتعلقة بتصدير غاز إيران وكهربائها إلى العراق، بغداد أمام تحدي الفكاك السريع من الارتهان للغاز الإيراني. ورغم أن المهمة ليست سهلة إلا أن البدائل تبدو متوفرة.

بغداد - يرى محللون أن العراق بات قادرا على تنويع مصادر طاقته وبالتالي الاستغناء عن الكهرباء الإيرانية وذلك بالاعتماد على مزودين آخرين، ما يُمكّنه من تحقيق الاستقرار الطاقي للمرة الأولى في صيف 2025.

وانتهت صلاحية الإعفاءات الأخيرة من العقوبات الأميركية التي منحتها إدارة الرئيس السابق جو بايدن والمتعلقة بتصدير غاز إيران وكهربائها إلى العراق أمس الجمعة 7 مارس، بعد مرور 120 يومًا على سريانها.

وكانت إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب قد أشارت صراحة إلى عزمها على عدم توقيع الإعفاءات مرة أخرى وفق ما ورد في المذكرة الرئاسية للأمن القومي الصادرة في 4 فبراير 2025، والتي تستهدف إعادة فرض أقصى درجات الضغط على إيران.

ويقول الدكتور مايكل نايتس، المتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية للعراق وإيران ودول الخليج العربي، في تقرير نشره معهد واشنطن “إن العراق أصبح الآن أقرب من أي وقت مضى إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة، لاسيما مع استمرار إيران في قطع إمداداتها عن العراق بشكل متكرر بسبب أزماتها الداخلية.”

واشنطن تستطيع مساعدة بغداد على تنويع مصادر الطاقة والاعتماد على موردين آخرين، ما يُمكّنها من الاستقرار

وفي عام 2011 نص “قانون إقرار الدفاع الوطني”، وهو قانون يحدد موازنة الدفاع الأميركية، على فرض عقوبات على البنك المركزي الإيراني، لكنه منح استثناءات (إعفاءات) للدول التي خفضت مشترياتها من النفط الخام الإيراني بشكل كبير أو في الحالات التي اقتضت فيها مصلحة الأمن القومي الأميركي ذلك.

وعلى الرغم من أن العراق يُعدّ قوة رئيسية في قطاع الطاقة، فإنه يفتقر إلى الاكتفاء الذاتي في مجالي الغاز والكهرباء، ما يجعله يعتمد على إيران في تعويض جزء من هذا النقص.

وقد مُنحت بغداد إعفاء لأكثر من عقد من الزمن، بما في ذلك خلال إدارة ترامب الأولى.

وكان العراق قد تعرض لخطر توقف واردات الكهرباء الإيرانية (حوالي 1.2 جيغاواط) وواردات الغاز، التي أتاحت توليد 8.8 جيغاواط إضافية من الطاقة في المولدات العراقية.

وحينما أصدرت إدارة ترامب الأولى إعفاءات من العقوبات على مضض، حتى خلال حملة “الضغط الأقصى”، كانت الكمية البالغة 10 جيغاواط تشكل 40 في المئة من الطاقة القصوى التي يمكن أن يولدها العراق.

ويمكن القول إن الصورة اليوم باتت مختلفة، فالعراق يهدف إلى إنتاج 28 جيغاواط من الطاقة خلال موسم ذروة الطلب في صيف 2025، وهو ما سيظل يلبي فقط 60 – 75 في المئة من إجمالي ذروة الطلب. غير أن مساهمة إيران لم تعد تمثل النسبة الضخمة التي كانت تبلغ 40 في المئة من إنتاج الطاقة العراقي.

ومن أصل 10 جيغاواط التي اعتادت إيران توفيرها، انخفضت الكمية مؤخرًا إلى 1.5 جيغاواط فقط، حيث قررت إيران إيقاف ثلثي صادرات الكهرباء إلى العراق و85 في المئة من الغاز الذي التزمت بتوفيره في شتاء 2024 – 2025. ومن المرجح أن تقطع إيران إمدادات الطاقة إلى العراق مرة أخرى في صيف 2025.

ويُظهر تعليق إيران الأحادي لإمدادات الطاقة والغاز في عام 2024 مدى قدرة العراق على تعويض معظم هذه الإمدادات اليوم بسهولة نسبية.

حاجة ماسة للغاز

وخلال الشتاء الماضي خسر العراق 5.2 جيغاواط فقط من الطاقة بسبب عدم اتخاذه الاستعدادات الكافية لاستبدال الإمدادات الإيرانية، رغم توفر بدائل مثل النفط الخام وزيت الوقود وزيت الديزل الخفيف.

وبالرغم من غياب التحضير المسبق، تمكن العراق من تعويض 3.3 جيغاواط بشكل فوري عبر تحويل أجزاء من ثلاث محطات إلى الوقود السائل المحلي.

وإذا كان العراق مستعداً لمثل هذا التحول في الصيف القادم، فإن ما يصل إلى 8.1 جيغاواط من أصل 8.8 جيغاواط من توليد الطاقة المعتمد على الوقود الإيراني يمكن تحويله إلى المواد الأولية السائلة، والتي يتوفر معظمها في المخزون العراقي نفسه. بيد أن أحد العوائق أمام استخدام زيت الوقود لتوليد الطاقة يكمن في استحواذ جماعات عراقية مدعومة من إيران -والمصنفة منظمات إرهابية من قبل الولايات المتحدة- على هذا الوقود لاستغلاله في عمليات تهريب النفط إلى الأسواق الدولية.

ويعني طمس شبكة التهديدات الإيرانية –حماس وحزب الله ونظام بشار الأسد- بالإضافة إلى الدفاعات الجوية الإيرانية، أن هناك فرصة لإرخاء قبضة إيران على العراق، ولكن فقط إذا تم الحفاظ على الزخم.

وفي الوقت الراهن ينتظر القادة العراقيون إشارة، غير أن إدارة ترامب لديها سياسة مغايرة وأقوى في العراق مقارنة بفريق بايدن.

وتتمحور الكثير من القضايا المهمة حول موقف الميليشيات المدعومة من إيران التي تدير العراق؛ هل يتعين عليها أن تفرج عن الرهائن الذين يحاول فريق ترامب تحريرهم، وهل ينبغي لها أن تحترم العقود الموقعة مع المستثمرين الأميركيين في كردستان العراق؟

تعليق إيران الأحادي لإمدادات الطاقة والغاز في عام 2024 يُظهر مدى قدرة العراق على تعويض معظم هذه الإمدادات اليوم بسهولة نسبية

وتنص مذكرة إدارة ترامب الرئاسية للأمن القومي صراحة على أنه يجب على “وزير الخارجية تعديل أو إلغاء الإعفاءات من العقوبات، لاسيما تلك التي تمنح إيران أي درجة من الإعفاء الاقتصادي أو المالي.” وسواء نفّذ فريق ترامب هذه السياسة أو تعثر عند العقبة الأولى، تبقى هذه القضية محور النقاش حاليًا.

ولم يكن هناك وقت أكثر منطقية من أي وقت مضى لدفع العراق إلى خط النهاية للتحرر من التبعية لإيران في مجال الطاقة. فإذا تحول العراق إلى استخدام الوقود السائل لعدة أشهر، فإن الاعتماد على إيران في فصل الصيف يمكن أن ينخفض إلى أقل من 4 في المئة وليس 40 في المئة من ذروة توليد الطاقة.

وهذا الأمر من شأنه أن يحد من تأثير نقص الإمدادات الإيرانية على العراق، عبر زيادة الاعتماد على مواده الخام.

ويحفز التهديد بالحرمان من الإعفاءات (ونقص الإمدادات الإيرانية) العراق، للمرة الأولى، على التحرك بسرعة لاستبدال الطاقة الإيرانية وتعجيل خطط استيراد الكهرباء من المملكة العربية السعودية، وجلب بوارج توليد الكهرباء المعيارية وسفن استيراد الغاز الطبيعي المسال إلى الساحل العراقي.

ويرى نايتس أنه ينبغي تشجيع هذا الاتجاه ودعمه بشكل أكبر، وذلك لمصلحة العراق بقدر ما هو لمصلحة الأمن القومي الأميركي.

ويمكن أن يشكل انتهاء الإعفاءات من العقوبات في 7 مارس بداية تحرير العراق من قبضة إيران، حيث ينبغي أن يترافق ذلك مع زيادة في المواد الإعلامية الموجهة الى الجمهور العراقي والتي توضح عدم موثوقية إمدادات الطاقة الإيرانية وكلفتها المرتفعة والحاجة الملحة إلى تقليص الاعتماد على إيران في نهاية المطاف.

6