رمضان شهر تعاضد ومحبة بين العراقيين

المساعدات في رمضان لا تقتصر على الطعام فقط بل تمتد لتشمل الكلمة الطيبة التي تزرع البهجة في قلوب المحتاجين.
الخميس 2025/03/06
تسامح ورحمة

بغداد - بحماس كبير، ينتظر خالد (33 عاماً)، وهو أحد سكان مدينة بغداد، الصحون التي ستعدها زوجته خصيصاً لتوزيعها بين الجيران، حيث يقول "لأن رؤية جاري وهو يفتح الباب ويبتسم عند تسلم صحن الطعام، ثم يقول لي ‘إن شاء الله واصل‘، هي أكثر ما أفتقده في رمضان، وهي من اللحظات التي لا تكون بنفس القوة في الأشهر الأخرى."

ويضيف خالد في حديثه لوكالة الأنباء العراقية (واع)، إن "تنوع أصناف الأطعمة واختلاف ألوان وأشكال الصحون القادمة من الجيران، يضفي على روحه بهجة كبيرة، وهذا الشهر أعمق من فكرة الأكل والامتناع عنه، وكل هذا الطعام القادم إلى مائدتي من جيراني ما هو إلا رسائل تعاضد ومحبة لا أراها في مكان آخر سوى في بلادي."

رمضان في العراق ليس مجرد طقوس دينية، بل هو محطة سنوية تبرع بإظهار قيم التكافل الاجتماعي والهوية الثقافية التي تتجدد مع كل موسم. وتعود العادات والتقاليد التي تجمع بين الموروث الشعبي وروح العصر للتذكير في هذا الشهر بفرص تعزيز الروابط الاجتماعية وإحياء قيم التكافل والتعاون.

وتقول أم علي، إحدى ربات البيوت في بغداد، “كانت أمهاتنا وجداتنا يحرصن على طبخ كميات كبيرة من الطعام تتجاوز حاجة الأسرة، وذلك لتوزيعها بين الجيران والمحتاجين، وفي أيام الخميس والجمعة، كنا نذهب بهذه الأطعمة إلى المساجد التي تقيم موائد إفطار جماعية تستقبل المئات من الصائمين.”

وأضافت “إذا كانت هناك عائلة فقيرة في الحي، فإن الأهالي يتعاونون لتوفير المواد الغذائية الأساسية مثل الأرز والطحين والزيت، بالإضافة إلى الطعام المطبوخ يومياً، وهذا العمل ليس للتباهي، بل هو تعبير عن المحبة والتعاون."

وبينت أن "هذه العادات تعيد إلى الناس ذاكرة الاهتمام بالغير بعد أن تجبرهم الأيام الأخرى على النسيان، يأتي رمضان مثل قلب رحيم، يعيد إلى الناس بريق أرواحهم، ولا تقتصر المساعدات في رمضان على الطعام فقط، بل تمتد لتشمل توفير احتياجات أخرى مثل السكن والملابس وحقائب المدارس للأطفال، فضلاً عن الكلمة الطيبة التي تزرع البهجة في قلوب المحتاجين."

رمضان في العراق ليس مجرد طقوس دينية، بل هو محطة سنوية تبرع بإظهار قيم التكافل الاجتماعي والهوية الثقافية
◙ رمضان في العراق ليس مجرد طقوس دينية، بل هو محطة سنوية تبرع بإظهار قيم التكافل الاجتماعي والهوية الثقافية

من جانبها، تحدثت أسمهان محمد، وهي موظفة في إحدى المؤسسات الحكومية، عن الشهر الكريم، قائلة “نلاحظ أن بعض أصحاب المحال يستغلون شهر رمضان لرفع أسعار المواد الغذائية، لكنني أراقب أيضاً أن الكثير منهم يتساهلون مع الجميع، فالكثير من الباعة يعطون المواد الغذائية بالدين للأسر ذات الدخل المحدود، ويتركون لهم حرية التسديد بعد انتهاء الشهر، وهذا يعكس روح التعاون التي يريد أن يوليها لنا رمضان."

وأضافت أسمهان "من العادات التي أحبها في رمضان هي زيارة الجيران بعد الإفطار لتناول الشاي أو الحلويات، كون هذه الزيارات تعزز أواصر المحبة بين الأهالي، كما أن جلوس الرجال في المقاهي بعد الإفطار للحديث وتبادل الأخبار هو من التقاليد التي تمنح الشهر طابعاً خاصاً، ونفتقد رؤية هذه التفاصيل، وأصبحت مثل “تراث” لا يمكن الحصول عليها بسهولة، لكن هذه اللحظات حيث يلتقي كبار السن مع الشباب في جو مليء بالدفء والذكريات، مع أصوات قرع الدومينو وملاعق الشاي، تمنح نكهة عراقية نحتاجها جميعنا.

وتابعت أسمهان "رمضان له طابع سحري في جعل الناس أكثر قرباً من بعضهم، والشهر الكريم يذكرنا بأهمية التواصل والتراحم ففي الأيام العادية قد يجلس كل منا لوحده لتناول طعامه أو حتى لرؤية التلفاز بعد عودته من العمل أو الجامعة لكن في رمضان تمتلئ الأرض أو الموائد والكراسي بجميع أفراد العائلة، كلهم يجلسون في مكان واحد، ووقت واحد، مما يعيد إحياء الروابط الاجتماعية التي قد تضعف بسبب ضغوط الحياة.”

وفي حديثه عن تأثير التكنولوجيا في الحياة الأسرية، قال الأب أبوأحمد، وهو موظف في القطاع الخاص “للأسف، أصبحت الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي تسيطر على حياتنا اليومية، مما جعل أفراد العائلة منعزلين عن بعضهم البعض، كل شخص في غرفته، منغمس في عالمه الافتراضي، لكن رمضان يأتي ليعيد إلينا هذه الروح الجماعية.”

وأكمل أبوأحمد، “في رمضان، نحاول التخلص من هذا الانعزال، ونجتمع كعائلة واحدة بعد الإفطار لمشاهدة البرامج والمسلسلات الرمضانية، أو نذهب لزيارة الأهل والأقارب، هذه اللحظات تعيد لنا الذكريات الجميلة، حيث كنا نجتمع في غرفة واحدة، نتبادل الأحاديث والضحكات، لأن رمضان يعلمنا أن الحياة الحقيقية ليست على الشاشات، بل في التواصل المباشر مع من نحب.”

وتابع، “الشهر الفضيل فرصة ذهبية لإعادة ترتيب أولوياتنا، ونتعلم كيف نبتعد قليلاً عن الضجيج الرقمي ونركز على العلاقات الإنسانية وهذه القيم هي ما يجعل رمضان شهراً مميزاً، ليس فقط للصيام، بل لإعادة اكتشاف معنى العائلة والمجتمع.”

ويقول علي حسن، الطالب الجامعي البالغ من العمر 22 عاماً،  "رمضان بالنسبة إليّ ليس فقط شهر الصيام، بل هو فرصة ذهبية لإعادة تنظيم حياتي، ففي هذا الشهر، أجد نفسي أكثر قدرة على التركيز في دراستي وتنظيم وقتي بين العبادة والمذاكرة، والصيام يعلمني الانضباط والصبر، وهما قيمتان أحتاجهما في حياتي الجامعية والعملية.”

ويضيف علي "كما أن رمضان يعطيني فرصة للتقرب أكثر من أصدقائي وعائلتي. فبعد الإفطار، نلتقي في المساجد لأداء صلاة التراويح، أو نجلس معاً لتبادل الأحاديث والمشاريع المستقبلية. هذا الشهر يعيد إليّ التوازن ويذكرني بأهمية أن أكون إنساناً فاعلاً في مجتمعي."

16