الأمم المتحدة أمام امتحان ذاتي لمصداقية ما تقوله عن إيمانها بحقوق الإنسان

إلغاء فرع الإجراءات الخاصة، الذي يقدم التقارير والتوصيات بشأن حقوق الإنسان، يختبر مصداقية المنظمة الدولية.
الأربعاء 2025/03/05
اتهامات لا تهدأ

نيويورك - قد يتعثر جدول أعمال الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان بسبب “إعادة الهيكلة” المخطط لها لمكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان ومقره جنيف. وسيؤدي هذا الاقتراح إلى إلغاء فرع الإجراءات الخاصة، الذي أنشأه مجلس حقوق الإنسان لتقديم التقارير والتوصيات بشأن حقوق الإنسان من منظور مواضيعي وقُطري محدد. ويبقى السؤال ما إذا كان مجلس حقوق الإنسان سيوافق على إعادة الهيكلة المقترحة. وتوجد أكثر من 46 ولاية مواضيعية و14 ولاية خاصة ببلدان محددة.

ويشرف المقررون الخاصون، المعروفون أيضا باسم خبراء الأمم المتحدة المستقلين في مجال حقوق الإنسان، على مجموعة واسعة من الاهتمامات المواضيعية، كالتحقيقات في حالات الإعدام خارج نطاق القضاء أو بإجراءات موجزة أو تعسفا، والعنصرية وكراهية الأجانب، وحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، وحرية الرأي والتعبير، وحقوق الشعوب الأصلية، والعنف ضد المرأة، وحقوق المهاجرين، من بين قضايا أخرى.

وقال إيان ريتشاردز، الخبير الاقتصادي في مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) ومقره جنيف، والأمين التنفيذي السابق لمجلس التنسيق لموظفي مكتب الأمم المتحدة في جنيف، في حديثه لخدمة إنتر برس إن دور موظفي فرع الإجراءات الخاصة يعدّ حاسما في دعم عمل المقررين الخاصين. وأشار إلى أن الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان وصف عملهم بـ”جوهرة تاج” نظام حقوق الإنسان التابع للمنظمة.

وصرح ريتشاردز “نحن نعلم أن بعض أعمالهم الأخيرة واجهت معارضة. ويوجد تصور بأنهم يعاقبون على ذلك.” وأضاف أن المفوض السامي لحقوق الإنسان لم يقبل الاجتماع مع نقابة الموظفين لمناقشة هذا الأمر “غير المعتاد”. وتابع “نأمل أن يعيد النظر في هذا.” وقد انتقد بعض المقررين الخاصين العديد من الدول الأعضاء، بما في ذلك إسرائيل، بسبب جرائم الحرب في غزة، وكذلك بلدان في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا، مثل سنغافورة لمواصلتها تطبيق عقوبة الإعدام.

وفي بيان صحفي صدر الأسبوع الماضي، حث اثنان من المقررين الخاصين سنغافورة على وقف الإعدام الوشيك للمواطن الماليزي بانير سيلفا مبرانثامان بتهمة تهريب المخدرات. وذكر الخبراء “طالبنا سنغافورة أكثر من مرة بوقف عمليات الإعدام في الجرائم المتعلقة بالمخدرات، حيث تعتبر غير قانونية بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان لأسباب متعددة.”

وأضافوا “نكرر أن القانون الدولي يصنّف الجرائم بالغة الخطورة التي تنطوي على القتل العمد وحدها التي تستوفي عتبة عقوبة الإعدام. وتبقى أحكام الإعدام الإلزامية مفرطة في الشمولية بطبيعتها وتنتهك بالتأكيد قانون حقوق الإنسان.” وأشاروا أيضا إلى غياب أيّ دليل يؤكد كون عقوبة الإعدام أكثر فعالية من العقوبات الأخرى في ردع تهريب المخدرات.

إيان ريتشاردز: دور موظفي فرع الإجراءات الخاصة يعدّ حاسما في دعم عمل المقررين الخاصين
إيان ريتشاردز: دور موظفي فرع الإجراءات الخاصة يعدّ حاسما في دعم عمل المقررين الخاصين

وكان الخبراء قد حذروا من الارتفاع المسجل في معدل الإعلانات عن تنفيذ عقوبة الإعدام في الجرائم المرتبطة بالمخدرات في سنغافورة، واعتبروه مثيرا للقلق. وأشاروا إلى إعدام ثمانية أفراد بهذه التهم خلال أربعة أشهر ونصف فقط (منذ 1 أكتوبر 2024).

وقال مصدر في الأمم المتحدة، إن موظفي فرع الإجراءات الخاصة يشكّون في أن إعادة الهيكلة هي محاولة لتقليل فاعلية المقررين الخاصين وتأثيرهم. وأضاف المصدر أن إحجام المفوض السامي عن التواصل مع النقابة قد يشير إلى هذا الدافع. وأضاف “كما تعلمون، كان المقررون الخاصون، وواحد منهم على وجه الخصوص، صريحين بخصوص قضية غزة، مما قوبل بتقديم العديد من الدول الأعضاء شكاوى إلى المفوض السامي. وهو يحتاج إلى دعمهم لتأمين فترة ولاية ثانية.”

وتحدد الأمم المتحدة المقررين الخاصين والخبراء المستقلين ومجموعات العمل على أنهم متخصصون مستقلون في مجال حقوق الإنسان يعيّنهم مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. وتعرف هذه الهيئات مجتمعة باسم الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان.

وينشط هؤلاء الخبراء على أساس تطوعي، فليسوا من موظفي الأمم المتحدة ولا يتقاضون رواتب. وبينما تعتبر مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أمانة لهذه الهيئات، إلا أن خبراءها ينشطون مستقلين، ومنفصلين عن الحكومات والمنظمات، بما في ذلك المفوضية السامية لحقوق الإنسان والأمم المتحدة نفسها.

ووفقا للأمم المتحدة، فإن المقررين الخاصين/الخبراء المستقلين/الفرق العاملة هم خبراء مستقلون في مجال حقوق الإنسان يعيّنهم مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. ويشار إلى هؤلاء الخبراء معا باسم الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان.

ولا تعكس أي آراء يتبنونها بالضرورة آراء الأمم المتحدة أو المفوضية السامية لحقوق الإنسان. وتُموّل المفوضية من الموازنة العادية للأمم المتحدة والتبرعات الطوعية. ومع ذلك، لا يحصل المقررون الخاصون للأمم المتحدة على رواتب من الأمم المتحدة. ويأتي تمويلهم في المقام الأول من الدعم اللوجستي ودعم الموظفين الذي تقدمه المفوضية السامية.

وبالإضافة إلى ذلك، غالبا ما يتلقون تمويلا تكميليا من مؤسسات خاصة ومنظمات غير حكومية مثل مؤسسة فورد ومؤسسات المجتمع المفتوح، مما قد يثير مخاوف بشأن تضارب المصالح المحتمل بسبب مصادر التمويل.

وتغطّي الإجراءات الخاصة جميع جوانب حقوق الإنسان، بما في ذلك الحقوق المدنية والثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، إضافة إلى القضايا المتعلقة بمجموعات محددة. وتحدد الأمم المتحدة أن المكلفين بهذه المهام يمكن أن يكونوا بموجب إطار الإجراءات الخاصة أفرادا يُعيّنون مقررين خاصين أو خبراء مستقلين أو فريق عمل يتألف من خمسة أعضاء.

وينظر هؤلاء الخبراء ضمن المهمة الموكولة لهم في قضايا وحالات حقوق الإنسان مع تقديم المشورة وإصدار تقارير عامة. ويشمل عملهم إجراء دراسات مواضيعية، وعقد مشاورات الخبراء، والمساهمة في تطوير المعايير الحقوقية الدولية، والمشاركة في الدعوات، وتقديم التوجيهات بخصوص التعاون التقني.

ويؤدّي خبراء من الإجراءات الخاصة، بناء على طلب الحكومات، زيارات إلى دول أو مناطق محددة لتقييم الظروف المحلية. كما ينظرون في الحالات الفردية والقضايا النظامية من خلال التواصل مع الدول والهيئات الأخرى، وتسليط الضوء على الانتهاكات أو التجاوزات المحتملة.

ويعمل هؤلاء الخبراء أيضا على إطلاع الجمهور على القضايا الرئيسية من خلال البيانات الصحفية أو العامة. ويقدمون تحديثات سنوية إلى مجلس حقوق الإنسان، وفي معظم الحالات، تقارير سنوية إلى الجمعية العامة. وفي 2024، جمعت المفوضية السامية لحقوق الإنسان 268.9 مليون دولار من التبرعات الطوعية. وتلقت خلال السنوات الماضية جل هذه الأموال من الدول الأعضاء والكيانات الدولية، مثل المفوضية الأوروبية وشركاء الأمم المتحدة الآخرون.

7