دولاب التعليم يعود إلى الدوران بصعوبة في غزة

غزة (الأراضي المحتلة) - داخل خيمة في بلدة بني سهيلا جنوب قطاع غزة تحاول الفلسطينية خولة القرا جاهدة مساعدة أطفالها الأربعة على استكمال دروسهم التعليمية وسط ظروف معيشية قاسية خلفتها حرب الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل على مدار أكثر من 15 شهرا. وضمن متابعة دروسهم التعليمية، يتناوب الأطفال خلال إعداد مهامهم الدراسية على قلم وحيد يمر عليهم جميعا بعد أن أصبح شراء الأدوات المدرسية عبئا ماليا على الأسرة.
حالة الفقر السائدة في غزة جراء الإبادة الجماعية التي حولت جميع الفلسطينيين في القطاع إلى فقراء، وفق بيانات البنك الدولي، تحول دون قدرة أهالي الأطفال على شراء اللوازم المدرسية. ويشكو أهالي الأطفال من ارتفاع أسعار ما يتوفر من اللوازم في السوق المحلية، حيث ارتفع سعر المتوفر منها بشكل كبير مقارنة بما كان عليه قبل الإبادة.
كما تعجز عائلة القرا عن توفير الدفاتر لأطفالها الأربعة حيث يملك كل طفل منهم دفترا واحدا فقط، فيما كان الطفل في المرحلة المدرسية يمتلك دفترين على الأقل لكل مادة تعليمية. ومع انطلاق العام الدراسي الجديد الأحد بدأت التحديات التي أفرزتها حرب الإبادة الجماعية تتكشف أمام أهالي الطلبة الذين لا يستطيعون توفير أدنى المقومات الحياتية لأطفالهم.
إلى جانب ذلك فرض الدمار الذي لحق بالمدارس، خاصة تدمير النوافذ والأبواب، تحديا جديدا؛ فقد أصبح الأطفال في حاجة إلى التدفئة التي تقيهم تيارات الهواء التي تدخل عبر تلك المنافذ، وذلك بزيادة أعداد السترات الشتوية الثقيلة، وهو ما تعجز العائلات عن توفيره. غالبية تلك العائلات الفلسطينية فقدت مع منازلها التي دمرها الجيش الإسرائيلي خلال أشهر الإبادة كل ممتلكاتها وأمتعتها وملابسها فيما باتت تعيش على القليل من كل شيء.
وتقول أم لخمسة أطفال، أصغرهم في رياض الأطفال، إن مهمة تعليم أطفالها خلال ساعات النهار تكاد تكون شبه مستحيلة حيث لا توفر الخيمة الأجواء المناسبة لذلك. وتضيف لوكالة الأناضول “في النهار الضوضاء تملأ الأرجاء، وفي الليل الظلام المطبق وانقطاع التيار الكهرباء يجعلان من الرؤية أمرا بالغ الصعوبة.”
وأوضحت القرا أن أطفالها يتناوبون على استخدام قلم واحد للكتابة في ظل عدم توفر أقلام تغطي احتياجاتهم الدراسية. واستكملت قائلة إن أطفالها يذهبون إلى المدرسة بملابس ممزقة وبالية بينما يتناوب بعضهم على استخدام نعل واحد فقط. وتابعت “يداوم أحد الأطفال في الفترة الصباحية، فينتظره الآخر في الفترة المسائية من أجل استخدام النعل الذي يرتديه ليذهب به هو الآخر إلى مدرسته.”
◙ خلال إعداد مهامهم الدراسية يتناوب الأطفال على قلم وحيد يمر عليهم جميعا بعد أن أصبح شراء الأدوات عبئا على العائلة
وأشارت إلى أن أطفالها يقطعون مسافة طويلة مشيا على الأقدام، للوصول إلى مدرستهم رغم البرد القارس والركام المتناثر في الشوارع. وأعربت عن حزنها لتدني مستوى طفلتها التعليمي، حيث قالت إن تحصيلها العلمي قبل الإبادة وصل إلى 99.9 في المئة بينما تدنى مستواها الآن.
ولفتت إلى أنها عجزت عن مساعدة طفلتها خلال الفترة السابقة في رفع أو تحسين مستواها الدراسي لانشغالها بالتفاصيل الحياتية التي خلفتها الإبادة كتوفير الطعام والمياه فضلا عن رحلات النزوح المتكررة التي وصفتها بـ”المأساة الكبيرة”.
من جانبه قال شهاب القرا، والد الأطفال الأربعة، إن العام الدراسي الجديد يبدأ في ظل عدم توفر اللوازم المدرسية. وأضاف أن الوضع المالي المتردي لعائلته لا يمكّنه من توفير الأقلام والدفاتر لأطفاله الأربعة.
وتابع “سعر الدفاتر اليوم يصل إلى نحو 5 – 6 شواكل (الدولار يعادل 3.58 شيكل)، وهذا المبلغ غير متوفر، وإن توفر فالدفاتر ذاتها غير موجودة، والقلم بنحو 2 شيكل حيث كانت الأقلام توزع في الشوارع بالمجان،” فيما كان يصل سعرها قبل الإبادة إلى نصف شيكل.
وتساءل القرا عن كيفية توفير اللوازم المدرسية لأطفاله في ظل ارتفاع أسعارها وعدم وجود مصدر للدخل. وأشار إلى أن الكتب المدرسية أيضا غير متوفرة لدى وزارة التربية والتعليم ولم تُوزع بعد على التلاميذ، بعدما دمرت إسرائيل المدارس ومقرات الوزارة بما تضمه من أثاث ومحتويات ولوازم مدرسية.
وفي السياق ذاته بيّن القرا جانبا جديدا من المأساة التي يعيشها الفلسطينيون وتكشفت مع بداية العام الدراسي، قائلا “ابني يصطحب معه سجادة الصلاة أو قطعة من الكرتون، وحينما أسأله لماذا يفعل ذلك، يجيب قائلا: كي نجلس عليها؛ لا توجد في الغرف الدراسية مقاعد أو كراسٍ.” كذلك تفعل طفلته التي تصطحب معها طاولة مخصصة للعجن، من أجل أن تستند عليها خلال كتابة الملاحظات، وفق قوله.
إلى جانب ذلك بات الأطفال يطلبون المزيد من الملابس الشتوية الثقيلة لتدفئة أجسادهم إذ يشعرون بالبرد القارس داخل الفصول الدراسية التي تفتقد إلى النوافذ والأبواب التي تم تدميرها خلال الإبادة، وفق قوله.
مع انطلاق العام الدراسي الجديد خلت الكثير من القاعات في مدارس بقطاع غزة من الأثاث والمقاعد والكراسي. واستعاضت هيئة التدريس عن تلك الأثاث بتوجيه التلاميذ إلى الجلوس على الأرض بعد فرش سجاجيد الصلاة أو قطع من النايلون.
طريقة الجلوس هذه تشتت انتباه التلاميذ وتسبب لهم آلاما شديدة في الظهر، حسب شكوى بعض الأهالي. يأتي ذلك بالتزامن مع ندرة اللوازم المدرسية في القطاع، خاصة الكتب المنهجية التي كان يتم توزيعها على الطلبة بشكل مجاني مع بداية العام الدراسي، قبل الإبادة.