ارتفاع الأسعار يسرق فرحة الفلسطينيين بحلول رمضان

رغم توفر بعض المواد التي سمح الاحتلال بدخولها فإن الأسعار المرتفعة تفوق قدرة المواطنين المنهكين.
الثلاثاء 2025/02/25
أجواء كئيبة

غزة (الأراضي المحتلة) - مع اقتراب رمضان تستقبل غزة الشهر بقلوب مثقلة بالحزن، ومدن غارقة في الدمار، وأزقة يلفها السواد.

ولطالما كان رمضان شهر الفرح والتآلف، حيث تنبض الأسواق بالحياة، وتتزين الشوارع بالفوانيس وأضواء الزينة، لكن للعام الثاني على التوالي يطلّ رمضان على غزة كضيف ثقيل في مدينة أنهكتها الحرب.

يقول رجل الأعمال عبدالمنعم لبد، صاحب مركز تسوق متخصص في الأدوات المنزلية والمفروشات بشمال غزة، “للمرة الثانية على التوالي منذ بدء الحرب، لم نستورد أدوات الزينة لشهر رمضان. لم أفكر في ذلك أصلًا، فالحزن يخيم على كل شيء، ولا مجال للاحتفال وسط هذا الدمار.”

ويضيف لبد أن الاحتلال أحرق جميع مخازنه، التي كانت تحوي بضائع بقيمة أكثر من ثلاثة ملايين دولار، بالإضافة إلى المباني التي يملكها والتي سُوّيت بالأرض.

المشهد ذاته يتكرر في مركز تنيرة التجاري، الذي كان يعجّ بالمستلزمات الرمضانية من أجبان وألبان وتمور ومشروبات، لكنه اليوم يفتقد للزينة المعتادة، احترامًا للجرح النازف في غزة.

صاحب المركز محمد تنيرة يقول لوكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) “هذا العام لم نعلق أي زينة، فالحداد عامّ، والشهداء والجرحى والمفقودون هم أولويتنا قبل أي شيء آخر.”

ح

ورغم توفر بعض المواد الأساسية التي سمح الاحتلال الإسرائيلي بدخولها، فإن الأسعار المرتفعة تفوق قدرة المواطنين المنهكين اقتصاديًا.

يقول تنيرة “لا توجد قدرة شرائية”، مضيفا “فالناس بلا مصادر دخل بعد أن تم تدمير كل مكونات الاقتصاد في غزة.”

وبينما تعيش الأسواق ركودًا غير مسبوق، هناك من يستعد لرمضان تحت وطأة التشرد والجوع. المواطن خالد أبولبدة، من سكان رفح، فقد منزله ويعيش الآن في خيمة بمواصي خان يونس، جنوب القطاع.

يقول لوفا بأسى “يدخل علينا شهر رمضان للمرة الثانية ونحن بلا بيوت. أعيش أنا وعائلتي وأطفالي في خيمة لا تقينا من البرد والمطر. نقف لساعات في طوابير للحصول على الطعام من التكايا، ونسير لمسافات طويلة لتوفير المياه الصالحة للشرب.”

ويضيف “لم تعد طقوس رمضان كما كانت قبل الحرب. أطفالي يسألونني عن فانوس رمضان، لكن كيف أشتريه؟ لا نملك حتى ثمن الطعام. في ظل هذا الحزن لا مجال للفرح، فآلاف الشهداء والمفقودين وحجم الدمار الهائل يجعلان من المستحيل أن نشعر بأجواء رمضان كما في السابق.”

أما المسن سامي أبوالخير، من سكان حي الشجاعية شرق غزة، فيعيش مع 20 فردًا من عائلته في منزل مدمر جزئيًا، بينما تعاني زوجته أمراضا مزمنة، وابنته مريضة بالسرطان.

يقول “أحاول بالكاد توفير الحد الأدنى من الطعام والدواء، فكيف سأستقبل رمضان؟”

ويضيف بحرقة “غزة شاحبة، لا مجال للفرح، حتى المشاعر الدينية سلبها الاحتلال منا، فقد دُمرت جميع المساجد حولنا، ولا نعرف كيف سنؤدي صلاة التراويح أو قيام الليل. كل المساجد التي كنا نصلّي فيها تحولت إلى أنقاض.”

وبحسب تقرير لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية استهدف الاحتلال أكثر من 1109 مساجد، منها 834 دُمرت بالكامل، ما يعادل 89 في المئة من مساجد القطاع.

ووفقا للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أدت حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة إلى انهيار المنظومة الاقتصادية، وارتفاع غير مسبوق في معدلات البطالة. فمع نهاية عام 2024، تشير التقديرات إلى استمرار الانكماش الحاد غير المسبوق في الناتج المحلي الإجمالي في قطاع غزة بنسبة تجاوزت 82 في المئة، مترافقا مع ارتفاع معدل البطالة إلى 80 في المئة.

عه

يقول الخبير والمحلل الاقتصادي ماهر الطباع لوفا “يأتي رمضان هذا العام بعد حرب استمرت 470 يومًا، خلّفت دمارًا هائلًا وأوضاعًا اقتصادية وإنسانية كارثية غير مسبوقة. الحرب لم تترك مجالًا للحياة، فارتفعت نسبة البطالة إلى 80 في المئة، ونسبة الفقر إلى 100 في المئة، وأصبح كل سكان غزة يعتمدون على المساعدات.”

ويضيف الطباع “معدلات الاستهلاك ترتفع في شهر رمضان، ما يشكل عبئًا اقتصاديًا إضافيًا على المواطنين في ظل الحرب، فتزيد احتياجاتهم وتتضاعف المصاريف من الموائد الرمضانية والتزاماتهم الاجتماعية والعائلية. لكن مع توقف مصادر الدخل، وارتفاع الأسعار بسبب نقص المواد الأساسية، يعاني المواطنون ضعف القدرة الشرائية. والأسواق تشهد ركودًا غير مسبوق نتيجة لتدمير معظم الأنشطة الاقتصادية في غزة.”

ويؤكد الطباع أن “المساعدات الغذائية التي تصل إلى غزة لا تكفي لسد احتياجات المواطنين، فهناك مئات الآلاف من العائلات التي تعيش في ظروف مأساوية. كما أن نقص الوقود وانقطاع الكهرباء يؤثران في قدرة المواطنين على تخزين الطعام أو طهيه بشكل طبيعي.” ويضيف “ما نشهده اليوم هو انهيار اقتصادي شامل لم تشهده غزة من قبل. الناس لا يسألون عن أسعار السلع، بل يسألون: هل هناك طعام متاح أصلًا؟”

ورغم دخول “اتفاق وقف إطلاق النار” على القطاع حيز التنفيذ في 19 يناير الماضي، يواصل الاحتلال عدوانه عبر إعاقة وصول المساعدات الإنسانية. وفي ظل هذا المشهد القاتم يبدو أن رمضان في غزة سيكون مختلفًا تمامًا، إذ ستغيب مظاهر الحياة وسط دمار غير مسبوق. ولا يطرح المواطنون سؤال: ماذا سنأكل في موعد الإفطار؟ بل يطرحون سؤال: هل سنجد ما نأكله أصلًا؟

16