أشعة الشمس تعانق وجه رمسيس الثاني وتجذب السياح

الحدث الفلكي الفريد أضاء سماء أسوان رغم السحب الكثيفة والأجواء غير المستقرة التي شابَت الطقس.
الأحد 2025/02/23
تعامد فبراير وأكتوبر

تعد ظاهرة تعامد الشمس على وجه الملك رمسيس الثاني بمعبد أبوسمبل من أروع الظواهر الفلكية التي يشهدها العالم تتكرر  مرتين في السنة، في يومي 22 فبراير و22 أكتوبر، وتجذب العديد من السياح من مختلف أنحاء العالم.

القاهرة - في مشهد فلكي مهيب، تجسَّدت براعة الفراعنة القدماء في علم الفلك والهندسة المعمارية بمعبد أبوسمبل، حيث تعامدت أشعة الشمس على وجه الملك رمسيس الثاني، أحد أشهر فراعنة مصر، يوم السبت 22 فبراير 2025. هذا الحدث الفلكي الفريد، الذي شهد حضور أكثر من أربعة آلاف سائح من مختلف أنحاء العالم، أضاء سماء أسوان رغم السحب الكثيفة والأجواء غير المستقرة التي شابَت الطقس.

وفي بيان صادر عن محافظة أسوان عبر صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، أُشير إلى أن الظاهرة الفلكية بدأت الساعة 6:20 صباحًا واستمرت لمدة 20 دقيقة، على الرغم من تكاثر السحب التي أخَّرت ظهور الشمس بشكل كامل. لكن ذلك لم يقلل من روعة الحدث أو بهجة الحضور.

وتعود هذه الظاهرة الفلكية الفريدة إلى نحو 33 قرنًا من الزمن، وتُعتبر دليلًا على براعة المصريين القدماء في مجالي الفلك والعمارة. ففي هذا اليوم، تجتمع أشعة الشمس على وجه رمسيس الثاني وعلى تماثيل الآلهة أمون ورع حور، بينما لا تتعامد الشمس على تمثال إله الظلام “بتاح”، إيمانًا من المصريين القدماء بأن الشمس لا يجب أن تشرق على عالم الظلام.

وتجذب الظاهرة أنظار الآلاف من السياح سنويًّا، الذين يأتون من مختلف الدول العربية والأجنبية، حيث تلتقي أشعة الشمس مع المعابد المهيبة في أبوسمبل، ليُستعرض هذا الحدث العظيم من خلال عروض فنية وشعبية تُضيف مزيدًا من الجمال إلى هذا المعلم التاريخي. وقد تزامن الحدث هذا العام مع الاحتفالات الفولكلورية التي أضافت أجواءً احتفالية إلى الحدث.

وقال اللواء إسماعيل كمال، محافظ أسوان، إن المحافظة قد قامت بالتحضير لهذا الحدث منذ أكثر من شهر، مشيرًا إلى أن هذه الظاهرة تمثل فخرًا لمصر ونتيجة حقيقية لجهود الدولة في تعزيز السياحة المصرية. وأضاف أن التنسيق بين كافة الجهات المعنية كان له دور كبير في ضمان نجاح الاحتفالية وسط الظروف الجوية غير المثالية.

◙ الظاهرة الفلكية الفريدة تعود إلى نحو 33 قرنا من الزمن وتُعتبر دليلا على براعة المصريين القدماء في مجالي الفلك والعمارة

ويمتاز المعبد بتصميم معماري فريد، حيث نقرت واجهته في الصخر وزُيِّنت بأربعة تماثيل ضخمة للملك رمسيس الثاني، يصل طول الواحد منها إلى حوالي 20 مترًا. ويلي الواجهة ممر يؤدي إلى داخل المعبد الذي نُقِر في الصخر بعمق 48 مترًا، وزُيِّنَت جدرانه بمناظر تسجل انتصارات الملك وفتوحاته، ومنها معركة “قادش”، التي انتصر فيها على الحيثيين، بالإضافة إلى المناظر الدينية التي تصور الملك في علاقاته مع المعبودات المصرية القديمة.

ويقول الخبراء إن هذا المعبد يضم اثنين من أهم المعابد الصخرية في أقصى جنوب مصر، وهما أبوسمبل الكبير الذي كان مكرسًا لعبادة “رع حور آختي” و”آمون رع” و”بتاح” والملك نفسه. وذكروا أن المعبد بالكامل منحوت في الصخر، ويمثل إحدى معجزات الهندسة المعمارية في العالم القديم، كما استغرق نحت المعبد 20 عامًا وتم تنفيذ محور المعبد بحيث يسمح باختراق أشعة الشمس إلى قدس الأقداس مرتين كل عام يومي 22 أكتوبر و22 فبراير.

أما معبد أبوسمبل الصغير، الذي يقع على بعد 100 متر من المعبد الأول، فقد كُرِّس للمعبودة حتحور والملكة نفرتاري، الزوجة الرئيسية للملك، وقد أهداه الملك رمسيس الثاني للملكة نفرتاري زوجته ومحبوبته.

وتزين واجهته 6 تماثيل ضخمة متساوية الحجم تمثل الملك والملكة في إظهار واضح للمكانة العالية التي تمتعت بها الملكة لدى زوجها. ويبدأ التفاعل بين أشعة الشمس وجدران المعبد منذ لحظة الشروق، وتستمر الشمس في مسيرتها لتغمر قدس الأقداس لمدة تتراوح بين 20 و25 دقيقة، محدثةً تأثيرًا ضوئيًا فريدًا.

وترجع بداية اكتشاف هذه الظاهرة إلى عام 1874، عندما لاحظت المستكشفة البريطانية “إميليا إدواردز” وزملاؤها دخول أشعة الشمس في يومين محددين من السنة داخل قدس الأقداس، وقاموا بتوثيق الظاهرة في كتابها “ألف ميل فوق النيل” الذي نُشِر عام 1899. وساعد هذا الاكتشاف على تسليط الضوء على براعة المصريين القدماء في هندستهم الفلكية الدقيقة.

ويُعَدُّ معبد أبوسمبل أحد أبرز مواقع التراث العالمي لليونسكو، حيث يعكس القوة الحضارية للمصريين القدماء وتفوقهم في علوم الفلك. وقد بات هذا المعلم الشامخ أحد المقاصد السياحية الرئيسية التي تجذب السياح من كل مكان في العالم، لاسيما في هذه الأيام التي تشهد إقبالًا متزايدًا على السياحة الثقافية في مصر.

ووسط كل هذا، يبقى حدث تعامد الشمس على وجه الملك رمسيس الثاني بمعبد أبوسمبل شهادة حية على عظمة حضارة مصر القديمة، وما حققته من إنجازات لا تزال تدهش العالم حتى اليوم.

18