السكك الحديد في سوريا تتحول إلى خردة

محطة ومتحف القطارات في دمشق يتعرضان للتخريب والنهب.
السبت 2025/02/22
الماضي أفضل من الحاضر

تدهورت البنية التحتية للسكك الحديد في سوريا بشكل كبير نتيجة النزاع المستمر، وأصبحت الكثير من المحطات والمنشآت مهجورة، كما تم نهب وسرقة العديد من المعدات والأثاث والأدوات التي كانت جزءًا من تاريخ النقل، وهو ما أسفر عن تدمير جزء كبير من هذا القطاع الحيوي.

دمشق - لم يكتفِ نظام بشار الأسد بتدمير سوريا ومقدراتها، بل عمد إلى تخريب إرثها التاريخي أيضا، بما في ذلك محطة “القدم” للقطارات التي يعود تاريخ تأسيسها إلى نهاية القرن التاسع عشر في العاصمة دمشق.

وكانت المحطة نقطة انطلاق للحجاج المتوجهين إلى الديار المقدسة، وضمت لاحقا متحفا يعرض القطارات القديمة التي خدمت على خط الحجاز لسنوات طويلة.

إلا أن قوات النظام السابق لم تراعِ قيمة هذا المَعلم التاريخي، فعمدت إلى تدميره وسرقة مقتنياته الثمينة، بما في ذلك العربات القديمة.

وتظهر عربات مهجورة متهالكة على السكك الحديد، والمباني التاريخية التي تعرضت للإهمال والتخريب، وقاطرات تُركت لمصيرها دون صيانة.

وُضع حجر الأساس لسكة حديد الحجاز في 1 سبتمبر 1900 بأمر من السلطان العثماني عبدالحميد الثاني، وامتدت السكة من دمشق إلى المدينة المنورة، حيث تم افتتاحها رسميا في الأول من سبتمبر 1908.

سكة حديد الحجاز التي أُنشئت لنقل الحجاج إلى الأراضي المقدسة، لعبت دورا هاما من الناحية العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.

أما محطة القدم، الواقعة في قلب دمشق، فكانت واحدة من أهم المحطات ضمن سكة حديد الحجاز، وشكلت نقطة تجمّع للحجاج في ذلك الوقت. كما أدت دورا محوريا في المشروع، بفضل ورش الصيانة والإصلاح التي احتضنتها.

هذه الورش التي بنيت خلال الحقبة العثمانية، كانت تشهد أعمال صيانة وإصلاح القطارات، إضافة إلى تصنيع قطع الغيار اللازمة للقطارات.

في 1 سبتمبر 1900 تم وضع حجر الأساس لسكة حديد الحجاز، وفي الأول من سبتمبر 1908 تم افتتاحها رسميا
في 1 سبتمبر 1900 تم وضع حجر الأساس لسكة حديد الحجاز، وفي الأول من سبتمبر 1908 تم افتتاحها رسميا 

وظلت منشآت وورش الصيانة تعمل منذ تأسيسها حتى عام 2012، حيث تمركزت قوات النظام المخلوع في المنطقة لتنهب محطة القطار ومحتوياتها بعد طردها مئات العاملين منها.

وكانت محطة القدم تحوي أيضا قسما مخصصا لعرض قاطرات القطارات القديمة، التي خدمت لسنوات في سكة حديد الحجاز، قبل أن تقوم قوات النظام المخلوع بنهب قطع ثمينة وألواح نحاسية من القاطرات والعربات التاريخية هناك.

وتم نهب محتويات متحف القدم الذي تم تأسيسه عام 2008، وسرقت القطع الأثرية القيمة داخله.

ومن بين أهم القطع التي تعرضت للتدمير المتعمد العربة الخشبية الخاصة بالسلطان عبدالحميد الثاني، والتي أُحرقت بالكامل من قبل قوات النظام، ما جعلها غير قابلة للاستخدام.

وقد قدم المواطن السوري يحيى الحلواني، الذي عمل في محطة القدم لمدة 57 عاما بعدما دخلها كتلميذ متمرس، معلومات تفصيلية عن المحطة، حيث قال إنه كان يعمل فنيا في هذه المحطة قبل توقفها عن العمل.

وحول تاريخ المحطة ونشاطها ذكر الفني السوري أن أول رحلة قطار انطلقت من محطة القدم إلى المدينة المنورة كانت عام 1908.

وأوضح أنه قبل تشغيل القطارات كانت الرحلة تستغرق ثلاثة أشهر على ظهور الإبل، لكن عقب ظهور القطار انخفضت المدة إلى ثلاثة أيام.

وأشار إلى أنه بحسب المصادر التاريخية والمرويات المأثورة كان هناك إقبال كبير على رحلات القطار المنطلقة من محطة القدم بعد عام 1908.

ولم تكن القطارات مخصصة لنقل الحجاج فحسب، بل كانت تُستخدم أيضا لنقل الحبوب والمنتجات التجارية الأخرى.

وقال الحلواني إنه بعد اندلاع الحرب الأهلية في سوريا عام 2011 استهدفت مقاتلات النظام السابق مركز صيانة القطارات والعربات في المحطة، مشيرا إلى آثار الضربة التي لا تزال واضحة حتى الآن.

وبحسب الفني السوري بدأت قوات النظام، عقب سيطرتها على المنطقة، بقصف الأحياء السكنية المجاورة مثل حيي العسالي وجورة بالدبابات التي تمركزت في المحطة التاريخية.

محطة الحجاز ملتقى الحجاج
محطة الحجاز ملتقى الحجاج

بدورها أكدت منال خليفة، رئيسة متحف القدم لمقتنيات الخط الحديدي الحجازي، أن الأخير بني عام 2008، إلا أنه تعرض لأضرار جسيمة جراء ممارسات النظام.

في عام 2008 احتفل الخط الحديدي الحجازي بمرور مئة عام على إطلاق أول قطار من مدينة دمشق وصولاً إلى المدينة المنورة، وبهذه المناسبة تم افتتاح متحف للخط الحديدي الحجازي في 18 – 8 – 2008 بمحطّة القدم، ويعتبر بحسب القائمين عليه أكبر متحف للقاطرات في العالم، ويتألف من: قسم الأدوات المتحركة والمحركة، ومتحف المقتنيات الأثرية للخط الحديدي الحجازي، وقسم الورشات الصناعية الملحقة بالخط، والتي ما زالت مستثمرة بكامل طاقتها إلى الآن.

ويشكل المتحف نموذجاً عن معمل “كيم نيتس” الألماني الذي عرف آنذاك باعتماده أحدث تقنيات العصر العاملة على البخار، وقد أشرف على تجهيزه الخبراء العثمانيون والألمان، وربما يعكس هذا أهمية المعمل وتفرده في الشرق الأوسط.

وقالت خليفة إن مقتنيات المتحف تم جمعها بعناية من جميع محطاتها ونقلها إلى هذا المكان بعد تنظيفها وترميمها. وأوضحت أن المتحف لم يتبق منه سوى عدد قليل من المقتنيات، مشيرة إلى أن قوات النظام قامت بقصفه قبل دخولها إلى المحطة.

وأشارت إلى وجود أضرار جسيمة لحقت بالمتحف والمنشآت داخل المحطة، وإلى نهب العديد من القطع من قبل قوات النظام المخلوع.

وأوضحت خليفة أنه بعد سقوط نظام البعث بدأت أعمال الترميم في المتحف الذي قالت إنه “عندما يسمع الناس اسم محطة القدم، يعودون بذاكرتهم إلى 100 أو 125 سنة مضت.”

واختتمت قائلة “هذه المحطة من أقدم محطات سكة حديد الحجاز، ونحن فخورون بها. سنُعيد ترميم كل ما تهدم، وسنجعلها محطة مفتوحة للسياح.”

16