المواقع الأثرية في سوريا ترمم وجهها التاريخي

يعمل الخبراء على ترميم المواقع الأثرية في سوريا، مثل تدمر وقلعة الحصن، التي دمرتها الحرب، بهدف إحياء هذه المعالم التاريخية مما يسهم في تنشيط السياحة ودعم الاقتصاد، على الرغم من التحديات التي تواجه العملية.
تدمر (سوريا) - بدأ الخبراء العودة إلى المواقع الأثرية التي دمرتها الحرب في سوريا، أملا في وضع الأساس لترميمها وإنعاش السياحة، التي يقولون إنها يمكن أن توفر دفعة يحتاجها اقتصاد البلاد.
ما زالت معالم أثرية، كانت مزدهرة في السابق، مثل مدينة تدمر القديمة وقلعة الحصن التي تعود للقرون الوسطى، تعاني من آثار الصراع الذي استمر لسنوات، ولكن السائحين المحليين يعودون إلى هذه المواقع، ويأمل الناشطون الذين يدعون إلى الحفاظ على البيئة في أن تجذب في النهاية الأهمية التاريخية والثقافية لهذه المعالم الزوار الدوليين مجددا.
كانت مدينة تدمر، أحد المواقع الستة المدرجة في قائمة التراث العالمي لليونسكو في سوريا، في السابق مركزا رئيسيا لشبكة طريق الحرير القديم التي كانت تربط الإمبراطوريتين الرومانية والبارثية في آسيا. وتشتهر المدينة، التي تقع في الصحراء السورية، بالآثار التي تعود للعهد الروماني منذ 2000 عام. وتعرف الآن بأعمدتها المحطمة ومعابدها المهدمة.
كانت تدمر المقصد السياحي الرئيسي في سوريا، حيث كانت تجذب نحو 150 ألف زائر شهريا، حسبما قال أيمن نابو، الباحث والخبير في الآثار لوكالة أسوشيتد برس.
وكانت المدينة القديمة عاصمة لإمارة عربية مرتبطة بالإمبراطورية الرومانية، تمردت لفترة وجيزة وأسست مملكتها الخاصة في القرن الثالث بقيادة الملكة زنوبيا.
بعد ذلك، قام مسلحو تنظيم الدولة الإسلامية بهدم معبدي بيل وبعل شمين التاريخيين في مدينة تدمر بالإضافة إلى قوس النصر، حيث اعتبروها آثارا توحي بعبادة الأصنام. كما قاموا بقطع رأس محاضر كرس حياته لدراسة الآثار.
وزار الباحث نابو مدينة تدمر بعد خمسة أيام على سقوط الحكومة السابقة. وقال “رأينا معدات تنقيب مكثفة داخل المقابر”، مشيرا إلى الدمار الواسع الذي خلفه تنظيم الدولة الإسلامية وقوات حكومة الأسد. وأضاف “متحف تدمر كان في وضع مؤسف، حيث هناك وثائق وأعمال فنية مفقودة، ولا نعلم ما حدث لها.”
وفي مسرح تترابيلون ومواقع أثرية أخرى على طول الشارع الرئيسي ذي الأعمدة، قال نابو إنه تم توثيق الكثير من عمليات التنقيب غير القانونية، مما كشف عن وجود منحوتات بالإضافة إلى أعمال سرقة وتهريب منحوتات جنائزية أو متعلقة بالمقابر خلال عام 2015 عندما سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على الموقع. وأضاف نابو أن على الرغم من استعادة سبع من المنحوتات المسروقة، ووضعها في متحف في إدلب، فإن 22 أخرى تمت سرقتها. ومن المرجح أن يكون قد انتهى الأمر بالكثير من القطع في أسواق تحت الأرض أو تم إدراجها في مجموعات خاصة.
وقال نابو “سوريا لديها كنز من الآثار”، مؤكدا على الحاجة إلى جهود الحفاظ على الآثار. وأوضح أن الإدارة المؤقتة في سوريا، بقيادة هيئة تحرير الشام، قررت الانتظار حتى انتهاء المرحلة الانتقالية لتطوير خطة إستراتيجية لترميم المواقع الأثرية.
وقال ماثيو لامارا من منظمة التربية والعلوم والثقافة التابعة للأمم المتحدة (اليونسكو) إن المنظمة دعمت منذ عام 2015 “عن بُعد حماية التراث الثقافي السوري” من خلال تحليل صور الأقمار الاصطناعية والتقارير والتوثيق وتوصيات الخبراء المحليين، ولكنها لم تقم بأي عمل على الأرض.
وبخلاف تدمر، ما زالت مواقع تاريخية أخرى تعاني من آثار الحرب. تعرضت قلعة الحصن التي تعود للقرون الوسطى، الواقعة على تل بالقرب من بلدة الحصن، والتي بناها الرومان، ولاحقا قرر الصليبيون توسيعها، للقصف الشديد خلال الحرب الأهلية السورية.
ومؤخرا، ظهر مقاتلون مسلحون يرتدون الزي العسكري وهم يجوبون القلعة بجانب سائحين محليين، ويلتقطون الصور الذاتية “السيلفي” بين الآثار.
وأشار حازم حنا، المهندس ورئيس قسم الآثار بقلعة الحصن، إلى الأعمدة المنهارة وسلالم المدخل التي دمرتها الهجمات الجوية. وأضاف أن الضرر الناجم عن الهجمات الجوية الحكومية خلال عام 2014 أسفر عن تدمير معظم الباحة المركزية والأعمدة المزينة بالأرابيسك.
وقال “اعتمادا على الخلفية الثقافية للمواقع التاريخية لسوريا وأهميتها الأثرية والتاريخية لعشاقها في أنحاء العالم، أتمنى وأتوقع أنه حين تحين الفرص للسائحين لزيارة سوريا، أن نشهد انتعاشا سياحيا كبيرا.”
وأوضح حنا أن بعض الأقسام في قلعة الحصن تم تجديدها بعد الهجمات الجوية والزلزال الذي بلغت قوته 7.8 درجة على مقياس ريختر والذي ضرب منطقة كبيرة من تركيا وسوريا في عام 2023. ومع ذلك، ما زال قطاع كبير من القلعة يعاني من الدمار. ويعتقد كل من نابو وحنا أن أعمال الترميم ستستغرق وقتا. وقال نابو “نحن في حاجة إلى فرق فنية لتقييم الوضع الحالي للمواقع الأثرية.”