النهج غير المشروط لصادرات الأسلحة يعزز نفوذ تركيا الجيوستراتيجي في أفريقيا

تستحوذ الأسلحة، وخاصة الطائرات دون طيار المسلحة، التركية على حصة متزايدة من السوق الأفريقية. ويرتبط توسع الحضور التركي في القارة الأفريقية في العقدين الأخيرين بعامل رئيسي مهم وهو توسيع النفوذ الجيوستراتيجي.
أنقرة - منحت الصادرات العسكرية غير المشروطة تركيا عناصر قوة مكنتها من توسيع تحالفاتها العسكرية في أفريقيا ومراكمة منجزات جيوستراتيجية مهمة.
ومؤخرا لحقت كينيا بعدد لا يلبث أن يزيد من عملاء شركة الأسلحة التركية” بيكار” في أفريقيا؛ مثل أنغولا وبوركينا فاسو وجيبوتي وإثيوبيا ومالي والمغرب والنيجر ونيجيريا والصومال وتوغو وتونس.
ويقول محللون إن الدول الأفريقية تشتري بشكل متزايد طائرات دون طيار تركية لمحاربة الجماعات المسلحة بعد أن أثبتت فعاليتها في صراعات مختلفة حول العالم، لكن أيضا بسبب المرونة التركية في تصدير مثل هذه التكنولوجيا خلافا للغرب الذي عادة ما يقرن تصدير أسلحته بقيود.
وبالنسبة للمشترين الأفارقة، وخاصة البلدان الأكثر فقراً، توفر الطائرات دون طيار فرصة لتطوير قوة جوية كبيرة دون التكلفة الباهظة في المعدات وسنوات من التدريب النخبوي المطلوب لتطوير قوة جوية ضاربة تقليدية من الطائرات المأهولة.
بالنسبة للبلدان الأكثر فقراً، توفر المسيّرات التركية فرصة لتطوير قوة جوية كبيرة دون قيود ودون تكلفة باهظة
وهذا ما يمثل عامل جذب خاص، إذ أنهم يواجهون تحديًا معقدًا يتمثل في كبح جماح عصابات من المتشددين الإسلاميين ذوي الدوافع العالية والحركية العالية، الذين يخيمون في الأدغال ويتحركون بسرعة عبر التضاريس الوعرة في منطقة الساحل على متن دراجات نارية لشن كمائن وهجمات مفاجئة على مواقع معزولة للجيش والدرك ومعابر حدودية ومجتمعات مدنية.
وتعرَّفت البلدان الأفريقية إلى تكنولوجيا المسيَّرات التركية لأول مرة أثناء الحرب الأهلية الليبية، فقد أغرقت تركيا ساحة المعركة بمسيراتها بفضل تحالفها مع حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا آنذاك. وهاجمت مسيَّرة تركية قاعدة جوية يسيطر عليها الجيش الوطني الليبي في عام 2019، ودمرت مسيَّرات طائرة شحن من طراز «إليوشن» في قاعدة الجفرة الجوية التي يسيطر عليها المرتزقة الروس.
وكان للمسيَّرات التركية دور بارز في نجاح إثيوبيا في دحر متمردي تيغراي العام الماضي، كما استُخدمت لضرب الإرهابيين في الصومال، وتستخدم نيجيريا وتوغو في غرب أفريقيا مسيَّرات تركية للقيام بدوريات على حدودهما مع بوركينا فاسو والنيجر لمنع المتطرفين من غزوهما.
ويقول الباحث أحمد أبويوسف في مقال نشره مركز الحبتور للأبحاث ”أثبتت المسيَّرات التركية فعاليتها في العديد من المعارك المختلفة، خاصةً في ليبيا، وقد وفَّرت هذه المسيَّرات المصنوعة محلياً لتركيا أداةً جديدة من أدوات السياسة الخارجية التي وظفتها لتعظيم نفوذها الخارجي.“
ونوَّه أبويوسف إلى أن نهج تركيا غير المشروط في تصدير المسيَّرات أعانها على بناء تحالفات عسكرية جديدة في ربوع أفريقيا، وخاصة بين البلدان التي تكافح الحركات المتمردة مثل إثيوبيا والصومال. إلا أن نفس النهج غير المشروط يعرِّض تجارة المسيَّرات التركية للخطر إذا استخدمها عملاؤها في قصف المدنيين، كما حدث بالفعل في بعض الحالات، أو إذا استخدموها بطرق أخرى يمكن أن تشكل جرائم حرب.
الصومال يعد أبرز مواقع النفوذ الجيوسياسي التركي في القارة الأفريقية، حيث نشطت القوة الناعمة التركية من خلال المساعدات الإنسانية والتنموية
وعقب قائلاً ”وفي مثل هذه الحالة، قد يستخدم خصوم تركيا الإقليميون والعالميون هذا الأمر كمبرر لفرض المزيد من القيود على صناعة المسيَّرات التركية.“
وتخطط تركيا للتوسع اكثر في السوق الأفريقية عبر بيع الطائرات دون طيار إلى الدول الأفريقية المحرومة اقتصاديًا باستخدام التمويل من المملكة العربية السعودية، حيث سيتم تصنيع الطائرات دون طيار هناك.
ومن المقرر أن يبدأ الإنتاج في عام 2026، وسيشهد استيراد المحركات من تركيا، في حين سيتم تصنيع هياكل الطائرات بالكامل في المملكة العربية السعودية. كما سيتم تجميع معظم الأسلاك وأنظمة الاتصالات والإلكترونيات في المنشأة الجديدة.
وحدد مصطفى مراد شكر، نائب رئيس هيئة الصناعات الدفاعية، خطط أنقرة لبيع الطائرات دون طيار إلى المزيد من الدول الأفريقية باستخدام التمويل السعودي.
ووفقًا لشكر، فإن تركيا تجري مناقشات مع المملكة العربية السعودية حول منصة إنتاج أكينجي (مركبة جوية قتالية دون طيار تركية الصنع) نظرًا لحجم الإنتاج الكبير المعني.
وأكد أن الإنتاج في دول الخليج القوية ماليًا مثل المملكة العربية السعودية مفيد إستراتيجيًا، ليس فقط لتلبية احتياجات المنطقة ولكن أيضًا لمعالجة فجوات التمويل التي تواجهها الدول الأخرى.
وعلى وجه التحديد، تهتم بعض الدول الأفريقية بشراء طائرات دون طيار أو غيرها من المعدات التركية، لكن القيود المالية التي تواجهها تشكل تحديًا. ونتيجة لذلك، تعمل تركيا على تطوير حلول لإنتاج الطائرات دون طيار في الخليج وتسهيل المبيعات إلى دول ثالثة بتمويل سعودي، مما يعزز قدراتها التصديرية في مجال الصناعات الدفاعية.
وكانت شركة «بايكار» قد أطلقت في ديسمبر 2024 مشروعاً لتصنيع مسيَّرات «بيرقدار تي بي 2» ومسيَّرات «أكينجي» الأكثر تقدماً وصيانتها في المغرب، وقد اشترى المغرب 13 مسيَّرة من النوع الأول في عام 2021 بمبلغ 70 مليون دولار .

وكتبت صحيفة «نورث أفريكان بوست» في يناير تقول ”ستتمكن الشركة التركية بعد إنشاء مصنع لها في المغرب من تسليم المسيَّرات لعملائها الأفارقة أسرع من منافسيها.“
ويتراوح سعر المسيَّرة «بيرقدار تي بي 2» من مليوني إلى 5 ملايين دولار، أي ربع سعر المسيَّرات العسكرية الأخرى.
وذكر المحلل باتريك كينيت في مقال على موقع «ميليتري أفريكا» أن هذه التكلفة الميسورة تسهل على الدول تعزيز قدراتها العسكرية ولئن كانت موازنات الدفاع لديها متواضعة.
ووقعت تركيا اتفاقيات مع أكثر من 25 دولة أفريقية في قطاعي الدفاع والأمن، منها رواندا والسنغال والكونغو ومالي ونيجيريا وإثيوبيا والسودان، تضمنت هذه الاتفاقيات بجانب التصدير العسكري جوانب متعلقة بالتعاون في التصنيع العسكري، كما هو الحال مع جنوب أفريقيا، وتدريب قوات الجيش، حيث تلقى قرابة 8000 جندي غامبي تدريبات تركية، كما تلقت الشرطة في أكثر من 10 دول أفريقية تدريبات أمنية في تركيا في إطار “مشروع التعاون الدولي لتدريب الشرطة”،
ويرى محللون أن ( ديبلوماسية الدرونز) يوسع النفوذ الجيوستراتيجي لتركيا، حيث يمثل الصومال دليلا على ذلك.
ويعد الصومال أبرز مواقع النفوذ الجيوسياسي التركي في القارة الأفريقية، حيث نشطت القوة الناعمة التركية من خلال المساعدات الإنسانية والتنموية والتعليمية، ما رسخ وجود أنقرة في الصومال الذي يقع على مفترق طرق البحر الأحمر والمحيط الهندي ويطل على خليج عدن.
ومع اشتداد التنافس الإقليمي وتصاعد خطر المجموعات الإرهابية افتتحت أنقرة قاعدة عسكرية في مقديشو بقيمة 50 مليون دولار في 30 سبتمبر 2017، حيث تتركز قيادة فرقة العمل التركية وقوامها 300 فرد مهمتها الأساسية تدريب الضباط وضباط الصف الصوماليين، حيث من المخطط تدريب ما لا يقل عن 10000 جندي صومالي سنويا.
ووفقا لمعهد ستوكهولم لأبحاث السلام فإن تجارة المعدات العسكرية تستخدم كأحد أدوات السياسية الخارجية لزيادة نفوذ المصدرين في أفريقيا جنوب الصحراء، وبهذا المعنى لم تصبح الصناعات الدفاعية عنصراً مهماً في تطوير علاقات أنقرة بدول القارة السمراء من خلال الاتفاقات العسكرية والأمنية فقط ، بل عملت أنقرة أيضاً على اكتساب نقاط قوة تضغط بها على خصومها ومنافسيها دولياً وإقليميا.