ما موقع الإسلام في الشرق الأوسط الجديد

يظل دوْر الدين أساسيا في العديد من المجتمعات، ولديه القدرة على لعب دور حاسم في تعزيز السلام في الشرق الأوسط. ومع ذلك، غالباً ما يُستخدم الدين لتبرير الصراع والعنف الدائمين.
القاهرة - لا يزال استغلال الأنظمة الشرق أوسطية للإسلام كأداة دينية سياسية يحظى بدعم الحكومات الغربية. لكن هذه الإستراتيجية تعزز عدم الاستقرار بدلا من تحقيق الأمن الموعود.
ويظل الإسلام قوة مؤثرة في سياسة الشرق الأوسط، فكيف يتغير هذا تماشيا مع الديناميكيات السياسية المتطورة في المنطقة؟ والسؤال الحاسم هنا هو كيف تحول التنافس على السلطة الدينية والسياسية منذ انتفاضات 2011 العربية التي شكلت تحديا وجوديا للنخب الحاكمة؟ وكيف تطورت هذه المنافسات وسط الاضطرابات المستمرة في المنطقة منذ ذلك الحين؟
وحظيت هذه القضايا بأهمية مركزية في الكتاب الجديد “الإسلام وفن الحكم: القوة الدينية الناعمة في دول الخليج العربي” للباحث في معهد كاتو بواشنطن والأستاذ المساعد بجامعة جورج ميسون جون هوفمان.
ويقول هوفمان في تقرير نشره موقع “عرب دايجست” إن الصراع على السلطة الدينية والسياسية في الإسلام ليس ظاهرة حديثة، بل تعكس المعركة الدينية من أجل السلطة في الشرق الأوسط “الجديد” إلى حد كبير تلك التي شهدها الشرق الأوسط “القديم”.
◙ الإسلام يظل قوة مؤثرة في سياسة الشرق الأوسط، فكيف يتغير هذا تماشيا مع الديناميكيات السياسية المتطورة في المنطقة؟
ويعود تاريخ هذا التنافس إلى نشأة الإسلام تقريبا، مدفوعا بتنوعه التاريخي والمذهبي، حيث تتنافس فصائل مختلفة على الشرعية.
وكانت المناقشات حول الحكم والسلطة تاريخيا سياسية أكثر منها دينية، حيث لا يحدد القرآن شكلا معينا من أشكال الحكم.
ويحمل هذا الصراع على السلطة الدينية أهمية سياسية كبيرة، ويشكل مصدرا للمنافسة.
وطالما سعت سلطات الدولة إلى فرض نفسها في هذا السباق، بهدف السيطرة على الخطاب والتفسير الإسلامي.
وتشارك حتى دول المنطقة العلمانية ظاهريا في جهود للتحكم في تسييس الدين. وتكثفت محاولات الدولة لتنظيم الإسلام منذ الانتفاضات العربية قبل 14 عاما، مع تزايد قلق الحكومات من السيناريو الذي تخسر فيه سلطتها وشرعيتها.
ولا تنفك دول الشرق الأوسط تستعمل الإسلام بصفته أحد أشكال ممارسة السلطة باستخدام أساليب مختلفة اعتمادا على السياق والجمهور المستهدف.
ويتجلى هذا بشكل خاص في منطقة الخليج، حيث يتشابك الإسلام والسياسة بشكل عميق في الأنظمة التي تحكم المنطقة. وعمل الخليج، خلال العقود القليلة الماضية، على توسيع نفوذه الإقليمي والعالمي، حيث أكدت الكثير من الدول أنها من اللاعبين السياسيين الرئيسيين.
◙ دول الشرق الأوسط لا تنفك تستعمل الإسلام بصفته أحد أشكال ممارسة السلطة باستخدام أساليب مختلفة اعتمادا على السياق والجمهور المستهدف
ولعب الإسلام دورا مركزيا في صراعات القوى الإقليمية والعالمية. ويبرز هنا نهج حديث نسبيا ومفيد إستراتيجيا وهو الترويج لـ”الإسلام المعتدل” بقيادة السعودية والإمارات.
وتدعو هذه المبادرة التي ترعاها الدولة إلى تفسير سلبي هادئ ودولتي للإسلام، مع التركيز على الطاعة غير المشروطة للسلطة. فهو يُخضع الدين للدولة بينما يهمش المصادر البديلة للسلطة الدينية والسياسية.
وكثيرا ما يكون هذا مصحوبا بمظاهر التسامح بين الأديان، وهو ما يعمل على حجب السياسات المزعزعة للاستقرار التي تنتهجها الأنظمة، وتصويرها ممثلة شرعية للمجتمع الإسلامي العالمي، وكسب ود الجهات الفاعلة الدولية الرئيسية.
وتبنى الغرب مبادرة “الإسلام المعتدل” هذه. وكثيرا ما تعتمد النخب السياسية في الشرق الأوسط، التي تستفيد من الحفاظ على الوضع القائم ، عند التعامل مع الحلفاء الغربيين خطابات استشراقية تدعي أن شعوب الشرق الأوسط ليست “جاهزة” للديمقراطية أو أن الإسلام لا يتوافق مع الحكم الديمقراطي.
وتسعى من خلال هذا “الاستشراق العكسي” إلى إقناع صناع السياسات الغربيين بأن الأنظمة الاستبدادية هي الضامن الأكثر فاعلية للاستقرار والأكثر قدرة على تعزيز المصالح الغربية في المنطقة.
وتمكّن مواصلة تأطير المناقشات حول “أوجه القصور” المزعومة في مجتمعات الشرق الأوسط أو الإسلام هؤلاء القادة من توجيه الانتباه بعيدا عن ممارساتهم الاستبدادية، التي تساهم غالبا في عدم الاستقرار الإقليمي، في حين يحشدون الدعم الغربي لحكمهم ويصورون أي انحراف عن الوضع الراهن على أنه “متطرف”.
لكن الدولة ليست اللاعب الوحيد الذي يخوض الصراع على السلطة الدينية والسياسية. وهي موجودة ضمن شبكة واسعة من الفاعلين على المستويات المحلية وغير الحكومية والدولية. ويمكن لكل هذه الأطراف أن تؤثّر في القرارات المتعلقة بالسياسة الخارجية وأن تتصدى لمساعي الدولة من أجل احتكار توظيف الدين.
والمثال الحديث هنا هو سوريا. ويسلط سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر الماضي وصعود هيئة تحرير الشام الضوء على الأهمية الدائمة التي تحظى بها الجماعات الإسلامية في الشرق الأوسط. لقد واجهت الجماعات الإسلامية في مختلف أنحاء المنطقة قمعا شديدا على مدى العقد الماضي، ما دفع العديد منها إلى العمل وراء الستار، لكنها لا تزال صامدة.
وتؤكد تجربة سوريا أن المظالم التي تغذي الانتفاضات العربية لم تتضاءل. وستواصل الإسلاموية (المعتدلة والمتطرفة) اضطلاعها بدورها في مواجهة الوضع الراهن.
والمثال الآخر هو حرب إسرائيل المستمرة في غزة، والتي اندلعت ردا على هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023. وأبرز الصراع الممتد على مدى الأشهر الستة عشر الماضية طبيعة الشرق الأوسط المترابطة، حيث أشعل تصعيدا إقليميا.
وأعربت خلاله الجهات الإسلامية الفاعلة بمختلف أطيافها عن تضامنها مع الفلسطينيين وأدانت تصرفات إسرائيل. كما أثار دعم واشنطن للحرب الإسرائيلية غضبا واسع النطاق في جميع أنحاء الشرق الأوسط والعالم الإسلامي الأوسع على الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين.
وكان مصطفى أكيول، الزميل الأقدم في مركز الحرية والازدهار العالمي التابع لمعهد كاتو، محقا حين قال إن هذا يقوض الأصوات الليبرالية والإصلاحية داخل الإسلام في حين يعمل على تمكين المتشددين الذين يستغلون النفاق واللامبالاة الغربية لنشر الأيديولوجيات المتطرفة.
وسيظل توظيف الدين إستراتيجيا بالتأكيد سمة مميزة لسياسة الشرق الأوسط مع تنامي الاستياء الشعبي وتزايد خطر الاضطرابات في جميع أنحاء المنطقة.