تركيز آليات الذكاء الاصطناعي في أيدي قلة يكبّل المنافسة

باريس - طغت فلسفة قيم الذكاء الاصطناعي على اليوم الأول من القمة الدولية التي تعقد في باريس، حيث ارتفعت أصوات عديدة الاثنين للدفاع عن تكنولوجيا أكثر شفافية والمطالبة بمكانة أوروبا في مواجهة قبضة العمالقة الأميركيين والصينيين.
ويبدو أن هناك ترابطا واضحا بين أنظمة الذكاء الاصطناعي وجودة الديمقراطية، حيث يرى الكثيرون أنه يمكن للحكم الرشيد أن يحقق أقصى استفادة من هذه التكنولوجيا للبشر والبيئة المعيشية. في المقابل من شأن الحكم السيء أن يؤدي إلى تفاقم عدم المساواة والتمييز وتحدي القيم الديمقراطية الأساسية.
وفي إطار الثورة الرقمية، قد يكون الذكاء الاصطناعي هو القطاع الذي توسع أكثر من غيره، دون مراعاة حقوق الإنسان أو المساواة أو تقسيم للمكاسب قبل الأضرار والخسائر. وفي بعض الأحيان يتسبب الذكاء الاصطناعي في ضرر لأن المطورين والمستخدمين واثقون جدًا من قوة الآلات.
ومع ذلك، في مواقف أخرى، يتم اتخاذ قرارات أكثر وعياً لاستخدام إمكانات الذكاء الاصطناعي لتعزيز الصور النمطية وترسيخ القوة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في أيدي قلة، مما يعني أن ما يعيشه العالم يفرز تحديا ديمقراطيا في استخدام هذه التقنية المتقدمة وتوزيعها.
تركيز آليات الذكاء الاصطناعي في أيدي قلة يفرز تحديا ديمقراطيا في استخدام هذه التقنية المتقدمة وتوزيعها
وتواجه الولايات المتحدة والصين القوتان العظميان سباق قيم ونماذج حضارية. وقالت وزيرة الشؤون الرقمية الفرنسية كلارا شاباز في مقابلة مع وكالة فرانس برس في القصر الكبير “إنها ليست مجرد قضية اقتصادية، بل هي أيضا قضية ديمقراطية وسياسية.”
وقالت شاباز إن وضع فرنسا وأوروبا في سباق على الذكاء الاصطناعي مع وجود الصين والولايات المتحدة يمثل تحديا “حضاريا”.
وعلى هامش قمة باريس للذكاء الاصطناعي، أوضحت الوزيرة المكلفة بالذكاء الاصطناعي أنه أمام القوتين العظميين المهيمنتين على القطاع “ثمة سباق قيم ونموذج حضاري” تبحث فرنسا فيه عن شركاء، ودافعت عن “الجاذبية” التي تتمتع بها فرنسا في هذا المجال.
وأكدت أن الطاقة “الخالية من الكربون” المتوافرة في البلاد بفضل الطاقة النووية ومجموعة الباحثين المؤهلين تأهيلا عاليا، تضعها “في قلب سباق الذكاء الاصطناعي، وهذا هو الهدف الأول لهذه القمة.”
ولقد أصبح خطاب “الصراع بالذكاء الاصطناعي” بين الولايات المتحدة والصين بارزا بشكل متزايد على مدى السنوات الخمس الماضية، على الرغم من التحذيرات من أنه يستقطب بشكل غير ضروري ويقوض تطوير هذه التقنية المتقدمة بشكل آمن وأخلاقي.
الكثيرون يرون أنه يمكن للحكم الرشيد أن يحقق أقصى استفادة من هذه التكنولوجيا للبشر والبيئة المعيشية
وظل الخوف من الذكاء الاصطناعي يطارد البشرية منذ فجر عصر الكمبيوتر. وحتى الآن، كانت هذه المخاوف تركز على الآلات التي تستخدم وسائل مادية لقتل البشر أو استعبادهم أو استبدالهم.
ولكن خلال العامين الماضيين، ظهرت أدوات جديدة للذكاء الاصطناعي، والتي تهدد من اتجاه غير متوقع بقاء الحضارة الإنسانية.
ويتفق المحللون على أن الذكاء الاصطناعي اكتسب بعض القدرات الرائعة للتلاعب باللغة وتوليدها، سواء بالكلمات أو الأصوات أو الصور. وبهذه الطريقة، اخترق الذكاء الاصطناعي نظام التشغيل للعصر الحالي الذي جاء بعد سنوات من مفهوم العولمة.
وهذا الأمر يتواءم مع المواقف التي اتخذها العديد من اللاعبين في مجال التكنولوجيا، الذين اجتمعوا في “قمة العمل بشأن الذكاء الاصطناعي” خلال قمة باريس، والتي شاركت الهند في رئاستها.
ودعت ميريديث ويتاكر، رئيسة تطبيق الدردشة الآمن سيجنال، ورئيسة هيئة حماية البيانات الفرنسية (سي.أن.آي.أل)، ماري لور دينيس، إلى إنشاء ذكاء اصطناعي أكثر احتراماً للخصوصية.
وفي حين قال مارك سورمان، رئيس شركة موزيلا، مبتكر متصفح فايرفوكس مفتوح المصدر، إن “المصدر المفتوح”، أي البرمجيات التي يمكن الوصول إلى كودها وإعادة استخدامها من قبل الآخرين، يجب أن تكون “المفتاح” للذكاء الاصطناعي “في وقت حيث الأمن مهم والنمو الاقتصادي مهم.”
تسع دول، بما فيها فرنسا، وجمعيات وشركات، أعلنت مبادرة تسمى "الذكاء الاصطناعي الحالي (كورونت أي.آي)"
وبالنسبة إلى فرنسا، فإن رهانات هذه القمة مزدوجة: إثبات قدرتها على البقاء في السباق ضد الولايات المتحدة والصين والدعوة إلى ذكاء اصطناعي أكثر أخلاقية واقتصادية.
ويعتقد رجل الأعمال الفرنسي كزافييه نيل، رئيس مجموعة إلياد، الشركة الأم لشركة الاتصالات فري، ومختبر أبحاث الذكاء الاصطناعي كيوتايفإن أن “الفكرة هي إظهار للعالم أجمع أن فرنسا متقدمة إلى حد ما.”
وفي مقابلة مع إذاعة فرنسا إنتر الاثنين، إلى جانب آرثر مينش، رئيس ومؤسس شركة ميسترال الفرنسية الناشئة للذكاء الاصطناعي، سلط نيل الضوء على الخبرة التي تتمتع بها الفرق وراء الروبوت المحادثة لو تشات المنافس لتشات جي.بي.تي.
كما قامت الشركة الناشئة بإضفاء الطابع الرسمي على شراكتها مع هيلسينغ، وهي شركة أوروبية متخصصة في الذكاء الاصطناعي الدفاعي، في حين أعلنت مؤخرًا عن عدد من الاتفاقيات وكالة فرانس برس ومجموعة سيتلانتيس للسيارات وشركة فرانس ترافل.
وفي أوروبا، أصر نيكولا دوفورك، الرئيس التنفيذي لبنك الاستثمار بي بي فرانس، على قناة بي.أف.أم بيزنس، قائلا “يجب على الجميع العمل مع ميسترال.”
وتبحث الجهات الفاعلة الرئيسية في القطاع مسألة الإدارة العالمية للذكاء الاصطناعي، بهدف السيطرة على التجاوزات المحتملة له، من دون إعاقة تطوره.
وأعلنت تسع دول، بما فيها فرنسا، وجمعيات وشركات، الأحد إطلاق مبادرة تسمى “الذكاء الاصطناعي الحالي (كورونت أي.آي)” من أجل “ذكاء اصطناعي للمصلحة العامة” باستثمار أولي مقداره 400 مليون دولار وبرعاية 11 من رواد قطاع التكنولوجيا.
ويهدف هذا المشروع إلى تطوير إمكان الوصول إلى قواعد بيانات خاصة وعامة في مجالات مثل الصحة والتعليم، وتعزيز المزيد من الشفافية والأمان في مجال الذكاء الاصطناعي، وتطوير أنظمة لتقييم الأثر الاجتماعي والبيئي لهذه التكنولوجيا.