حرية تنقل الأفارقة بين دول القارة حلم صعب المنال

غياب حرية تنقل الأفارقة في جميع أنحاء القارة يقوض منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية. 
الخميس 2025/02/06
أبواب التنقل موصدة

بولاوايو (زيمبابوي)- يحتاج أليكو دانغوتي، أغنى رجل في أفريقيا، إلى 35 تأشيرة للسفر عبر القارة السمراء. وتصاحب كل تأشيرة عقبة بيروقراطية وتذكير بالعوائق التي تحول دون حرية الحركة والتجارة في القارة.

وتطرق دانغوتي إلى هذه الإشكالية خلال منتدى الرؤساء التنفيذيين لأفريقيا الأخير في كيغالي عاصمة رواندا. وقال “بصفتي شخصًا يريد أن يجعل أفريقيا عظيمة، يجب أن أتقدم بطلب للحصول على 35 تأشيرة مختلفة.” وتعكس تصريحاته التحديات الجسيمة التي تواجهها القارة في سعيها لترسيخ التكامل الإقليمي ومواجهة الحدود المغلقة.

ويكشف مؤشر انفتاح التأشيرات في أفريقيا لعام 2024 أن أربعة بلدان فقط (بنين وغامبيا ورواندا وسيشيل) تسمح بدخول جميع الأفارقة أراضيها دون تأشيرة. وقد أُضيفت غانا إلى القائمة بعد أن أعلنت عن إلغاء التأشيرة لجميع مواطني القارة في يناير 2025.

زودوي مابوزا: طرح مسألة التأشيرات لا تتعلق بالهجرة الدائمة بل بتسهيل السياحة والتجارة والاستثمارات

ويقيس مؤشر انفتاح التأشيرات، الذي نشره البنك الأفريقي للتنمية والاتحاد الأفريقي، مدى انفتاح دول القارة على مواطني الدول الأفريقية الأخرى بناءً على شروط التأشيرة وما إذا كان يمكن إصدارها عند الوصول.

وسُجّل بعض التقدم منذ طبعة التقرير الأولى، حيث أدخلت الكثير من البلدان الأفريقية إصلاحات لتبسيط حرية تنقل الأفارقة في جميع أنحاء القارة.

وأظهرت المؤشرات أن حوالي 17 دولة أفريقية طوّرت عمليات التأشيرات، كما تعمل 29 دولة على إدخال إصلاحات بشأن إصدارها للأفارقة. ولا يحتاج المواطنون الأفارقة إلى تأشيرة لعبور الحدود في 28 في المئة من سيناريوهات السفر من بلد إلى آخر داخل القارة. وكان هذا تحسنًا ملحوظًا عن نسبة 20 في المئة التي سُجّلت في عام 2016. ولا تخفى عواقب عدم اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحسين الوضع.

وأكد بحث أجرته اللجنة الاقتصادية لأفريقيا أن التجارة داخل أفريقيا لا تتجاوز 15 في المئة من إجمالي التجارة في القارة، وهي نسبة ضئيلة مقارنة بـ60 في المئة في آسيا و70 في المئة بأوروبا. ويمكن أن تتعزز التجارة والسياحة البينية في أفريقيا بتخفيف متطلبات التأشيرات مع تسهيل تنقل العمالة والمهارات ودفع القارة إلى النمو الاقتصادي، لكن الحدود المغلقة تبقى اليوم حاجزًا أمام حرية الحركة.

وأشارت زودوي مابوزا، مسؤولة التكامل الإقليمي الرئيسية في بنك التنمية الأفريقي، خلال إطلاق مؤشر 2024 على هامش المؤتمر الاقتصادي الأفريقي لنفس السنة، إلى أن طرح مسألة التأشيرات لا تتعلق بالهجرة الدائمة بل بتسهيل السياحة والتجارة والاستثمارات.

وأشارت إلى أن “هذا هو نوع الحركة الذي نشجعه، خاصة وأننا نعمل أيضًا على الترويج لمنطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية.”

وقال فرانسيس إيكومي، رئيس قسم التكامل الإقليمي والتجارة في اللجنة الاقتصادية لأفريقيا، إن المخاوف من الهجرة غير الشرعية والإرهاب تُبقي الحدود مغلقة. ويتواصل هذا رغم الأدلة التي تؤكد أن هذه المخاوف مبالغ فيها.

◄ مؤشر انفتاح التأشيرات في أفريقيا يكشف أن خمسة بلدان فقط تسمح بدخول جميع الأفارقة أراضيها دون تأشيرة

وحذر إيكومي من أن غياب حرية تنقل الأفارقة في جميع أنحاء القارة يقوض منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية. وحثّ على وجوب “تجاوز المخاوف الأمنية. ذلك أن موظف الهجرة لا يفكر إلا في المشاكل الأمنية حتى قبل أن ينظر إلى جواز سفر المواطن الأفريقي الذي يتقدم بطلب التأشيرة باعتباره أجنبيا. إن المهاجرين هم الذين يخلقون فرص العمل إذ أن من بينهم الكثير من الأساتذة الجامعيين والمحاسبين وغيرهم من أصحاب الكفاءات والمهارات.”

ومنذ إطلاق منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية لم تصدق غالبية الدول الأفريقية على بروتوكول حرية تنقل الأشخاص الذي أطلقه الاتحاد الأفريقي في 2018 ووقعته 33 دولة عضوا. ولم تصدق إلا أربعة بلدان على البروتوكول.

واعتبر آلان هيرش، الباحث في مجال الهجرة، أن بعض الدول الأفريقية الأكثر ثراء هي الأكثر حماية لحدودها.

وأخبر الأستاذ الفخري في كلية نيلسون مانديلا للحوكمة العامة بجامعة كيب تاون خدمة إنتر برس أن “تردد بعض الدول مرتبط بمخاوفها بشأن جودة الوثائق والأنظمة في بعض البلدان، والمخاوف المتعلقة بالقضايا الأمنية نظرًا لوجود منظمات إرهابية في البعض من أجزاء أفريقيا، والمخاوف من أن الزوار هم مهاجرون اقتصاديون متنكرون ولن يغادروا. نشهد الكثير من التقدم في مجتمعات أفريقيا الإقليمية. ويؤكد مؤشر انفتاح التأشيرات أن الحدود تُفتح بشكل متكرر على أساس ثنائي أو متعدد الأطراف.”

سابيلو مبوكازي: الأوروبيون الذين يسافرون إلى أفريقيا يتمتعون بسهولة أكبر في الحركة مقارنة بالأفارقة أنفسهم

ويقترح سابيلو مبوكازي، رئيس التوظيف والعمل والهجرة في مفوضية الاتحاد الأفريقي، تحفيز الدول التي تشجع حرية الحركة على التحسين من خلال الحوافز.

وقال “من الذي نخدمه مع كل هذه القيود على التأشيرات؟ هل نخدم الناس أم نلبي سياسات اللحظة الراهنة؟ هل نعطي الأولوية للسكان أم لشعبيتنا؟ هل نركز على الناس في جميع أنحاء القارة أم أننا مدفوعون بالربح؟ هذه هي التناقضات التي نلاحظها في أفريقيا.” وذكر أن 80 في المئة من الهجرة الأفريقية تحدث داخل القارة، و20 في المئة منها فقط تتجه إلى أوروبا أو أميركا. وأشار إلى أن الأوروبيين الذين يسافرون إلى أفريقيا يتمتعون بسهولة أكبر في الحركة مقارنة بالأفارقة أنفسهم.

ولا يمتلك بعض الأفارقة جوازات سفر، وبعضهم من البدو الرحل، لذلك قد يكون السفر دون تأشيرة كابوسًا لوجستيًا قد تستغني عنه الكثير من البلدان. ونظرت القارة في فكرة جواز السفر الأفريقي الذي أُطلق سنة 2016. وكان قد تقرر إصدار جواز السفر لرؤساء الدول ووزراء الخارجية والدبلوماسيين الأفارقة المعتمدين من قبل الاتحاد الأفريقي.

وقال آلان هيرش “أمكن خلال السنوات الأخيرة إصدار جوازات السفر الإقليمية مثل جواز سفر المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا وجواز سفر مجموعة شرق أفريقيا، وحققت نجاحًا، وربما كان من السابق لأوانه تقديم جواز سفر واحد لكل أفريقيا”.

وترى جوي كاتيجيكوا، مديرة مكتب تنسيق التكامل الإقليمي في البنك الأفريقي للتنمية، أن تعطيل المسافرين الأفارقة يتعارض مع تطلعات التكامل الإقليمي، مضيفة أن “التناقض في التكامل الأفريقي هو أننا رغم أننا نتحدث بحماس شديد عن الوحدة الأفريقية، نبقي الأفارقة وراء حواجز التأشيرة.”

وعطّل سوء تنفيذ قرار ياموسوكرو، الذي يهدف إلى تحرير النقل الجوي، حرية حركة الأشخاص عبر أفريقيا. لذلك لا يزال الاتصال الجوي القاري يعاني من مشاكل كبيرة.

وأعرب هيرش عن تفاؤله بأن أفريقيا تستطيع تعزيز تنميتها من خلال التجارة والهجرة، معترفًا بأن فتح الأجواء الأفريقية يستغرق وقتًا. وقال “نذكر، إضافة إلى مبادرة الأجواء الحرة الأفريقية وبروتوكول حرية تنقل الأشخاص، منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية. لقد أمكن الاتفاق على جميع المبادرات الثلاث في 2018. ويمكن أن تساعد منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية بإحرازها بعض التقدم في تمهيد الطريق للمبادرتين الأخريين.”

وتواجه منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، المصممة لجمع 1.3 مليار شخص في سوق واحدة، خطر الفشل. ومع بقاء الحدود والمجال الجوي مغلقيْن تظل رؤية أفريقيا مفتوحة ودون تأشيرة حلمًا غير متحقق.

16