صعوبات لوجستية وأخطاء تكتيكية أضعفت قوات الدعم السريع

مكاسب الجيش لا تعني أن نهاية الحرب في السودان باتت وشيكة.
الأربعاء 2025/02/05
تشكك في المحافظة على المكاسب الميدانية الأخيرة

لا يزال الرهان على الحل العسكري في السودان حلا بعيد المنال على الرغم من المكاسب الميدانية التي حققها الجيش مؤخرا ما أدى إلى تراجع قوات الدعم السريع. ويقول مراقبون إن تراجع قوات الدعم السريع تكتيكي.

الخرطوم - يرى محللون أن تراجع قوات الدعم السريع في حربها المستمرة منذ قرابة عامين مع الجيش السوداني كان نتيجة لأخطاء تكتيكية وخاصة صعوبة توفير الإمدادات، لكن هذا لا يعني حسم المعركة تماما فلا تزال قواتها منتشرة في أماكن عدة، بينها الخرطوم ودارفور.

ويعزو المحللون تراجع قوات الدعم السريع إلى الإمدادات العسكرية التي حصل عليها الجيش السوداني من داعميه الخارجيين. ولم يستبعد المحللون حصول الجيش السوداني على مسيّرات تركية وإيرانية ساعدته على إيقاف تقدم قوات الدعم السريع وتراجعها اللافت.

وحقق الجيش السوداني أخيرا مكاسب لافتة عكست مسار الحرب التي خلفت عشرات الآلاف من القتلى وأكثر من 12 مليون نازح منذ اندلاعها في أبريل 2023. ففي يناير استعاد الجيش في وسط السودان مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، قبل أن يستهدف العاصمة الخرطوم. وفي غضون أسبوعين، استعادت قواته مقرها الرئيسي في العاصمة وسيطرت على مصفاة الجيلي النفطية، وهي الأكبر في البلاد، شمال الخرطوم.

وقال كاميرون هدسون، الباحث في برنامج أفريقيا في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن، “سجلت قوات الدعم السريع نجاحا أكبر في بداية الحرب لأنها كانت مستعدة بشكل أفضل… فقد حصلت على الكثير من الأسلحة ونشرت قواتها بشكل جيد، في حين فوجئ الجيش بذلك.. لكن اليوم، تواجه قوات الدعم السريع صعوبات أكبر في الحصول على الأسلحة، وضعُفت جهودها في التجنيد.” وأضاف هدسون أن الافتقار إلى التدريب لدى العديد من المقاتلين يجعلهم غير قادرين على خوض المواجهات طويلة الأمد، أما الجيش “فقد كان لديه الوقت الكافي لجمع صفوفه وإعادة بناء قواته وإعادة تسليحها.”

منتشر ومكشوف

خح

قال ضابط سوداني سابق إن الجيش السوداني وسَّع قاعدته، وحشد المتطوعين والمجموعات والحركات المتحالفة معه والفروع الأخرى من أجهزة الأمن. وأعاد الجيش تشكيل قوات العمليات الخاصة، وهي جزء من أجهزة الاستخبارات تم حلها في عام 2019.

وقال الضابط السوداني السابق لوكالة فرانس برس طالبا عدم الكشف عن هويته إن هذه الوحدات “مدربة على حرب المدن وتضطلع بدور أساسي في القتال.” وقال إيريك ريفز، الباحث في معهد ريفت فالي، إن هذه القوات ساهمت في تغيير إستراتيجية الجيش الذي كان يعتمد حتى ذلك الحين على الضربات الجوية والمدفعية فقط.

وأما قوات الدعم السريع فأنهكها توسيع خطوط الجبهة على نحو كبير، حتى باتت مسافة تزيد عن 1200 كيلومتر تفصل معاقلها في دارفور، وهو إقليم شاسع في غرب السودان، عن الخرطوم التي يسعى الجانبان للسيطرة عليها.

ويقول خبراء والأمم المتحدة إن قبائل دارفور قدمت الدعم لقوات الدعم السريع، في حين حصلت على الدعم عبر حدود الإقليم مع تشاد وليبيا. وقال ريفز “إنها في محاولتها للتوسع في وسط السودان وشرقه، وسَّعت رقعة انتشار قواتها على نحو خطير.”

وأوضح حامد خلف الله، وهو باحث سوداني مقيم في المملكة المتحدة، أن الهجمات المتكررة التي يشنها الجيش، خصوصا في شمال كردفان، جعلت إعادة إمداد قوات الدعم السريع “صعبة وخطيرة”.

ولكن إلى جانب الأمور اللوجستية، قال ماغنوس تايلور، نائب مدير مشروع القرن الأفريقي في مجموعة الأزمات الدولية، إن “قدرتها على قيادة قواتها بطريقة متماسكة ومنظمة في مختلف أنحاء البلاد واجهت ضغوطا شديدة.”

تغيير التكتيك

خ

لا تعني هذه الانتكاسات أن قوات الدعم السريع هُزمت، ولا أن نهاية النزاع باتت وشيكة. ويقول المحللون إن هذه القوات تعمل على تكييف إستراتيجيتها فتقوم بالضغط في وسط السودان في حين تطبق قبضتها على دارفور.

وفي الأسابيع الأخيرة، شنت قوات الدعم السريع ضربات في الفاشر، عاصمة شمال دارفور، وسوق أم درمان. ورغم هذه الانتكاسات، يظل قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميديتي” عازما على مواصلة القتال. وفي خطاب عبر الفيديو الجمعة، تعهد بإخراج الجيش من الخرطوم.

ولكن الهدف الرئيسي لقوات الدعم السريع يقع على مسافة ألف كيلومتر غرب الخرطوم، وهو الاستيلاء على الفاشر، المدينة الكبرى الوحيدة في دارفور التي ما زالت خارج سيطرتها. والفاشر المحاصرة منذ مايو 2024، قد تصبح اليوم الهدف الرئيسي لقوات الدعم السريع التي يُرجح أن تجند كل قواتها للسيطرة عليها.

وتؤكد الخسائر التي تعرضت لها قوات الدعم السريع في الفترة الماضية وجود تحول في أداء الجيش الميداني، حيث استرد بعض المناطق دون خوض معارك كبيرة، ولم يواجه الشراسة المعهودة من الدعم السريع، ما يعني وجود خلل أو مستجد أضعف قوتها العسكرية.

وقد يطفو على السطح تطبيق خيار ثان من جانب قوات الدعم السريع، والخاص بإحكام السيطرة على دارفور والتلويح بالانفصال، فبعد الإخفاق في هزيمة البرهان وتكبيد الجيش خسائر تجبره على التفاوض وهو في موقف ضعيف، تراجع الخيار الأول المتعلق بالسيطرة على غالبية السودان، وإعادة ترتيب المشهد السياسي بالطريقة التي يراها حميدتي وحلفاؤه من القوى المدنية السودانية مناسبة.

وقال هدسون “إذا نجحوا، فإن الانقسام الفعلي للبلاد سوف يترسخ بشكل أكبر”، في ظل سيطرة الجيش على وسط السودان وشرقه وشماله. وأضاف أن “قوات الدعم السريع ستكون في موقع جيد في المفاوضات، لأنها ستسيطر بذلك على ثلث البلاد.”

ويرجح محللون أن تكون قوات الدعم السريع تخطط لتجميع نفسها والتركيز على أهدافها الرئيسية، لكنهم يستبعدون انتهاء هذه الحرب بانتصار طرف على الآخر عسكريا مهما بلغت قوته، وذلك لكونها حربا تعتمد على الكر والفر وبالتالي لا بد من حدوث اتفاق بين الطرفين المتحاربين على وقف إطلاق النار وإحلال سلام شامل.

 

اقرأ أيضا:

     • السودان بين أزمة الأحزاب ونهوض الجماهير

6