سوريون يعزفون للذكرى والأمل في أوبرا دمشق

مع تصاعد الإيقاع تارة، وارتفاع الآلات الوترية تارة أخرى، تأثّر بعض الحضور ومنهم من بكى حين شاهد صورا لنازحين سوريين في المخيمات، أو مهاجرين غارقين عبر البحر.
الأربعاء 2025/02/05
أغاني الحياة

في حدث موسيقي مميز اجتمع فنانون سوريون في أوبرا دمشق من أجل العزف لذكرى الأمس وأمل الغد، في عرض اعتبروه رمزا للحرية والأمل في مستقبل سوريا، وتأكيدا على قدرة الشعب السوري على الصمود والنهوض رغم التحديات.

دمشق - التقط بهجت أنطاكي أنفاسه قبل أن يصعد مع زملائه في الفرقة السيمفونية الوطنية السورية على مسرح دار أوبرا دمشق، على وقع تصفيق حار من الجمهور الآتي لحضور حفلتهم الأولى بعد الإطاحة بحكم بشار الأسد.

توقفت الفرقة عن العزف والتدريبات عقب إسقاط الأسد في الثامن من ديسمبر. وبعد انقطاع لأسابيع، أعاد الموسيقيون لمّ شملهم وأقاموا أمسية الخميس حضرها المئات من السوريين، في مؤشر على أن مظاهر فنية لطالما عرفتها دمشق، بدأت تعود تدريجيا في مرحلة انتقالية غير واضحة المعالم.

وفي حين كسر السوريون حاجز الخوف والترهيب، يخشى كثيرون من توجه السلطة الجديدة إلى إقامة نظام حكم ديني وإقصاء مكونات وحظر أنشطة ترفيهية منها تلك المرتبطة بالموسيقى. في المقابل، يسعى المسؤولون الجدد إلى تكرار رسائل طمأنة مختلف الشرائح المحلية والمجتمع الدولي.

ويقول أنطاكي (24 عاما) “لم تكن سوريا يوما مبنية على حالة متشددة، ولطالما كنا من ثقافات متعددة، لكن الحالة الشعورية اليوم مرتبطة بشهدائنا الذين فقدناهم خلال ثورتنا.”

يضيف العازف الشاب “حفلنا اليوم بهدف تكريس جهدنا في الموسيقى، ولنقول إننا موجودون وقادرون على إنتاج الفن”، متابعا بحماسة “سوف نستمر، وسوف نكون أقوى وأجمل.”

حح

وأقيمت مؤخرا أمسيتا إنشاد ديني في دار أوبرا دمشق، إحداهما للمنشد المعارض المعروف محمّد أبوراتب العائد إلى سوريا بعد نحو أربعة عقود على مغادرتها.

وتطوّع عازفو الفرقة السيمفونية الوطنية بقيادة المايسترو ميساك باغبودريان لتقديم ثماني مقطوعات لمؤلفين سوريين وعالميين على مدار ستين دقيقة على مسرح دار الأوبرا التي دشنت قبل نحو عشرين عاما.

وتقول عازفة الكمان راما البرشا “لا أتقن شيئا في الحياة غير الموسيقى، وأنا هنا لأجدد القول إن الموسيقى لغة لا تحتاج إلى مترجم، ويفهمها الجميع، بغض النظر عن دينهم أو طائفتهم أو عرقهم.”

تضيف الموسيقية البالغة 33 عاما “هناك قلق مشروع من قبل الموسيقيين، لكننا نتأمل أن يتم دعمنا بشكل أكبر، ولاسيما أن النظام السابق كان يحاول استثمارنا من أجل تحسين صورته.”

أقيمت أمسية الفرقة بعنوان “للشهداء ولمجد سوريا”، وبدأت بالوقوف دقيقة صمت “على أرواح شهداء سوريا”.

وترافق عزف الموسيقيين مع عرض صور غرافيكية على شاشة عملاقة خلفهم، تمثّل بمجملها مراحل مختلفة من أحداث مفصلية مرّت بها البلاد منذ عام 2011، ومشاهد علقت بذاكرة السوريين، مثل صورة الطفل إيلان الكردي الذي عثر عليه ميتا على شاطئ تركي، وتحوّل رمزا لأزمة المهاجرين السوريين إلى أوروبا.

وعزفت البرشا مع زملائها مقطوعة للموسيقي عاصم مكارم حملت عنوان “الدوامة”، وعُرضت في خلفيتها صور قيود تدلّ على حالات الاعتقال ومشاهد أياد من خلف القضبان.

ومع تصاعد الإيقاع تارة، وارتفاع الآلات الوترية تارة أخرى، تأثّر بعض الحضور ومنهم من بكى حين شاهد صورا لنازحين سوريين في المخيمات، أو مهاجرين غارقين عبر البحر، ضمن سلسلة الصور التي كانت تعرض خلف العازفين. وسط الحضور الحاشد، توزع عدد من الدبلوماسيين العرب والغربيين،  ومسؤولون محليون.

حح

وتعاني أوبرا دمشق من ضعف الإمكانيات المادية، إذ أدى ارتفاع ثمن المحروقات إلى عدم تشغيل أجهزة التدفئة المركزية خلال الحفل، ولم يتقاض العازفون أجرا على حفلتهم، بينما تطوّع فنيون وعاملون بأجهزة ومعدّات لوجستية لتقديم خدماتهم.

لكن ذلك لا يبدو أنه أثّر على ما تعنيه الأمسية بالنسبة لكثيرين، ومنهم الطبيب عمر حرب (26 سنة) الذي حضر إلى هذه الدار للمرة الأولى في حياته.

ويقول “هذه أول مرة آتي إلى هنا، وصراحة ذهلت… آمل في أن تبقى هذه القصص (الفعاليات) مستمرة”، معتبرا أن “الموسيقى واجهة البلد الثقافية.” أما يمامة الحوّ (42 عاما)، فاعتادت حضور الأمسيات في مسرح الدار التي يطغى عليها اللون الأحمر وتحيط بها شرفات خشبية يزيّنها حاجز ذهبي اللون.

وخرجت الحو من الأمسية بابتسامة عريضة على وجهها، وتشاركت الصور التذكارية مع عائلتها وأصدقائها، وأصرّت على أن تصافح العازفين وتشكرهم على أدائهم.

وتقول بحماسة “هذا المكان (دار الأوبرا) أحبّه جدا، والمشهد الذي شاهدته اليوم هو سوريا التي أحبّها.” وتضيف “هذه الموسيقى هي تكريم لكلّ سوري بقي في سوريا، وناضل من أجل هذا اليوم، هذه الموسيقى هي تحيّة لنا ولأرواح الشهداء،” متابعة “أنا متفائلة جدا، ومتفائلة بغد أجمل.”

18