حزب الأمة يلملم شتاته بمشروع لوقف الحرب في السودان

يحاول حزب الأمة السوداني أن يوظف تاريخه ووزنه من أجل العودة إلى الواجهة والتأثير في واقع السودان ومستقبله بطرح مشروع جديد لوقف الحرب. فالحزب، الذي لديه بنية ضخمة من الأعضاء ويعود تاريخه لأكثر من ثمانية عقود، ويمثل جميع توجهات الشعب السوداني، يراهن على أن يقود قاطرة الحل.
الخرطوم- يحاول حزب الأمة القومي السوداني كسر حدة الاستقطاب السياسي، بإجازة مشروع سياسي قال إنه يهدف إلى إنهاء النزاع القائم عبر التفاوض المباشر تحت إشراف هيئة قومية متخصصة، من أجل لملمة شتاته مع تباعد المواقف بين أقطاب تدعم قوات الدعم السريع تعتزم المشاركة في الحكومة الموازية التي يجري الإعداد للإعلان عنها في مناطق سيطرتها، وآخرين محسوبين على الجيش، ومرشحين أيضا للمشاركة في حكومة جديدة قد ترى النور خلال الفترة المقبلة.
وأعلن حزب الأمة، وهو أكبر الأحزاب السودانية، عقب اجتماع لهيئته العليا، الثلاثاء، أن “مشروع الخلاص الوطني” يرمي لإجراء مفاوضات تحت إشراف هيئة قومية، والتوجه نحو إجراء المصالحة الوطنية لعلاج الجراحات وتأمين وحدة التراب الوطني وتعزيز الاندماج بين القوى المجتمعية والسياسية.
وتضمّن المشروع الحديث عن رؤية جديدة لترتيبات مرحلة الانتقال المدني عبر شرعية سياسية توافقية، ثم شرعية انتخابية قائمة على مبدأ التفويض الشعبي.
ويسعى حزب الأمة إلى استباق أزمات قد تتفجر داخله، حال شارك رئيسه فضل الله برمة ناصر في الحكومة الموازية، إذ كان من بين الحاضرين في اجتماعات عقدت في نيروبي أخيرا، بينما الموقف الرسمي للحرب وتعبر عنه بيانات رسمية هو رفض المشاركة في تلك الحكومة، ما سيقود إلى حالة من التشظي داخله إذا لم يلتزم رئيس الحزب بالقرارات الصادرة عن مؤسساته.
وهدف الحزب من خلال مشروعه أن يستعيد حضوره في المشهد السياسي والشعبي بعد أن تأثر بشكل كبير منذ وفاة زعيمه الصادق المهدي قبل خمس سنوات، وبدا أنه يسعى للعودة إلى العمل في إطار داخلي أكثر منه قائما على المواقف الجماعية للتحالفات التي يتواجد فيها، وفي القلب منها تنسيقية “تقدم”، والتي تواجه ملامح انقسام جراء اختلاف المواقف حول مجموعة من الملفات الشائكة أبرزها الحكومة الموازية.
وبات تجميع شتات الحزب عملية صعبة للغاية وأن الانقسام يتواجد على المستوى القاعدي دون أن تسمح الوضعية السياسية بفعل استمرار الحرب ليتحول إلى انقسام الجسم السياسي بفعل تأثر الحزب بتوجهات الحواضن الاجتماعية التي تنظر إلى أيّ من طرفي الصراع باعتباره الأقرب لمصالحها سواء أكان ذلك في مناطق الدعم السريع أو الولايات الواقعة تحت سيطرة الجيش، وهو أكثر المتضررين من حرب حاول تبني مواقف تجعله على مسافة بعيدة، لكن الاستقطاب طال القواعد ووصل إلى الرأس.
وقال الأمين العام لحزب الأمة القومي الواثق البرير لـ”العرب” إن الحزب أعلن عن مشروع سياسي كامل كإستراتيجية جديدة لاحتواء النزاع القائم والضغط على الفاعلين للاتجاه نحو التفاوض المباشر بإشراف مسنود من جبهة شعبية متفق عليها.
وعلى الرغم من فشل التوافق على الجبهة المدنية العريضة التي كان من المفترض أن تمثل تلك الجبهة، إلا أن ذلك لا يمنع من مشاركة أكبر عدد من القوى السياسية ذات المواقف المتقاربة والنقابات المهنية كمشرفة على تنفيذ المشروع حال التوافق عليه.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن الحزب يسعى لإيجاد شرعية نحو السلطة التي تدير المرحلة الانتقالية عقب توقف الحرب ووضع ثوابت لها عبر حصولها على تفويض شعبي لتفويت الفرصة للطعن على شرعيتها، ما يجعل المشروع يخاطب قضايا قومية شاملة تحدث عنها السودانيون مؤخرا.
كما أن المشروع هو إضافة للمبادرات السابقة وليس لاغيا لها وبانتظار رأي التحالفات المدنية في كيفية تنفيذه وسيتم عرضها على جميع شركاء الوطن باستثناء حزب المؤتمر الوطني وكل من لديه رغبة في وقف الحرب.
وتعبر رؤية حزب الأمة عن شعارات حالمة أكثر من كونها مشروعا سياسيا قابلا للتطبيق، وتواجه الكثير من العوائق، فلا توجد تفاهمات بين القوى السياسية على طريق واحد لوقف الحرب، وتشير الوضعية العسكرية على الأرض إلى أن الصراع ممتد وفي حاجة للبحث عن أدوات دولية فاعلة للضغط على الطرفين نحو الذهاب إلى المفاوضات أولا، ثم النظر في شرعية من يقود المرحلة الانتقالية المقبلة، وستكون نتيجة إفرازات المفاوضات بين الأطراف المؤثرة في الوضع العسكري الراهن.
وهدف حزب الأمة من وراء الدفع بالمشروع إلى طرفي النزاع والمجتمع الإقليمي والدولي الحصول على الدعم السياسي واللوجستي والإنساني، وهو من الصعب تحقيقه، فالأمر يتعلق برؤية حزب واحد من بين عشرات الأحزاب والمكونات السياسية التي تتواجد بالفعل داخل مكونات وتحالفات سياسية، ويمكن أن يبقى ما يخرج عنها من تفاهمات أكثر تأثيرا على الساحة الدولية.
وتشير تجربة تنسيقية “تقدم” لوجود صعوبات في استقطاب القوى الإقليمية الفاعلة نحو رؤية القوى المدنية وأن مصالح الأطراف المتصارعة وبعض الداعمين سوف تحسم طريقة وقف الحرب بعد أن فشلت القوى المدنية في تبني موقف واحد، بل أصبحت تسير في طريق الانقسام.
واعترف الواثق البرير في حديثه لـ”العرب” بما تعانيه القوى المدنية من خلافات وانعكاسها على حزب الأمة، الذي لديه بنية ضخمة من الأعضاء ويعود تاريخه لأكثر من ثمانية عقود، ويمثل جميع إشكاليات وتوجهات الشعب السوداني، وأن تلك التصدعات تؤثر على مواقفه وقراراته، لكن ذلك أمر واقع بفعل الانقسامات داخل النسيج المجتمعي السوداني، وتمدد الاستقطابات داخل كل أسرة وقبيلة، غير أن القرار النهائي يبقى من خلال مؤسسات الحزب التي مازالت موجودة وصامدة.
المشروع يتضمن رؤية جديدة لترتيبات الانتقال المدني عبر شرعية سياسية توافقية، ثم شرعية انتخابية قائمة على مبدأ التفويض الشعبي
وشدد على أن المكتب السياسي والمكتب التنفيذي والأمانة العامة مؤسسات بيدها القرار النهائي للحزب، حيث جرى انتخاب أعضائها، وما سيصدر عنها من قرارات لن يتم تطبيقها حال مخالفة لوائح الحزب، وهناك أفراد عندهم رؤى مختلفة بما في ذلك رئيس الحزب، لكنه ملزم بما يصدر عن مؤسسات الحزب.
وأوضح أن مشاركة أيّ من أعضاء الحزب في حكومات محسوبة على التنظيم الإسلامي في السوداني ليس بجديد على الحزب وثمة قيادات شاركت في السابق في حكومات شمولية وعسكرية وهي أوراق شجر ذابلة تتساقط بعد فترة دون أن تؤثر في مسيرة الحزب الذي يثبت على جمر مبادئه الأساسية ومحاولة تمثيل الشعب السوداني وتقديم الحلول التي يمكن أن تقود لإنهاء الحرب ومحاولة وقف العبث القائم بين المكونات السياسية لحل القضايا التي تخدم مستقبل السودان وجيرانه.
ورغم اعتراف البرير بغياب القدرة على التوافق بين المكونات المدنية وحساسية الوضع داخل الحزب، إلا أنه شدد على أن المشكلة في الطموحات والأطماع غير المبررة من جانب العسكر والمدنيين، ما يفرض البحث عن مشروع تنموي يساعد السودانيين على العيش بسلام، يبدأ من وقف الحرب والاتفاق على شرعية جديدة تقود المرحلة الانتقالية.