تطبيع العلاقات بين تركيا ومصر يفتح آفاقًا للتوافق الإستراتيجي

يجادل خبراء أن تطبيع العلاقات بين تركيا ومصر سينعكس بالضرورة على أزمات بعض دول المنطقة، ما سيحقق نقلة نوعية في مسارات تسوية هذه الأزمات. ويرجح الخبراء أن يكون السودان وليبيا في قلب التفاهمات المحتملة.
إسطنبول - يرى محللون أن التحسن في العلاقات بين تركيا ومصر يفتح آفاقًا للتوافق الإستراتيجي في كل من السودان وليبيا ما قد يساعد على تسوية هذه الأزمات الإقليمية والاستقرار في المنطقة.
وتسعى مصر، مدفوعة بالمخاوف بشأن أمن مياه النيل والمصالح الجيوسياسية، إلى حكومة مستقرة في الخرطوم تتوافق مع مصالحها. وعلى نحو مماثل، تفضل تركيا، باستثماراتها الكبيرة في السودان، بيئة مستقرة لحماية أنشطتها الاقتصادية.
وترجح نبهات تانريفردي يشار، و هي زميلة الدراسات التطبيقية لتركيا في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في تقرير نشره المجلس الأطلسي أن تنظر أنقرة إلى دعم وساطة القاهرة في السودان باعتباره ميزة إستراتيجية، خاصة في ضوء محاولات تركيا الفاشلة السابقة للوساطة.
وقد سعت مصر بنشاط إلى بذل جهود دبلوماسية، بما في ذلك استضافة قمة للدول المجاورة للسودان في يوليو 2023 لإنشاء إطار لحل النزاعات.
ومع ذلك، فإن المبادرات التي يقودها شركاء الخليج، مثل منصة جدة التي تسيرها الولايات المتحدة والسعودية، ومحادثات المنامة في يناير 2024، ومحادثات جنيف الأخيرة، طغت على دور مصر، مما سلط الضوء على تحدي الحفاظ على النفوذ وسط جهود الوساطة المتنافسة.
أنقرة قد تنظر إلى دعم وساطة القاهرة في السودان باعتباره ميزة إستراتيجية، خاصة في ضوء محاولاتها الفاشلة السابقة للوساطة
ومع تطبيع تركيا ومصر لعلاقاتهما، ظهرت إمكانية التوافق في السودان. فبالنسبة لأنقرة، يمثل هذا التقارب فرصة للقيام بدور أكثر جرأة في الحرب الأهلية الجارية في السودان من خلال التعاون مع القاهرة، وتغيير موقفها الحذر إلى موقف استباقي. ومع ذلك، فإن هذا التحول المحتمل محفوف بالتحديات حيث تتنقل الدولتان بين التنافسات الراسخة والمصالح المتباينة التي تستمر في تشكيل البيئة الجيوسياسية الأوسع.
ومن الممكن أن تعزز الشراكة الإستراتيجية بين القاهرة وأنقرة فعاليتها، ولكنها تتطلب الملاحة الدقيقة لتجنب المنافسة المباشرة مع دول الخليج.
وفي حين تحاول إيران كسب الأرض في السودان، وهو ما سيساعد طهران على توسيع نفوذها في أفريقيا ومنطقة البحر الأحمر، فقد تستخدم أنقرة هذا للتنقل بين الديناميكيات الإقليمية المعقدة التي تتكشف في السودان بين قوى الخليج ومصر.
وتشير التقارير إلى أن إيران زودت القوات المسلحة السودانية بطائرات دون طيار، مما ساعدها في عكس مكاسب قوات الدعم السريع؛ ومن ناحية أخرى، تقوم بتسليح الطرفين المتحاربين بصواريخها المضادة للدبابات.
وبعد إعادة تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع السودان بعد ثماني سنوات من قطع العلاقات، قد يؤدي تورط إيران إلى قلب ديناميكيات القوة الإقليمية.
وقد تجد القاهرة وأنقرة أنه من مصلحتهما التعاون في السودان لمساعدة طرفي النزاع على الجلوس على طاولة المفاوضات وموازنة إيران.
مصر تسعى مدفوعة بالمخاوف بشأن أمن مياه النيل والمصالح الجيوسياسية، إلى حكومة مستقرة في الخرطوم تتوافق مع مصالحها
وأعطت أنقرة الأولوية لتوسيع العلاقات الاقتصادية مع السودان. ونمت صادرات تركيا إلى السودان بنسبة 22.25 في المائة في عام 2020، مما جعل السودان سادس أكبر شريك تصدير في أفريقيا، بقيمة تزيد عن 300 مليون دولار.
وفي عام 2021، حددت الدولتان هدفًا بقيمة 2 مليار دولار في السنوات الخمس المقبلة. كما زار البرهان رئاسة الصناعات الدفاعية في أنقرة، مما أظهر اهتمام القوات المسلحة السودانية بالمعدات العسكرية التركية.
ومع ذلك، واجهت المشاريع التجارية التركية في السودان انتكاسات. فقد تم تعليق بناء مطار الخرطوم الدولي الجديد من قبل شركة سوما التركية في عام 2019، مع استمرار المفاوضات ولكن لم يتم تحديد جدول زمني.
وغادرت شركة إم في كارادينيز باورشيب راوف بي التركية السودان في عام 2022 بسبب الديون غير المسددة، مما يسلط الضوء على التحديات المالية. وبالمثل، توقفت المبادرات في مجال الطاقة والتعدين، بما في ذلك الاتفاقيات مع شركة البترول التركية وشركات تركية أخرى، منذ عام 2019. وتركز أنقرة على إقناع السلطات السودانية بإحياء الاتفاقيات الموقعة بشأن التعدين والطاقة والبنية التحتية.
وعلى سبيل المثال، زار مدير الإدارة العامة لأبحاث واستكشاف المعادن في تركيا، والمعروفة باسم إم تي إيه، الخرطوم في عام 2022 لإقناع وزير الطاقة السوداني بإعادة النظر في الاتفاقيات الموقعة من قبل.
وإذا تمكنت القاهرة وأنقرة من تحقيق مثل هذه الشراكة الإستراتيجية وتحقيق نتائج، فقد تكون لهذا أيضًا آثار على ليبيا.
ربما تتوقع أنقرة أن التقارب الأخير مع القاهرة من شأنه أن يشجع الحكومة السودانية الجديدة على أن تصبح أكثر تقبلاً للتعاون مع أنقرة
وتخشى أنقرة من التأثير غير المباشر المحتمل للصراع السوداني على ليبيا. ومع عودة الصراع على السيطرة على موارد النفط من جهة، والإيرادات المتولدة من النفط من جهة أخرى، إلى الظهور في ليبيا وسط أزمة مصرف ليبيا المركزي، والهجمات العسكرية التي يشنها الجيش الوطني الليبي في غدامس، وتعبئة قوات طرابلس، فمن المرجح أن تسعى أنقرة إلى إيجاد سبل لاحتواء خطر الصراع والحفاظ على الاستقرار الهش في ليبيا.
ومع ذلك، فإن التحالف الوثيق مع القاهرة من شأنه أن يفرض أيضًا بعض التحديات على أنقرة، وخاصة في إدارة علاقتها بإثيوبيا، الشريك الإقليمي الرئيسي الذي يتمتع باستثمارات تركية كبيرة، وصفقات أسلحة، وتعاون أمني.
وقد تورطت إثيوبيا بالفعل في نزاعات مع مصر بشأن سد النهضة الإثيوبي الكبير. ويتردد صدى التوتر بينهما بشكل متزايد في الجغرافيا السياسية الأوسع نطاقًا مع تحالف الصومال ومصر في أعقاب صفقة الموانئ بين إثيوبيا وأرض الصومال. ومع تعميق أنقرة للعلاقات مع القاهرة، فإن موازنة هذه العلاقة مع مصالحها الإستراتيجية في إثيوبيا سيكون أمرًا بالغ الأهمية، مما قد يحد من مدى تحالف تركيا مع مصر في السودان.
وقد يساعد تحسين العلاقات مع مصر تركيا على التغلب على التحديات في السودان. وربما تتوقع أنقرة أن التقارب الأخير مع القاهرة، بعد الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، من شأنه أن يشجع الحكومة السودانية الجديدة على أن تصبح أكثر تقبلاً للتعاون مع أنقرة مع تراجع التنافس الإقليمي. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات كبيرة لاستئناف التعاون المتوقف، وخاصة في المجال الاقتصادي.
وتشمل الأولويات الرئيسية لأنقرة إعادة تنشيط المشاريع المتوقفة في الطاقة والتعدين والبنية التحتية الاستراتيجية لتعزيز العلاقات الاقتصادية. ومع ذلك، وعلى الرغم من الاتجاه التصاعدي في التجارة، تظل العديد من الاتفاقيات راكدة ليس فقط بسبب تردد مجلس السيادة السوداني في إعادة التعامل مع أنقرة ولكن أيضًا بسبب القيود المالية السودانية والصراع المطول، الذي يعيق فرص الاستثمار على نطاق واسع.
ورغم أن التقارب بين تركيا ومصر يوفر إمكانية العمل المنسق في السودان، فإن التنافسات الإقليمية الراسخة، والمصالح الاستراتيجية المتضاربة، ومشاركة الجهات الفاعلة الخارجية سوف تؤثر على عمق واستدامة هذا التعاون. وسوف يتطلب التعامل مع هذه التحديات دبلوماسية حذرة وإعادة معايرة الإستراتيجية الإقليمية لكلا البلدين.