منارة الكفل صرح العمارة الإسلامية في العراق لا يستحق الإهمال

تاريخ عمارة منارة الكفل يمثل شهادة حية على عراقة التاريخ، وتعد واحدة من أبرز المعالم الإسلامية التي تحمل إرثا دينيا وتاريخيا عظيما.
السبت 2025/01/18
تصميم يعود إلى العصور الوسطى

منارة الكفل في العراق تعد شاهدا حيا على تطور العمارة الإسلامية والحياة الروحانية، وتعد رمزا من رموز الهوية. ورغم ما تعانيه من تحديات فإنها لا تستحق الإهمال، بل تحتاج إلى المزيد من الاهتمام والرعاية.

الحلة (العراق) ـ منارة الكفل هي واحدة من أبرز المعالم التاريخية والدينية في العراق، وتقع في ناحية الكفل جنوب محافظة بابل. وتشتهر المنطقة بوجود مرقد النبي ذو الكفل، الذي يُعتقد أنه النبي حزقيال في التقاليد الإسلامية واليهودية والمسيحية. وتعد المنارة جزءا من مجمع تاريخي يتضمن المرقد والمسجد الملحق به.

وفي تصريح لوكالة الأنباء الوطنية العراقية أكد المؤرخ علي مرجان أن المنارة تتميز بتصميم معماري إسلامي يعود إلى العصور الوسطى، وهي مبنية من الطوب الطيني الذي كان شائعا في تلك الفترة. وأضاف أن المنارة تمتاز بشكلها الأسطواني اللافت وارتفاعها الملحوظ، حيث تبدأ بقاعدة عريضة وتتناقص تدريجيا نحو الأعلى. كما تحتوي المنارة على نقوش وزخارف تعكس الفن الإسلامي في تلك الحقبة، وتظهر التأثيرات المعمارية المحلية والإقليمية.

وأشار مرجان إلى أن أهمية المنارة تاريخيا تكمن في كونها جزءا من موقع تاريخي يعود إلى عدة عصور، حيث كانت المنطقة مركزا دينيا وثقافيا بارزا. ووفقا للوثائق التاريخية، تم تجديد المجمع في العهد العباسي، ثم شهد العديد من التحسينات والترميمات خلال العهدين المغولي والعثماني. وأضاف أن المرقد والمنارة يمثلان موقعا مقدسا للمسلمين واليهود على حد سواء، ويُعتبر المكان محط احترام للزوار، لاسيما في المناسبات الدينية.

وكانت الكفل تعرف قديما باسم “قرية بئر ملاحة”، وأول ما يلفت انتباه الزائر إلى هذه المدينة هو القبة والمنارتان الشامختان اللتان تعكسان بوضوح التباين الزمني بينهما. المنارة الأولى، التي يعتقد أنها تعود إلى فترة السلاجقة، تتميز بتصميم يعكس طرازها المعماري الذي يشبه مئذنة وقبة “ست زبيدة” في بغداد، زوجة هارون الرشيد. ويبلغ ارتفاعها 54 مترا، وهي مبنية من الطابوق والجص والنورة.

opo

أما المنارة الثانية، فهي تعود إلى فترة الدولة البويهية، حيث تزينها نقوش ورسومات على الطراز الكوفي القديم. ويصل ارتفاع هذه المنارة إلى 20 مترا وسعتها 30 مترا، وهي أيضا مبنية من الطابوق والجص والنورة، وتضم داخلها سلّما لولبيا يؤدي إلى قمة المئذنة وحوضها. كما أن قبة المرقد، التي تقع بالقرب منها، تمتاز بمساحة تبلغ 30 مترا مربعا وبارتفاع يصل إلى 20 مترا.

وفي جولة داخل المرقد، يمكن للزائر رؤية أربعة مراقد متراصفة تعود إلى أصحاب النبي ذو الكفل، وهي بارتفاع متر وطول متر تقريبا. وهذه المراقد تعود ليوشع ويوحنا الدملجي وخون ناقل التوراة وباروخ. ومقابل هذه القبور، توجد غرفة صغيرة بمساحة تسعة أمتار مربعة، يُعتقد أنها مقام نبي الله الخضر، حيث تزين جدرانها نقوش إسلامية باللون الأحمر.

وتشير الباحثة رنا رسمي إلى أن تاريخ عمارة منارة الكفل يمثل شهادة حية على عراقة التاريخ، إذ تقع المنارة في قلب ناحية الكفل بمحافظة بابل العراقية، وتعد واحدة من أبرز المعالم الإسلامية التي تحمل إرثا دينيا وتاريخيا عظيما. وتشكل المنارة جزءا من مجمع مرقد النبي ذو الكفل، الذي يعد وجهة مقدسة في التراثين الإسلامي واليهودي على حد سواء. وتعتبر هذه المنارة تحفة معمارية تسلط الضوء على تطور فنون العمارة الإسلامية في العراق.

وأكدت رسمي أن منارة الكفل تتميز بأسلوب معماري يعكس التقاليد الإسلامية في بناء المآذن. ويبلغ ارتفاعها نحو 25 مترا، وهي مبنية من الطوب الطيني، الذي كان المادة الأساسية للبناء في بلاد الرافدين. وتبدأ المنارة بقاعدة عريضة أسطوانية، ثم تتناقص تدريجيا كلما ارتفعت إلى الأعلى. ومن أبرز ميزاتها الزخارف الجصية والنقوش الهندسية المتقنة التي تزين الجزء العلوي منها. كما تضم شرفة دائرية كانت تستخدم قديما للأذان، وهي مزودة بدرابزين يحيط بها بشكل آمن.

خحخ

وأضافت الباحثة أن منارة الكفل شهدت على مر العصور العديد من عمليات الترميم. ففي الحقبة المغولية، تمت إضافة عناصر زخرفية جديدة، بينما شهدت الفترة العثمانية تحسينات هيكلية لضمان استقرارها. وفي العصر الحديث، تعرض الموقع للإهمال نتيجة الأوضاع السياسية التي مرت بها المنطقة، لكن محاولات إعادة تأهيله بدأت تستعيد زخمها.

وبالرغم من قيمتها التاريخية والدينية، تواجه منارة الكفل العديد من التحديات، من بينها عوامل التعرية الطبيعية وضعف عمليات الصيانة المنتظمة. بالإضافة إلى ذلك، تحتاج المنطقة المحيطة إلى تخطيط مدروس للحفاظ على هويتها الثقافية، مع توفير مرافق تخدم الزوار وتحمي الموقع من التعديات.

وتظل منارة الكفل شاهدا على تطور العمارة الإسلامية وروحانية العراق عبر العصور. فهذا المعلم، الذي يجمع بين التاريخ والفن والدين يحتاج إلى المزيد من الاهتمام ليظل رمزا للهوية العراقية ومصدر إلهام للأجيال القادمة.

18